وفي شهر رمضان المبارك عام 1986 كتبت هذه القصيدة:
رمضان أقبل مشرق الوجنات=متهللاً بالنور الآيات
والمسلمون تهيؤا القدوم=وعلى الوجوه علائم البسمات
وبكل نفحةٌ قدسيةٌ=أهلاً بشهر النصر والبركات
فيه تجلى الفتح حيث تحطمت=أوثانهم وضائع النحاة
وبه ازدهت ببدرٌ وهبت عزيةً=فوق القليب خمائل النسمات
والجيش يهدر والنبي محمدٌ=يزجي الكتائب رافع الرايات
وملائك الرحمن من عليائهم=نزلوا وشنوا أعنف الغارات
وتلاحم الجيشان ثم وسطرت=تلك الكتائب أروع الصفحات
وأبو عمارة يستبيح صفوفهم=وإلى الصدور يوجه الطعنات
لم تدن شمس ذاك لحذرها=إلا ووافانا البلاغ الآتي
أدلى به حسان ناطقنا الذي=نقل الوقائع صادق الكلمات
ما إن لقيناهم وجالت جولةٌ=منا الغطارف تشفع الهامات
حتى تولوا هاربين وخلفوا=أبطالهم صرعى على الصعدات
هذا هو الشهر الكريم فغردوا=ولقد أطل معطر النفحات
لكننا في سجن تدمر نحتفي=فيه وهذه سنة الدعوات
سنصوم ونقوم فيه ليله=ونقيم فيه أبرك الحفلات
رحماك ربي إننا في محنةٍ=وبحاجةٍ قصوى إلى الرحمات
نرجو رضاك مع القبول ختامها=كرماً وهذي غاية الغايات
والعيد أقبل ضاحكاً=وأنا الأسير أذرف العبرات
في السجن أشهده ولم أفرح به=إلا رهين الحزن والآهات
أتذكر الأهل الكرام وإخوة=والصحب والجيران والجارات
يا عيد ما أحلى بيومك منزلي=والأصدقاء على ذرا التركات
والدار خضراءٌ وفيك الماء يجري=ساقي الأزهار والشجرات
وأجول فيك على الأحبة زائراً=ومهنئاً يا عيد في جولات
وبك الأقاهي والزهور تفتحت=ما أشبه الأطفال بالزهرات
نصبوا المراجيح التي قد زينت=عرض الشوارع ثم والساحات
ورأيت طفلاً بينهم متأثراً=يا طفل مالك واجم النظرات
والكل يقفز ضاحكاً ومغرداً=وأراك تمشي مثقل الخطوات
فأجابني والدمع يسقي خده=متحشرج الأنفاس والزفرات
قد كنت يا عماه أفرح مثلهم=ومن المسدس أرسل الطلقات
لكن فجعت بوالدي وفقدته=وفقدت أنس العيد من سنوات
ثوبي الجديد طويته من يومها=وبدأت أحيا بائساً بحياتي
فرحي وتغريدي وغر قصائدي=أستبدلت يا عم بالحسرات
عماه أخبرني أيخرج والدي=أو أنضوا عني برقع المأساة
وإذا أتى العيد السعيد يضمني=وبحر وجهي يرسم القبلات
فبما أجيب شباب تدمر إخوتي=وأنا رقيق القلب والعبرات
فأجبته والحزن يفري مهجتي=لكن سترت الحزن بالبسمات
أبشر بني أ[وك حان قدومه=وترى أباك بأسعد الأوقات
حتى أخفف عنه وطأة فقده=ويعش بالآمال والرغبات
وأنا أبوك الآن فاطلب ما تشاء=وأنا أخوك لمنتهى الطلبات
هذا مثالٌ يا أخي بقريةٍ=سكانها ألف وبضع مئات
قل لي بربك كيف لو قارنتها=وعقدت تشبيهاً لها بحماة
ستكون نسبتها كم ضيقٍ=في إبرة ألقيتها بغلاة
كم فيك يا أم الفداء مصائبٍ=يا مسرح الأحداث والثورات
وفواجعٍ تقي القلوب فداحةً=أو طامةٍ عظمت وخطب عاني
تربو على التصوير في شعرٍ وفي=نثرٍ يطول وأحدث الكمرات
أروي من الآلاف قصة أسرةٍ=فاسمع إليها واسكب العبرات
دارٌ بستان السعادة أقفرت=إلا من الأطفال والصرخات
تعلو من الأم الرؤوم وطفلةٍ=ومهدد يحنو وبعض بنات
وشبابها سقطوا ضحى بفنائها=برصاص أوغادٍ من الوحدات
يا أسرة الشامي عظمهم أجركم=ربي وأكرم رافع الدرجات
وتزود أممهم المقابر غدوةً=وتحاربين قبورهم لحظات
أيا ستبدأ بالزيارة أولاً=وتصب عطراً طيب النفحات
وقبورهم صنعت على نسقٍ بها=وتجاوروا في التراب بعد ممات
لكنه شتان بين جوارهم=بحياتهم وبرازخ الأموات
آه على قربٍ بغير زيارةٍ=وتجاورٍ لكن بغير صلات
بل أي قبرٍ سوف تهدي باقةً=خضراء من وردٍ ومن زهرات
والكل ثمرة قلبها وسواده=فارثوا لقلبٍ ودع الفلذات
وتعود للدار التي قد أصبحت=تغلي وتزبد مثل نهر فرات
بالزاكيات من الدماء وبالدموع=من العيون جرين منفجرات
يا حي يا قيوم أنت وليها=فئولها من عشرةٍ وشتات
أفرغ عليها اليوم صبراً وارعها=وأفض ببردٍ وسكينة وثبات
فمصابها جللٌ وليس له عزا=أبداً ولا في الناس من مثلات
كلا ولا الجبل العظيم يقله=ثقلاً وما في الأرض من هضبات
رباه عاجلهم بصاعقةٍ ضحى=أو خذهم والقوم في سكرات
فقد استهانوا بالعباد وقيمة=العظماء لا تعدو على الحشرات
من قادة الفكر وأهل الرأي=من علم ومن شهب الهدى وأئمة ودعاة
وطغوا كثيراً في البلاد وأكثروا=فيها الفساد وهتكوا الحرمات
رباه لا تبقي عليهم أو تذر=واجعلهم عبراً بها وعظات