يا وجدةَ الوجدِ...
( يعرف أهل وجدة مغارة كانت في واحة بظاهر المدينة، تسمى: غار الحوريات. ويعرفون ما حيك حولها من حكايات وأساطير)
1 إذا اشتكتْ شوقَها كأسٌ إلى وترِ
فها هنا حجرٌ يشكو إلى حَجَرِ
2 يقول: كم عبرتْ في أرضنا زُمرٌ
سرتْ إلى دوحَة الأمجادِ في زُمرِ
3 أما استظلّتْ بنور العشْقِ دوحَتُنا؟
أما سرى في عُروق النّخل والشَّجرِ؟
4 وأورق التّينُ مِنْ وجْدٍ فأسْعَفَه
كرْمٌ فَفُجِّرتِ الأنهارُ بالحَوَرِ
5 حوريةٌ جدّ نورٌ من تبسّمها
فصادتِ الصَّقْرَ بالزرزور فاعتبرِ
6 حوراءُ جرّدتِ الجُلّى محاسنُها
فسار ركْبُ عذاراها على الأثرِ
7 ألم يُبايعْ سناها قُرطُ ماريَةٍ؟
ألم يفضْ من سناها يابسُ الحَجَرِ؟
8 يا غادةً أسِرتْ من طيب مبسِمها
من قال: حسْبي بأنّ الخُلدَ منتظري
9 رُدّي علينا زماناً زانَ مَفْرِقَهُ
أرجوحةُ العشْقِ ناراً دونما شَرَرِ
10 ألقى عليْكِ رداءَ المجْد عُقبتهُ
وقومَ يُونُسَ وافَاهمْ على قدَرِ
والقَيْروانُ تجلّى نجْمُ فاطمةٍ
فيها فألْقَت قوافيها إلى عُمَرِ
فلا سهيلٌ تردّى بعضَ صبْوَتِها
ولا الثُّريّا أحاطتْ ثمّ بالخبَرِ
كأنّ هُدْهدَ بلقيسٍ يغارُ على
ما قدْ أسرّتْ، وما أبدتهُ من صُورِ
حتّى تعالى أذانُ الفجْرِ فانبجستْ
بفاسَ حِكْمةُ لُقمانٍ من الحَجَرِ
11 سراجُ هديك لمّاحاً أحاط بما
لا يرتجيه ضيَاءُ الشَّمْسِ والقمرِ
12 يا وجدةَ الوجْدِ، سيْفي غيرُ مُنْكِسرٍ
في النائبات، وحُبّي غيرُ مندثرِ
13 قد فاض نهراً على الدنيا فأطعمها
مودّةً نال منها أنفسُ البشَرِ
14 أين الجِفانُ عذارى الشَّرْقِ تحسُدها
والقوسُ عذراءُ إذْ مالتْ على الوترِ
15 أين الجفونُ كساها وهْي فاترةٌ
لَونُ الحياءِ، ولَوني قلبُ منفطِرِ
16 وأين واحتكِ الخضْراءُ جمّلها
جفنٌ تكحّلَ في الأعراس بالخفَرِ؟
17 هل يحرسُ الأرضَ إلا سيفُ فارسها؟
أم يحرسُ العِرضَ إلا هَمُّ مقْتدرِ؟
18 أين الحياضُ وقد فاضتْ بأشربةٍ
من الرياضِ، وكرمٍ غيرِ معْتَصَرِ
19 أين النخيلُ، عراجيناً معطّرَةً
تقول: منْ فكّ أسْري فَاز بالسُّرُرِ
20 غرناطةٌ أنت في أثواب راعيةٍ
والفنّ ذو نسبٍ من سالف العُصُر
21 غنيتنا "يا زمان الوصل" فاستبقتْ
طيرٌ تقولُ: أيا ريحانَةُ انتشري
22 وهزّ نارنجةً خَضراءَ خافقَها
ذكْرى شراعٍ من الأنسامِ منهمرِ:
23 ولاّدةٌ وهبَتْ ظلي جلالَتها
فباتَ مأسورَ وجْدٍ وارفِ نَضِرِ
24 وأصبحتْ وجدةٌ، والوجدُ سربَلها
محروسةً بصبايا الشِّعْر والفِكَرِ
25 يا وجدةَ الوجْدِ ! يا معراجَ مَنْ رحلوا
إلى العُلا، وأعانوا كلّ ذي وطرِ
26 من لاجئ، أو غريبٍ ضلّ موعدُهُ
أو مستجيرٍ فكنتِ الظّلّ منْ سُعُرِ
27 هلْ آنستْ راقصاتُ العيدِ طيفَ فتى
سَمَّوهُ "زيري"، بسيْف المجْدِ مؤتزرِ
28 كم أتعبَتْ سفني خيْلَ الغُزاةِ فما
تُلْقي نواصيها إلا على حذرِ
29 وكمْ تنادوْا، وخيْلُ اللهِ واثقةٌ،
فأصبحوا بيْن ناب الليث والظُّفُرِ
30 فالمجْدُ قال: هنا بدئي ومختتمي
وها هنا صوْلةُ التّاريخِ والسِّير
31 فالسّيفُ يبني سماءً غيْرَ مطْفأةٍ
والتّاجُ قافيَةٌ وهّاجَةُ الأُزُرِ
32 تمد فاسٌ تلمساناً ببهْجتها
فتغتدي وجْدةٌ جسْراً من الزَّهَرِ
33 وللفوارسِ هبَّاتٌ تُخَلّدُها
بين الجوانحِ ألوانٌ من الصُّورِ
34 تقولُ :كم قال في ظلّي فتى طلعتْ
يمنَى توثّبِهِ بالفتْح والظَّفَرِ
35 وكمْ تجَلّلَ بالآمالِ ناضرةً
وكم تجَمّل بالآيات والسُّورِ
36 يا وجْدة الوجْدِ، جُرْحِي غيرُ مُندملٍ
منْ جُرحِ شعْبي، وهمّي غيْرُ مسْتَتِر
37 كيْفَ استَحَلْتِ صناديقاً مهرّبةً
والأرض واسِعةٌ، والفوز في الخطرِ؟
38 عودي إلينا يماماتٍ محجّلةً
تبني منازلها في الأنجُم الزُّهُرِ
39 سواعداً أنْزلتها الشّمسُ مقعدها
وبايعتها النّجوم الزّهْرُ في السّحرِ
الحسن بن عمر الأمراني، وجدة: 26 ذو الحجة 1439 / 6 سبتمبر 2018
وسوم: العدد 790