كـلُّ شيْءٍ قـد تـغـيَّـر
كلُّ شيْءٍ قد تغيَّر...
لمْ يعد مِسكٌ وعنبر... لم يعد في الشَّهدِ سكَّر...
صار طعمُ الحلو مرًّا... وأجاجًا حين يُذكَر...
كلُّ ما في الأمر أنَّ الورد للحقل تنكَّر...
أنَّ شوْكًا في صدور النَّاسِ أزهَر...
أنَّ غِشًّا في حنايا النَّفس عمَّر...
أنَّ سَيْف الحرص ماضٍ مثلُ عنتر...
أنَّ قلبَ المرءِ في الأزمان من سُقْمٍ تغيَّر...
لم يعد فيه لحَضْنِ الحبِّ مَظهَر....
أجدبتْ أرضُ النَّوايا والمَزايا والسَّجايا في البَرايا...
لم تعد تندَى وتخضَرّْ...
وهي لا تدري بهذا الغُبْنِ كم تذوي وتخسَر.
نمضغ الأشياءَ لا طعمَ لها في الذَّوْقِ يُغري...
ليس فيها نكهةٌ أو عَبقةٌ في الشَّمِّ تُثري...
لم يعد في الأكل ما يدعو لِيَسري أوْ لِيَمْري...
وكأنَّا نمضغ الجلد تعرَّى أو تنزَّتْ فيه أملاحٌ أتت من كلِّ بحرِ...
وكأنَّ الأكلَ لمْ يُزرَع ببستانٍ ويُسقَى ماءَ نهرِ...
صار يُسقى من سرابٍ... من يَبابٍ... من خرابٍ... من حِرابٍ... من فسادٍ... من زنادٍ... من رمادٍ ماءَ قهرِ...
أيْن فينا ذلك القلبُ الحنونْ؟
أين فينا كان للخيْر وللنُّورِعيونْ...
حين تغفو تحسد الحُلْمَ الجفونْ...
وكأنَّ الجودَ في المَرءِ ديونْ...
وكأنَّ الطَّبْعَ من ماء المُزونْ...
يوم كان الحبُّ عهدًا لا يخونْ...
وله دَلٌّ على كلِّ الشُّؤونْ...
كان كلُّ الحَيِّ كالبيْتِ المَكينْ...
كان كلُّ الحَيِّ كالحِصنِ الحَصينْ...
كان كلُّ الحَيِّ يصحو إنْ سرى ليْلًا أنينْ...
أوْ تغشَّت أحدَ النَّاس المَنونْ...
كان كلُّ الحَيِّ أمٌّ جاءَها حِسُّ المَخاضْ...
كان كلُّ الحَيِّ أمٌّ أرضعتْ في كلِّ نادْ...
كان كلُّ الحَيِّ أمٌّ زغردتْ في يوْمِ أفراحِ البلادْ...
وتصدَّتْ إن عدا عادٍ على حقِّ العبادْ.
إيهِ ما أندى زهورَ الياسَمينْ!
إيهِ ما أِشهى صحون السَّاكبينْ!
إيهِ ما أنقى قلوبَ السَّاكنينْ!
إيهِ ما أحلى الصَّبايا والبنينْ!
حين تدعوه أخي في العابرينْ...
حين يدعوها بأختي كلَّ حِينْ...
إنْ رأيْتَ الصُّبحَ أسْفرْ؟
إنْ رأيْتَ الدَّوْحَ أثمَر؟
إنْ رأيْتَ الوَردَ أهدى عِطرَهُ من بعد ما صلَّى وكبَّر؟
إنْ رأيْتَ البدرَ في عَتْمٍ من اللَّيْلِ تبختَرْ...
ناشرًا أنوارَه في كلِّ مَعبَرْ؟
إن رأيْتَ الطُّهْرَ في الإنسانِ أزهَرْ...
إن رأيْتَ الحسَّ في الإنسان يكبَرْ...
ورأيْت النَّسغَ أضحى في المَشيماتِ مُعطَّرْ...
سَيعودُ الطَّعمُ للأشياءِ سُكَّرْ...
ويعود الحسنُ في الأشياءِ يَبْهَرْ.
وسوم: العدد 816