في 4/7 يوم الإثنين حدثت محكمة وتنفيذ ولا أدري عدد الذين أعدموا في ذلك اليوم، وأذيع اسم الأخ وليد دركوشي وهو من شباب اللاذقية الطيبين وظنا أنهم سينفذوا فيه حكم الإعدام لأنه حوكم قبل ذلك واضطربنا جميعاً، وأخذنا نفور ونغلي من الحزن فكتبت هذه القصيدة:
دعوني أن أحدثكم قليلاً=حديثاً ضافياً مراً طويلاً
تزول له الجبال الشم هداً=وتسمع لصخور بها صليلاً
ولو سورية سمعت جميعاً=به ضجت منازلها عويلاً
على الآذان يقرأ كل حينٍ=فيذهلها ويصرعها ذهولاً
لأن لكل بيتٍ أو خيامٍ=على جنباتها خطباً جليلاً
وفتش في الحواضر والبوادي=تجد فيها على هذا دليلاً
يقوم بكل زاويةٍ وحي=قيام الشمس صبراً أو أصيلاً
إذا ما كنت قد سطرت سفراً=عن الإعدام أو أكثرت حيلاً
عن التعذيب والأحوال سوءا=بتدمر أو أطلت له الفصولا
فإني سوف أطويها قليلاً=لأنشر صفحةً تقي العقولا
عن الأجسام طراً ما تعاني=وتشكو ربها داءً وبيلا
يغل بها خفياً ثم يسري=حثيثاً ثم يهدمها نحولا
يجوب الصدر والرئتين عرضاً=ويضرب في نخاع الشوك طولا
ويختال العصي(1) بها فخولاً=وفتاكاً وعملاقاً وغولا
ولا ما يدفع الجرثوم عنهم=ويبعده ولو شيئاً قليلاً
ويطلب من إدارتهم دواءً=فترسله وما يغني فتيلا
لقلته وندرته وجوٍ=بتدمر ما رأيت له مثيلا
إليك الوصف واسمعه جلياً=عن السجناء تروي والنقولا
فإن ضج الفؤاد فلا تلمني=وعقل ما تجمل أن يزولا
عن الإعدام حدث كل يومٍ=وتصفيةٍ وما يجري سيولا
فمن لم يقض نحباً فجر يومٍ=على الأعواد أوزار الحقولا
ليرمي بالرصاص يموت غلاً=وبحامٍ وما أنكى الغيلا
وإلا فالحلاقة بانتظار=وكان قدومها هولا مهيلاً
لغاية أنه من فرط رعبٍ=يصير الأكل قبلها مستحيلا
ولن أنسى لها يوماً بعمري=وقد صب العذاب بها وكيل
بجذعٍ والقساطلٍ من حديدٍ=وكان السوط من سمكٍ ثقيلا
ومن عرضٍ يضيق الكف فيه=أذى ويلفه الشرطي طولا
ونادى مرهج فواز احضر=ونادى ثم فواز كحيلة
وقالوا دفعة هيا لتخرج=وليس خروجها بأقل ميلا
عن الإعدام بل بل أمس لدينا=قبال خروجها شيئاً قليلا
وجاءوا في أخٍ ورموه أرضاً=وتاه السوط من عدٍ نزولا
وما تركوه حتى عاد حملا=وصار الرأس منه مستطيلا
وجاء أخوه يرمقه بشكٍ=وكان له بمحنته زميلا
فلم يعرفه إلا من ثيابٍ=وبالرمقات قد وجد الحلولا(1)
يصيب السل من جوع أناساً=ونقصٍ في الغذاء غدا رذيلا
يصيب المؤمنين وخير جيلٍ=وابن الأصل طيباً والسليلا
ويعرض عن ملاقيط وعمن=بوالده غدا تفاً جهولا
لأن الخير موفورٌ لديه=بأنواعٍ وصار له ذليلا
ومثلي لو رأى تيناً رديئاً=وذاق الطعم ذاق المستحيل
يعيش على حسابي ثم يربو=ويبعث بعد حاجته الفضولا
ويأتيني بجلدٍ ثم شتمٍ=أخف الدم منه أن يسيل
يعيب السل مجتمعاً رزيناً=كريماً طاهراً سمحاً نبيلا
يعيش بمسلخٍ من فرط رعبٍ=وجوعٍ خلف السل الأكولا
وإن تعجب أخا الإسلام مني=فعهداً سوق أقرأك المقولة
فحبة حمص تأتي عشاءً=لواحدنا ونلقاها جزيلا
إذا من أدخل الحبات هذي=يعود لنا سليماً لا ممولا
وكم شج الشباب وكم خرجنا=وصبري من قوع السوط عيل
وضقنا في صدى الصرخات ذرعاً=وحوقلنا وما في الأيدي حيلة
وصيحات تزمجر عالياتٍ=وتقترع الروابي والسهولا
كأن السجن أصبح فيه عرس=ويقرع من يقوم به الطبولا
ونحن نقوم خلف الباب ندعو=ونرجو العون واللطف الجميلا
ليس لنا سوى الدعوات زادٌ=ونعم الزاد يصحب والوسيلة
وذكر الله والقرآن يتلى=وكانا أنس قلبي والخليلا
وحين يتم فتح الباب نغدوا=هزبراً ثار فتاكاً صؤولا
ولا نخش الجنود وهم سوار=وسوط الظلم مدراراً هطولا
وأثبتنا لهم أنا رجالٌ=وصدقنا العقيدة والرجولا
ويسدل ستره ربي علينا=ويشملنا برحمته شمولا
فنرجع سالمين كما خرجنا=وكما نظن له حصولا
وإن يحصل أذى يوماً خفيفاً=ويحصل بعض أيامٍ ثقيلا
ففي الحالين ناعس لطف ربي=وكيف شفاؤه يأتي عجولا
ونرجع في طعامٍ ساء صنعاً=وكم غمس الجراذين الذيول
وحر الشمس يضربه فيغلي=ومازوتٌ وماذا أن أقول
ومن يطهوه أقذر من عليها=ويوصله وساء لنا وصول
وبعض الناس باع الدار هجراً=وأزمع عن منازلها رحيلا
من الصرخات والأهوال فيه=وأهوالٍ تشيب بني الطفولة
وما زال الداعي وقد هلكنا=بحبس جهنم إلا قليلا
على قانون تسع وأربعينٍ=يلاحق من بقايانا فلولا
أعيش ولست أدري أي يومٍ=به اسمي يذاع وأن يقول
محمد نعمةٍ احزم متاعاً=لمن عايشته زمناً طويلا