[وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] {الحشر:9}.
أذِنَ اللَّهُ فانجلى اليومَ مــا بي = من جناياتِ غزوةِ الأحزابِ
ونأى الهـمُّ ، والدُّجُنَّةُ ولَّتْ = والرزايا تموجُ موجَ العبابِ
طلعَ البدرٌ فالليالي وِضاءٌ = والسَّماءُ القمراءُ أُفقُ طِرابي
والبشاراتُ رغمَ كلِّ المآسي = باسماتٌ يحملْنَ زَهْوَ رِغابي
أنا مَنْ فوَّضَ الأمورَ لربِّي = مَعْ دعاءٍ لبارئي مستجابِ
هجرةُ المصطفى ، وعامُ المآسي = يتلاشى من بعدِ طولِ العذابِ
هجرةٌ قد سَمَتْ بروحِ رِجالٍ = فَتَخَطَّتْ إيذاءَ ظُفْرٍ و نابِ
لـم يخافوا من سطوةِ الشَّرِّ وافتْ = مُجْتَنَاهُم بالعاصفِ الغلاَّبِ
إنَّـه اللهُ فالمخاوفُ غاضتْ = بَلَعَتْهـا أشداقُ تلك الشِّعابِ
أَوَلَمْ تُبصرِ المياهَ تناءتْ = للكليمِ النبيِّ دونَ ارتيابِ
أغرقَ اللهُ جندَ فرعونَ يومًـا = وتداعتْ قُوَّاتُـه للتبابِ
إنَّـه اللهُ فاتَّـقِ اللهَ واصبرْ = يطفئِ النارَ في شديدِ التهابِ
قد نجا إبراهيمُ منها فأضحى = في سلامٍ هفا وحُسْنِ مآبِ
تشمخُ النفسُ إذ رأتْ معجزاتٍ = رغمَ بغيِ المعاندِ الجوَّابِ
عزَّةُ الحـرِّ لليقينِ بربٍّ = ليس تفنى في العيشِ تحتَ الترابِ
فالمقاديرُ كلُّها بيدِ اللهِ ..= .. وليستْ لمرجفٍ كذَّابِ
لـمَ ، لمْ تذبحِ المُدى ذاتِ يومٍ = في مِنى إبراهيمَ ذا الآدابِ
ولقد بيعَ يوسفُ الحرُّ عبدًا = مثلَ باقي العبيدِ والأسلابِ
وإذِ العبدُ بينهم مَلِكٌ دانوا.. = .. لأحكامِه بأبهى خطابِ
وهو اللهُ ما تخلَّى عن العبدِ ..= .. بأحشاءِ حوتِ بحرٍ عُبابِ
ظلماتٌ وقد علمتَ ثلاثٌ = لحديثٍ يبقى مدى الأحقابِ
بَطْنُ حوتٍ وظلمة البحرِ آهٍ = وظلامُ الليلِ العريضِ الإهابِ
هكذا يحفظُ الإلهُ عبادًا = أتقياءً ومن ذوي الألبابِ
إنها هجرةُ النَّبيِّ ، وهذا = لطفُ ربِّي في جيئةٍ و ذهابِ
هـم أرادوا قتلَ الحبيبِ ولكنْ = ردَّ ربِّي كيدًا على الأعقابِ
وكرامُ الأصحابِ لاقوا عذابًـا = فاقَ عبرَ العصورِ كلَّ عذابِ
وافتدوا دينَهم بكلِّ نفيسٍ = من كريمِ الأموالِ والأحبابِ
وسقوا نبتةَ المآثرِ منها = فَتَثَنَّتْ في الأرضِ بالأرطابِ
فَهُمُ اليومَ فخرُنـا في حياةٍ = وَهُمُ العزمُ لاحَ للهيَّابِ
وَلَنِعْمَ المرابطونَ هُمُ اليومَ .. = .. لأجنادُ شِرعةِ الوهَّابِ
تنتشي الروحُ إذْ تشمُّ شذاهم = يملأُ الكائناتِ بالأطيابِ
ربِّ فاضَ الجوى بكلِّ أليمٍ = وتغشَّى أحناءَ صدري وِثابي
وتعجلْتُ السَّعيَ فابتدرَتْنِي = بأذاها ضراوةُ الأنيابِ
ورمتني بحقدِها عربداتٌ = راعفاتٌ بالشَّرِّ والأتعابِ
أطبقَتْ بالمُـدى عليَّ نفوسٌ = شحذَ الكفرُ حدَّهـا بانتيابِ
وتعاوتْ تلك النفوسُ بأرضي = كعواءِ الكلابِ أو كالذئابِ
هدموا كوخَنا الجميلَ وهدُّوا = صرحَ ماعندنا من الأحسابِ
إنَّهم أقبلوا ــ بغيرِ قناعٍ = لايبالون ــ بالقنا والحرابِ
وبنارٍ بالموتِ قد تتلظَّى = أو بِنُذْرِ اجتياحِهم والخرابِ
داهمونا من كلِّ فــجٍّ بغيضٍ = ومن الغربِ ماكرًا في الخطابِ
ومن الشَّرقِ والغًـا في دماءٍ = في محيطِ احتوائنا بالعذابِ
تلكَ ياصاحِ أُمَّتي أوهَنَتْهَـا = همزاتُ الأهواءِ والأحزابِ
تلك أرضي وأهلُها أفجعَتْهُم = هَلَكَاْتٌ في مذبحٍ واغتصابِ
سُقِيَتْ من مُــرِّ الهوانِ و عانتْ = من سمومِ فالسَّمتُ من مجدابِ
هجَّروا أهلَها الكرامَ وعاثوا = بطهاراتِ رفعةِ المحرابِ
وأذلُّوا أعزَّةً لم يُبالوا = بالمنايا قد لوَّحتْ والمصابِ
حين هاجَ الأشرارُ بالعبثِ المُبرمِ .. = .. من قبلُ في فجاجِ الشِّعابِ
هكذا تُذبَحُ الشعوبُ إذا ما = جذبتْها الأهواءُ أيَّ انجذابِ
فعراها الركونُ للظالمِ اليومَ .. = .. ودانتْ للمجرمِ المرتابِ
وتولَّى أُمورَها كلُّ وغــدٍ = أجنبيِّ الهوى بغيرِ صوابِ
لم يكنْ أهلا للمآثرِ تأبى = غيرَ فــذٍّ من حاملي الآدابِ
ذاك أقسى على النَّجابةِ أوهَتْ = مقلتيها بوارقُ الأذنابِ
وهو الدهرُ علَّمَ الناسَ منَّـا = أنَّهم لن يُتَوَّجُوا بالمَثـابِ :
إنْ جَفوا دعوةَ النَّبيِّ وخفُّوا = شطرَ لذَّاتِهم لأبخسِ بابِ
لايموتُ الإسلامُ إنَّـا رأيْنا = مابصدرِ الرجالِ من آرابِ !
وهو الفتحُ منذُ هجرةِ طه = لـم يزلْ في منازل الإعجابِ
والمثاني ، وما بنورِ المثاني = من سناها المحمودِ للألبابِ
فَلِدُنْيَا مزِيَّةِ الألقِ الفيَّاضِ .. = .. في سُنَّةِ النَّبِيِّ انجذابي
ويحَ شوقي ونفحُها ذكرياتٌ = خالداتٌ متينةُ الأطنابِ
وعليها أعيشُ أنشدُ منها = مابقلبي الملهوفِ من إدآبي
ماتخلَّى شبابُنا عن نشيدٍ = قد رعتْهُ الآياتُ من إعطابِ
بُذِلَتْ في مداهُ خيرُ نفوسٍ = قانتاتٍ للبارئِ الوهَّابِ
أَوَلَمْ تُبصرِ الرجالَ بعصرٍ = عربدَ الشَّرُّ فيه بالإرهابِ
حملوا رايةَ النبيِّ وعاشوا = في مفازاتِ هجرةٍ واغترابِ
هاجروا والكروبُ تترى تِباعًـا = مغمضين العيونَ عن أحبابِ
يزفرُ الصَّدرُ من تفاقُمِ ضيمٍ = وتثورُ الحروفُ عندَ الرِّكابِ
لم يُشِنْ خطوَهم ثقيلُ الرزايا = وَلِعِبِْْءِ الصروفِ بعضُ اكتئابِ
هـم بنو الصَّبرِ ماتوانى فؤادٌ = في مدارِ ابتلائه بمُصابِ
ذا حريٌّ بهم وقد وعدَ اللهُ ..= .. كرامَ الأنامِ بالأطيابِ
ربَّ قلبٍ شدا لدينٍ مكينٍ = أوردَتْهُ الأيامُ للأتعابِ
قيَّدوا نهجَه القويمَ بظلمٍ = ورموهُ في ظلمةِ السردابِ
فاسألِ العالَمَيْن إنسًـا وجنًّـا = هل توارى نشيدَه الإيجابي
أطربَ العالَمِين والشَّدوُ يحلو = في الغوادي بحكمةٍ و صوابِ
من صياغاتِ مؤمنٍ ذي وفاءٍ = وبترتيلِ عابدٍ أوَّابِ
هَجَرَ اللهوَ والمعازفَ باءتْ = بوعيدٍ مزلزلٍ لايُحابي
كم يعاني من العدوِّ تمادى = وعذاباتِ عصرِه المرتابِ
وتعالى على المصابِ ولم يركنْ .. = .. لشدَّاتِ عصرِه النَّعابِ
ليس يهفو فؤادُه لغواياتِ ..= .. ضلالٍ و فتنةٍ وارتيابِ
فالنِّداءُ القدسيُّ يحدو بصدرٍ = ليس يخشى تَقَلُّبَ الأحقابِ
قُـمْ ولا تحزنْ فالأحاديثُ سُقيا =للبطولاتِ في الورى والثَّوابِ
واهجرِ اللوعةَ المريرةَ تُلقي = من لظاها على نفوسِ الشَّبابِ
إنَّ دينَ الإسلامِ باقٍ فَرَتِّلْ = من مثاني الهُدى أجلَّ خطابِ
واسألَنْ عن سراقة الشَّهمِ لمَّـا = فاضَ نورُ الإيمانِ في الأهدابِ
ما رأى ما من الرشادِ تجلَّى = بيت جنبيْهِ في رفيفِ انجذابِ
ذُهِلَ الكفرُ واضمحلَ هباءً = لجلالِ التوحيدِ بين الشِّعابِ
واطوِ ذا الوعدَ ياسُراقةُ حتى = فَتْحِ أرضِ المجوسِ بعدَ ضِرابِ
وتمرُّ السنون والوعدُ غافٍ = في حنايا سراقة الوثَّابِ
وبعهدِ الفاروقِ نُودِيَ أن يا = صاحبَ الوعدِ أبشِرِنْ بالجوابِ
هاكها فالبَسَنْ سِواريْ زعيمٍ = عاشَ في كبرياءِ أهلِ التَّبابِ
وبكى ابنُ الخطابِ حين توالتْ = بالفتوحاتِ هِمَّةُ الأصحابِ
فصلاةٌ على النبيِّ تُزَجَّى = وسلامٌ من حاملينَ الكتابِ
قد صدقْتَ الوعودَ تفديك روحي = حيثُ ولَّت مكائدُ المرتابِ
والتواريخُ بلَّغَتْ كلَّ قاصٍ = خبرَ الفتحِ بعدُ في إسهابِ
هُزِمَ الرومُ وانطوى مُلكُ كسرى = وأتى العدلُ في جميلِ الثِّيابِ
وأتى الناسُ مسلمين فطافوا = كعبةَ الحقِّ والهدى والصَّوابِ
إنَّ هذا الإسلامَ فيءُ قلوبٍ = قد كواها تَوَقُّدُ الأوصابِ
ذهبتْ جاهليَّةٌ بعدَ ضنكٍ = وانقسامٍ أغرى على الأعرابِ
فتآختْ على الحنيفِ جموعٌ = وامتطتْ للجهادِ ضُمْرَ العِرابِ
هو هذا الدينُ الحنيفُ فبشرى = إذ تهاوتْ أوثانُهم في تبابِ
فضحَ اللهُ زورَ كلِّ زنيمٍ = وتداعى طاغوتُهم في الغِلابِ
فَضَحَ اللهُ زورَ كلِّ زنيمٍ = وتداعى الطاغوتُ في إنهابِ
وتلاشى عدوانُ كلِّ أثيمٍ = فإلى اليأسِ غزوةُ الأحزابِ
وتداعى المنافقون و لكنْ =لغوادي الغرورِ شطرَ السَّرابِ
كلُّ باغٍ للعارِ باتَ رهينًـا = شأنُه في الحياةِ شأنُ الذُّبابِ
أَوَلَمْ تقرأِ الصحائفَ أمستْ = ناطقاتٍ عن قيمةِ الكذَّابِ
عِشْ حصيفًـا فقد رأيتَ مآلا = محزنًا للمنافق المرتابِ
يخسرُ الظالمون أيَّ سِباقٍ = لايدينون فيه للوهَّابِ
هجرةُ المصطفى نداءُ انعتاقٍ = من حواشي المزخرفِ الخلاَّبِ
زيَّنَتْهُ الأهواءُ من كلِّ فنٍّ = في سفورٍ مُدَنَّسٍ لاحجابِ
ودواعٍ مقيتةٍ لا أمانٍ = وغُلُوٍّ مُسَفَّهٍ لا صوابِ
يَخْضِدُ اللهُ شوكةَ البغيِ فاعلمْ =إن تعالى الباغون بالألقابِ
أُمَّتي لم تزلْ بمنزلِ خيرٍ = رغم مافي عواصفِ الإرعابِ
رغمَ دمعٍ جرى وجرحٍ بليغٍ = واضطهادٍ مبرمجٍ وانتحابِ
والإباداتِ في بقاعٍ يراها = عالَمُ اللؤمِ في صريح ارتكابِ
وفؤوسِ التدميرِ فيها تلظَّتْ =مَعَ نهبٍ وخسَّةٍ و اغتصابِ
إنهم مسلمون ! فاعلمْ ويكفي = نسبُ الدِّينِ حيثُ جزُّ الرِّقابِ
فحقوقُ الإنسانِ في مجلسِ الزورِ .. = .. هُـراءٌ على بريقِ سرابِ
لاتُصَدِّقْ أرقامَهُم وضعوها = لاحتيالٍ مُمَوَّهٍ جذَّابِ
دولٌ عُظمى ! والبقيةُ ذيلٌ = بئسَ أرقامُ مجلسٍ ذي عابِ
نَمَّقُوها تَعَسُّفًـا لم يُبالوا = فَهُمُ الأقوياءُ في كلِّ بابِ
والتواريخُ للمغفَّلِ يشدو = بخطاباتِهِنَّ ذا المتغابي ؟
يدَّعون الحقوقَ للناسِ لكنْ = فضحَتْهُم شَمَّاعةُ الإرهابِ
فَخَوابيهمْ مُنْتِنَاتٌ فبِئسَتْ = ماحوتْهُ بطونُ تلك الخوابي
فالخوابي ليستْ لوفرةِ شهدٍ = بل لسمٍّ يُدافُ بالأكوابِ
أين منهم عدلُ الحنيفِ تساوى = في معاييرِه على استحبابِ
حقُّ ذاك الضَّعيفِ باتَ قويًّـا = مَعَ ذي المركزِ الرفيعِ الجنابِ
أين منهم بيضُ المآثرِ ألقتْ = من عطايا ميمونِ ودقِ السَّحابِ