إلى الأم الفلسطينية البطلة التي جاء ابنها يستأذنها ويودعها قبل انطلاقه إلى عملية استشهادية، فشجعته ودعت له وربطت على قلبه، وهي في غاية السعادة والثبات، ذلك أنها على يقين أنه ذاهب ليموت فيحيا.
بل أنتِ في عزة الإيمان أسماءُ=وأنت ــ واليوم صنوُ الأمس ــ خنساءُ
فتاك فادٍ وفيه الجود أكرمه=يدري وتدرين أن الجود أعباء
والجود بالنفس أقصى غاية =والباذلوها العرانين الأعزاء
أتاك مستأذناً باع الدنا رغباً=وأنت كابنك إيثار وإعطاء
ودّعتِه وهو منك الروح في فرح=وسار عنك وفيك البذل آلاء
يغليك يعليك يغني كل جارحة=بفرحة ما لها يا أم أمداء
تنداح كالنور والدنيا بها شغف=ترنو إليك وللأفلاك إصغاء
يركضن يسألن من هذي؟ وكيف أتت؟=وكيف أهدت فتاها؟ أهي حمقاء؟
كلا ولكنها أم تملَّكها=يقينها وهو أطياف ولألاء
فباعت اللَّه أغلى ما حباه لها=وقلبها بالرضا مسك وأنداء
* * *=* * *
أتاك يرجوك عيناه مطامحه=يرنو إلى اللَّه والآمال غراء
يقول يا أمُّ في برديَّ أمنية=كل المنى بعدها لهو وأهواء
هي الشهادة أرجوها مجنحة=وقد دعتني إليها وهي حسناء
حسناء؟ كلا فكل الحسن خالصه=هباتها وهي أفراح وأضواء
قد لوحت لي ونادتني وما فتئت=والوصل ما بيننا جَهْر وإيماء
والعزم فِيَّ جواد سابق أَرِنٌ=في حلبة الموت ميمون وعداء
حلمي الشهادة علَّ اللَّه يكرمني=إذا صدقت ولي في الصدق إسراء
إلى عوالم لا أدري مطارحها=لكنها رحبة كالنور علياء
تبرّجت لي فشاقتني مفاتنها=وفي مفاتنها طهر وإغواء
وبيننا خطوة كالبرق دانية=ومَهْرها طعنة عجلى ونجلاء
دمي يسيل بها يرقى لخالقه=أما الثياب فبيضاء وحمراء
* * *=* * *
أتأذنين؟ وسال الدمع مؤتلقاً=والصمت بوح وإغماض وإغفاء
وللعيون ابتهالات وأدعية=وللسرائر إخفاء وإفشاء
قالتْ وما نبستْ، أغضتْ وما سكتتْ=وما عراهن فيما قلن إعياء
والدمع يملي وللأشواق لهفتها =وللسؤال كما للدمع إملاء
أذنتُ، كلا، نعم قلبي يحدثني=أني سأفقده والخوف إزراء
إذن تلين قناتي وهي شامخة=والإذن كالمنع ضراء وسراء
من قال أفقده؟ إني سأربحه=إني أذنت ولا عَوْد وإبطاء
إني أذنت، وقل لي، كيف أمنعه=من عشقه وهو إعتاق وإرضاء؟
وَهْو الجدير بما يرجوه وَهْو فتى=في هجعة الناس قوَّام وبَكَّاء
* * *=* * *
يا موت خذه فتى يحمي عرينته=وموته عرسه والسعد مشَّاء
في عرسه سوف تلقوني =وفي يميني التي ربته حِنَّاء
ويا بُنَيّ انطلق سهماً له ظفر=تقفو خطاه ملايين أشداء
((من فتية لا تنال الأرض أدمعهم))=إلا وهم سجَّد والخطب أنواء
((لو لم يسودوا بدين فيه منبهة))=لسوَّدتهم سجاياهم كما شاؤوا
أودعتك اللَّه جل اللَّه يا ولدي=والملتقى جنة زهراء غناء
* * *=* * *
وخرَّت الأم للرحمن ساجدة=تبكي وتضحك والحالان نعماء
وروحها في سماوات عَلَوْنَ بها=وحولها الملأ الأعلى وقد جاؤوا
والطير تشدو لها والسعد توأمها=والبشر من حولها روَّاحُ غدَّاء
قالت أيا رب إن ابني به ظمأ=إلى الشهادة فهي الحلم والماء
إن الشهادة حسناء تعشَّقها=والعشق توق وأفراح ولأواء
يعتاده فهو مجنون به كلف=وللجنون ابتهالات وإيحاء
ورِيُّه دمه ينهلُّ في مَرَحٍ=على ثرى القدس والأعضاء أشلاء
هبها له إنه أهل لها وبها=يساكن الطير جذلى وهي خضراء
وإن ينلها فإني فرحة سرحت=وبسمتي كالدنا الفيحاء فيحاء
أما رضاك فأغلى ما نؤمله=وهو المنى البيض جادتهن سحَّاء
إذا ظفرنا به فالكون في يدنا=والبشريات امتدادات ودأماء
وفرحة القلب مثل الشمس عالية=والروح كالقلب كالأفراح بيضاء
تهون من بعده الدنيا بما حفلت=فكل شيء على الغبراء غبراء
* * *=* * *
للَّه أنت وتبقين المدى مثلاً=يروى وتتبعه هند وشيماء
شجاعة أنت لا بل أنت أشجعنا=برئت من وهننا إذ غالنا الداء
والوهن موت الفتى من قبل موعده=ومن قضوا في سبيل اللَّه أحياء