على الشعر السلام

ليسَ عندي ما أقولُهْ ..

فاعذُروني ..

لم يعدْ عندي كلامٌ كالذي كنتُ أقولُهْ ..

فسِباقُ الشِّعرِ قد خارَتْ خُيولُهْ ..

في ميادينِ الكِرامْ ..

بعد أن سادَ اللِّئامْ ..

فعلى الشِّعرِ السلامْ ..

سامحوني ..

  

                    *    *    *

سامحوني ..

لم أعُدْ أُحسِنُ تنميقَ الكلامْ ..

بعدَ أنْ عَمَّ الظلامْ ..

ليسَ في مرآةِ أحلامي النَّديِّةْ ..

وَمْضةٌ تبعثُ فيَّ ..

زَفَراتٍ أُمَوِيَّةْ ..

لم تعدْ تنبضُ أوتاري إباءً وحميَّةْ ..

أفلتَتْ منِّي القوافي واستباحوا شفتيَّ ..

آهِ يا آهاتِ قلبي كمْ تشهَّيْتِ المُدامْ ..

في ميادينِ الكِرامْ ..

                    *    *    *

كمْ تعلَّلْتُ بأقواسٍ على وَقْعِ الطُّبولْ ..

وانتظرتُ الفجرَ يأتي بصهيلٍ وخُيولْ ..

لأُغنى نشوةَ النصرِ على أبوابِ درعا فأقولْ :

(قالوا  وقُلنا  وكم  سُمناكِ    بُهتانا

درعا    فديتُكِ    عادَ    الكأسُ    ريَّانا

صُبِّي كُؤوسَ الهوى واسقِ الصَّبيبَ فما

أترَعْتِ    قلبيَ    إلاَّ    ازدادَ    إدمانا)

آهِ يا درعا الغطاريفِ الأوائلْ ..

آهِ يا درعا السَّنابلْ ..

آهِ يا درعا المشاعلْ ..

يا انبعاثَ الفجرِ من كهفِ ظلامي ..

آهِ يا أولَ عشقي وغرامي ..

يالتعسِ العاشقينْ ..

سامحيني ..

                    *    *    *

سامحيني ..

لم أكنْ أعلمُ يا أُمَّ الضَّفائرْ ..

أنَّهمْ باعوكِ بَخْثاً مثلما باعوا الأظافرْ ..

وقِبابَ الياسَمينْ ..

قبل شهرينِ بكَيْنا ..

ساحةَ الفُسطاطِ في أرضِ الملاحِمْ ..

بعدَما كُنَّا بكَيْنا قبلَها كُلَّ العواصِمْ ..

للملوكِ الهاربينْ ..

من دُوَيْلاتِ الطَّوائفْ ..

أتُرانا قد تفرَّدْنا بتلميعِ الهزائمْ ..

                      *    *    *

كنتُ أستبقي قوافِيَّ العَذارى ..

لنهارٍ تشرقُ البسمةُ فيهِ ..

من روابيكِ الغَيارى ..

لأُذيبَ الشَّوقَ من جمرِ شِفاهي الحالماتْ ..

فوقَ أقدامِ الأُباةْ ..

قُبُلاتٍ قُبُلاتٍ قُبُلاتْ ..

لكِ يا درعا اعتذاراً وانكسارا :

(حبيبتـي فاغفــري لي  إنَّنـي نَـدِمٌ

وتائــبٌ  يرتجي  صَفْحــاً  وغُفْــرانا

ها قـد لَجـأتُ إلـى عينَيْـكِ مُنكسِـراً

هل تقبليــنَ عَصِيّــاً عــادَ ندمـــانا

هل لي لصـدرِكِ رُجْعَـى بعدَ مُنقَلبي

أمْ أنَّنـي سوف أقضـي العُمْـرَ ظمـآنا)

بَيْدَ أنِّي عدتُ أدراجي إلى خطِّ البدايةْ ..

                    *    *    *

آهِ يا درعا البدايةْ ..

آهِ يا درعا النَّهايةْ ..

آهِ ياحبِّي الذي مازالَ بِكْرا ..

يا صدى أغنيَّةٍ ربيتُها شطراً فشطرا ..

يا عبيراً قد تشظَّى نَسَماتٍ فُحْنَ شِعرا ..

فأسَلْنَ الشِّعرَ عطرا :

(درعـا وأحبـسُ أنفاسـي  إذا خطـرَتْ

ذِكراكِ فـي خاطِـري رَوْحـاً  ورَيْحـانا

ياللمُتيَّــمِ  والذِّكـــرى  تُؤَرِّقُـــــهُ

واللَّيــلُ يعتصــرُ الأجفــانَ  أشجـانا

ياحُبِّـيَ البِكْـرَ  إنَّ الشَّــوقَ أرجعَنــي

إلـى رُبــاكَ أُروِّي الظِّـــمْءَ  حَــوْرانا)

يالذكراكِ التي عَنَّتْ على بالِ الشُّموسْ ..

فاعتصرتُ الشِّعرَ خمرا ..

فمآقيكِ الكؤوسْ ..

يا عَروساً لم يزلْ فُستانُها الأبيضُ

يستقطبُ آلافَ الشُّموسْ ..

لأراها بعروسْ ..

                    *    *    *

لم يُصادِرْ منكِ أحلامَكِ أعداءُ الحياةْ ..

من مَجوسٍ ويهودٍ ومَغولٍ وفَرَنْجةْ .. 

بحميمِ الطائراتْ ..

وسِياجٍ من كلابٍ ضارياتْ ..

تمنعُ الماءَ عن الملهوفِ

ذاكَ العُرْف من أخلاقِ أبناءِ الرُّعاةْ ..

كلُّ مصاصي الدِّماءْ ..

نثروا فيكِ الورودْ ..

وادَّعوا النصرَ على أشلاءِ أطفالِ الحجارةْ ..

بعدما فرَّ الكُماةْ الأدعياءْ ..

من ميادينِ الفِداءْ :

(عِشْ كالنسورِ الجبالُ الشُّـمُّ  موطنُها

أو مُـتْ عزيزاً  فليـسَ الحُرُّ  مِذعـانا)

جرعوا الموتَ وباؤوا بالمذلةْ ..

فاستحالوا مُومياءْ ..

                    *    *    *

بعدَ مليوني شهيدٍ أو يزيدْ ..

لن يُعيدونا إلى عصرِ العبيدْ ..

إنَّ للباطلِ جولةْ ..

بينما للحقِّ جولاتٌ ستأتي ..

رغمَ قضبانِ الحديدْ ..

رغمَ ما ابتاعوا من الأنفسِ ذلَّتْ ..

بالأماني والوَعيدْ ..

رغمَ أبواقٍ تماهَتْ بالكِذابْ ..

لمَّعَتْ وجهَ الغُرابْ ..

أجرَتِ الماءَ بوديانِ السَّرابْ ..

وأضاءَتْ عتمةَ الليلِِ بفجرٍ من ضبابْ ..

وأقامَتْ فرحةَ النصرِ بأقواسِ الجليدْ ..

                    *    *    *

إنَّ للشَّامِ رجالاً ماتزالْ ..

تطلبُ الموتَ بساحاتِ النزالْ ..

لا تُديرُ الظَّهْر إلا لقتالْ ..

هُمْ رجالُ اللهِ ياخيرَ الرِّجالْ ..

هُمْ إذا ما قِيلَ يا خَيْلُ اركبي ..

أنجُمٌ فوقَ مُتونِ الشُّهُبِ ..

فاصدحي يادارَ درعا واطربي .. 

(لابُــدَّ يومـاً  نُــروِّي تُربَهــا قُبَــلاً

ويصـدَحُ الطيــرُ فيهـا مثلمــا كانــا

ياصاحِبَـيَّ كـؤوسَ الصبْـرِ  فاجترِعا

فاللــهُ قـد زادَ أهـلَ الصبْـرِ إيمــانـا

إنَّ الرَّزايــا  وإنْ  طـالَ  الزمــانُ  بهــا

لابُـدَّ مُذهِبُهــا مَـنْ كــانَ رحمـانــا)

                  *    *    *

سيميسُ القمحُ في تلكَ الرَّوابي ..

ويعودُ الماءُ عَذْباً في الخَوابي ..

عندها تنبضُ في قلبي الحياةْ ..

ويعودُ الشِّعرُ طَلقا ..

في متونِ القافياتْ ..

ويعودُ العشقُ عشقا ..

في العيون الشَّاحباتْ ..

فإلى ذاكَ المقامْ ..

أو على الشِّعرِ السَّلامْ ..

سامحوني ..

وسوم: العدد 781