محادثة في ملجأ
أبَتاهُ :
لا تذهب فإني خائِفٌ
أن يَحضُرَ الأوغادُ يا أبتي
فَخُذني يامُنى عَينِي مَعَك .
لاتَتركِ القلبَ الصَغيرَ مُعلَّقاُ ،
مابينَ خوفٍ
مِن جنودٍ ـ إن أتَو صُعِقَ الفؤادُ ـ
وبينَ خوفٍ
أن تعودَ مُضَرجاً ياوالدي .… ..
مَوتي يَهونُ ولا أُشاهدُ مَصرعَك .
أبَتاهُ :
هل كلُ الطفولةِ هكذا ،… ..!؟
هل كلُ أطفالِ العُروبةِ مِثلُنا… !؟
مُتَشردونَ وخائفون … .!!
وكُلُّنا مُستهدفونَ بأبشعِ الطُرُقِ التي …… .
للقتلِ سَنّوها لنا…… ..!!؟؟
أبتي تَمالَكْ .…… .!!
فالبكاءُ يَزيدُني ألَـماً إذا عَينِي رَأت دَمعاً تَغَشَّى ذاتَ يومٍ مَدمَعَكْ .…… .
بالأمسِ ياأبتي :
قرأتُ حِكايةً ، مَلأت فؤادي فَرحةً ،
لكنها قد غادَرَتهُ… !!
ولم تَـدُم لمَّـا سَمِعتُ القاذفاتُ تَدُكُّنا ..!!!
فأخذتُ أقرأ ( والضُحى )
وهُدَأتُ عندَ : (إذا سَجَى ماوَدَّعَـكْ ) .
سَبعٌ مِنَ الأعوامِ مرَّت ياأبي ،
وكأنها سَبعونَ ،
بل وكأنها تاريخُ شَعبٍ قد طَوَت صَفَحَاتِهِ الآلامُ والآمالُ والأحلامُ والإجرام
والأزلامُ والأقزامُ …… ..!!!
قد قتلوا الطفولةَ ياأبي … ..!!!
فاحذر كِلابَ الفُرسِ ألَّا تَخـدَعَك .
خُذني وَخُذ روحي مَعكْ… ..!
لن أستطيعَ على الفراقِ… ..
وإنَّني … .
أرجوكَ لا تذهبْ ..
فإني قد شُفيتُ …
ولم أعُـد … .
أبغي الدواءَ ،
وها أنا … .!!
بيديَّ أدفعُ عَجْلَتَي كُرسِيِّيَ الأبديِّ حتى أتبعَكْ .
بالأمسِ قد قَتَلوا زِياداً عِندما اقتحموا البُيوتَ
وقُطِّعَت أطرافُ ليلى … .
والكثيرُ تَقَطَّعَت أطرافُهم . … .!!!
وأنا كذلك قد جَلستُ إلى الأبد …
أو لاقتِحامٍ مُقبلٍ ……
أنا ماخشيتُ الموتَ خَوفاً ياأبي ،
لكنني :
أخشاهُ كي لا أُفجَـعَـكْ .
أبتاهُ :
هل جيشُ النِظامِ
حَقيقةً قد كان يوماً جَيشَنا … !؟
ورئيسُهُ الجَزارُ كانَ رئيسَنا … .؟
وهلِ المدافعُ كُلُّها والطائراتُ ،
وماحَوَت تلك المَخازنُ مِن سِلاحٍ مُلكُـنا… ؟
هل مرَّ يوماً ياأبي :
لم تُخشَ تلك الطائراتُ إذا عَبَرنَ سَماءَنا…… ؟
وهلِ المدافعُ ذاتَ يومٍ صُوِّبَت نحوَ اليهودِ ،
ولم تُصوَّب نَحوَنا…… ؟
قل لي : لماذا اليومَ قَضَّت مَضجَعي ،
بِدَوِيِّها تلكَ المدافعُ ،
بَل وقَضَّت مَضجَعَكْ … ..
ماعادَ يَلزمُني الطَعامُ ،
ولا الشَرابُ ،
ولا الدَّواءُ …
وإنَّني سَأصومُ كُلَّ الدَهرِ .
رغمَ الرُّعبِ ،
رغمَ القهرِ ،
رغمَ مَرارةِ الأيامِ …… فابقى هاهُنا .
ماعُدتُ طِفلاً ياأبي .
فلقد لَمَستُ بِأنَّ وَضعِيَ أوجَعَكْ .……
ويعودُ سِربُ الطائِراتِ مُدَوِّياً .
وعَلا الصُراخُ … ..
وعَمَّتِ الفَوضى … ..
وأطفِئتِ القَناديلُ التي قد شاركتهُم كُلَّ يومٍ خَوفَهم ..!
وتَزاحَمَ الأطفالُ تحتَ بنايةٍ…
ويُرَدِّدونَ جَميعَهُم :
ياقائلاً لِنَبِيِّهٍ : ( ماوَدَّعَكْ… ماوَدَّعَكْ )…… ..
وسوم: العدد 769