«اعصفي يا رياح» مجموعة شعرية لشيخ العربية الأكبر محمود محمد شاكر «أبي فهر»، كشفت عن قدرته الشعرية التي غيَّبها انكبابه على خدمة التراث.
([1]) قصيدة رائعة مطولة لأبي فهر اسمها «القوس العذراء».
قوافيك يا محمود أبهى من الروضِ=وقد حفلت بالزهر والرونق الغضِّ
وجاد لها غيث وريح ندية=وبدر علا يختال في برده الفضي
فجئن وقد سويتهن خرائداً=يمسن ويزهو بعضهن على
صبايا وضيئات تكحلن بالسنا=وبالمسك والإدلال والمرح المحض
وصنعة فنان وعشق مكابد=سرى حبُّه الإتقانَ في الروح والنبض
وما «قوسه العذراء(1) إلا فؤاده=يجور عليه بالتحدي وبالمض
وبالعَوْد بعد العَوْد في عتمة الدجى=إلى الصقل والتهذيب والمحو والنقض
فلا يرتضي إلا حساناً زواهياً=لبسن عميق الفكر في أملد بض
تجوب الدنا والناس شرقاً ومغرباً=على قنن الأجبال والسفح والخفض
خيولاً عتاقاً صافنات ضوامراً=كأن السرى منهن أجنحة الومض
وأصداؤها في كل ناد حكاية=وأمداؤها السمار في الطول
* * *=* * *
أبا الغرر الشماء من كل موقف=تذود عن الأوطان والدين والعِرْض
وعن لغة القرآن منذ عشقتها=فأهدتك من أسرارها كل ما يرضي
وأهديتها عقلاً وقلباً وهمة=وصبراً على التحقيق والغوص
فصرتَ إمام العاشقين بهاءها=وأدرى بها من كل دار على الأرض
وسادنها الأوفى وفارسها الذي=يرى الذب عنها والحراسة كالفرض
عليك سلام اللَّه ما ذر شارق=وما عدت الأفراس في حلبة الركض
* * *=* * *
بيانك مثل الشمس في لمعة الضحى=فما فيه من لَبْس وما فيه من غمض
كأن به هاروت ينفث سحره=فنهفو إليه دون حث ولا حض
وأسفاره كَرْمٌ تناهبه الورى=سراعاً كما هب الظماء إلى الحوض
تزيد إذا أعطت وتزهو إذا سخت=وتحنو إذا أهدت وتفرح بالفيض
مبرأة حسناء كالبدر وجهها=تروح بمبيض وتغدو بمبيض
* * *=* * *
أبا الصبر والإيمان والعزم موقداً=يداك إلى بسط وليست إلى قبض
تذود ذياد الليث يحمي عرينه=وتقسو بلا حقد وتسطو بلا بغض
وعزمك عزم اليعربيين غاضباً=يصول على مُهْر كعزمك منقض
تنام على هم نبيل مفزَّعاً=وتصحو على هم أشد من الرَّمْض
عنيد أبيٌّ لا تذل لظالم=وفي دربك الوعر الذي اخترته تمضي
وإن لان للباغين أهل وجيرة=ونادوك أغض اليوم أقسمتَ لا أغضي
وأمري وأمر الكون للَّه وحده=وإني لراض بل سعيد بما يقضي
صبرت على البلوى بنفس كريمة=وغالبتها بالهزء والذكر والرفض
وكنت بسجن الظالمين قذى لهم=يجللهم بالعار في الجمع والفض
* * *=* * *
ستبقى أبا فهر مناراً وقدوة=تعلِّمُ ما يرضي وإن كان ما
وأما زيوف الناس فكراً ودولة=فباؤوا وباءت بالصغار