لو تغيّرت التّحالفات العربيّة

من بدهيّات السّياسة أنّ العلاقات بين الدّول تقوم على المصالح، وقد أثبتت التّجارب الطّويلة أنّ المصالح الأمريكيّة في الشّرق الأوسط تقوم على أساس"اسرائيل قويّة وعرب ضعفاء"، لكن هذه القاعدة لا يبدو أنّها تنطبق على الدّول العربيّة. فبعد أن قبضت أمريكا مئات مليارات الدّولارات من دول الخليج، وصفّق قادة 56 دولة عربيّة واسلاميّة للرئيس الأمريكي ترامب في أيّار-مايو- الماضي عند زيارته للسّعوديّة كافأهم في 6 ديسمبر 2017 باعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لاسرائيل، وقرار نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وأطلق يد الحكومة الاسرائيليّة لمواصلة الاستيطان في الأراض الفلسطينيّة المحتلة وتدمير حلّ الدّولتين، غير مكترث بأيّ ردة فعل عربيّة تستحق الانتباه.

وكانت ردّة الفعل العربيّة الرّسميّة باستثناء "فلسطين والأردن" تدعو إلى الحزن، وحتّى مشروع القرار المصري الذي قدّم إلى مجلس الأمن الدّولي بخصوص القدس، كان خجولا وتعمّد عدم ذكر اسم الولايات المتّحدة فيه؛ ليتيح الفرصة لأمريكا لاستخدام حقّ النقض "الفيتو" ضدّه.

كلّنا نعرف أنّ الدّول العربيّة والاسلاميّة لا تستطيع مواجهة أمريكا، بل إنّها لا تستطيع مجابهة ربيبتها اسرائيل، لكن للدّول العربيّة أسلحة قويّة لو أشهرتها لقلبت المعادلة، وفي مقدّمة هذه الأسلحة البترول بشكل خاصّ والاقتصاد بشكل عامّ، ولو استبدلت القيادات العربيّة، -وهذا يفترض أنّها قامت به منذ سنوات- تحالفاتها الدّوليّة، من باب الحرص على مصالحها، لما تجرّأ ترامب وغيره على المسّ بمدينة القدس، ولما استمرّ الاحتلال الاسرائيلي بكل موبقاته وفي مقدّمتها الاستيطان. ولو كان القادة العرب يتحلّون بالجرأة الكافية للتّحالف مع دول عظمى تؤيّد الحقوق العربيّة، وفي مقدّمتها حق الشّعب الفلسطينيّ العربيّ في تقرير مصيره ولقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف، بعد كنس الاحتلال ومخلّفاته كافّة.  ومن هذه الدّول روسيا والصّين، وإلى حدّ ما فرنسا وألمانيا، لاختلفت الموازين بشكل لا يقبل الشّكّ. ولو فرض العرب مقاطعة للبضائع الأمريكيّة، لأعادت أمريكا حساباتها مليون مرّة. ولأجبرت على التّخلي عن سياساتها المعادية للعرب. ولتمّ انقاذ حياة الملايين في سوريّا، العراق، ليبيا، اليمن وغيرها بسبب الحروب التي تفتعلها أمريكا في المنطقة. لكن الأمنيات شيء والواقع شيء آخر.

وسوم: العدد 754