في عنبر 34 تدمر وكان مليئاً بشباب مدينة حماة الذين خاضوا غمار الأحداث وكان من بينهم الأخ الحبيب والشاب الطيب والحسن الخلق أحمد مرعي خليف عاشرته خمس سنوات ما سمعته اختلف مع إنسان أو رفع صوته وكان نموذجاً للشباب الحموي الطاهر التقي والشجاع الكمي وطلبت منه أن يحدثني عن أبيه وإخوته الخمسة الذين استشهدوا في سبيل الله وهم يذودون عن حياض مدينتهم في معركة شباط 1982 فحدثني مفصلاً ولقد كانت أمه قبل أحداث المدينة يسمونها أم الشباب حيث كان عندها تسعة أولاد قتل منهم خمسة وأبوهم السادس وسجن أحمد وبقي عندها ثلاثة أولاد يردون عليها الصوت، ولا حول ولا قوة إلا بالله وأنا أسميها أم المصاب.
وإلى روح زوجها الحاج مرعي خليف وأبنائها الخمسة رحمهم الله وإلى روح الأخ أحمد خليف رحمه الله حيث مات في عام 2004 بداء السرطان أهديهم هذه القصيدة:
حماة صبراً فللتاريخ جولات=والدهر يومان أفراحٌ ومأسات
يوم عليك فلا تضجر لشدته=لكل شيءٍ مواعيدٌ وميقات
وإن يكن لك لا تبطر به أبداً=هي الأمور كما الأيام دولات
واحذر من الظلم واحسب في عواقبه=وما انتهت في ذوي الظلم النهايات
حماة أنت بأرض الشام حاميةٌ=للمسلمين وتيجان ورايات
وأنت قبر النصريين في بلدي=وإن بدا لهم ثم انتصارات
ثم الأبية ما رقت عز ....=ولا النفوس التي فيها الأبيات
وإن أبناءها في السجن ما برحوا=شم الأنوف ولم تحن الذؤابات
ولم يهونوا وما أثنت عزائمهم=تلك الخطوب ولا هذي المعاناة
سبق العقاب وكبر الصقر بيد لهم=خفق النسور علواً وانطلاقات
لكنني قد براني صوت معتقلٍ(1)=وفطر القلب يا شماء صيحات
تعلو بحاضرك المزور جانبه=والدار قفراء والأيام نحسات
والليل إليك والدهياء مظلمةً=ضجت بها الأرض شكوى والسماوات
وهاج عيني على علاتها عبرٌ=وقلت آهٍ وكم في القلب آهات
على الضراغيم في آجامها أسرت=وللسنايز في الأجسام صولات
فتى كريم وعملاق يعذبه=من السرايا وجيش البغي وحدات
ويستغيث ولا جدوى ولا أحدٌ=تهزه مطلقاً تلك الصراخات
وليس داؤهم جبناً ولا خوراً=ولا جيوشاً أقلتها معدات
لكن نقص سلاحٍ كان عذرهم=ووافت القوم في الحرب المنيات
وأصبح القوم أجساما مبعثرةً=تحت الركام وفي الأنقاض ملقاة
ومن يعيش سكارى من مصائبهم=ورهن أسرٍ وما في الأيدي حيلات
ويعملون به ضرباً مطارقهم=وكم على الوجه في السكين طعنات
وأمه تشتكي هدم الديار على=من كان فيها وأعيتها الجراحات
وخمسة مع أبيهم أصبحوا شهراً=وهو الأسر فمن للأم مهلاة
قد عاد للذهن بغداد وجارتها(1)=وخطب أندلسٍ ذكرى ومأساة
ومن فلسطين للأطفال مذبحةٌ=مثل الخراف جماعات وأشتات
حيث الوغود بنو حمدان قد جمعوا=ما كان في الكل من سوءٍ قد مات
لهم من الزنج ما في بصرةٍ فعلوا=وقوم جنكيز ما هدت حضارات
وآل صهيون حقد أسود ولهم=رونح النضارى وأشكالٌ وهيئات
هذا وفي جانب الأخلاق من عفنٍ=خلق الخنازير خبثاً والسجيات
حيث الحوائج تقضى في نسائهم=وكم توفى أماني ورغبات
والأخت والزوجة الحسناء عندهم=للضيف متعة ليلٍ والضجيعات
وفي الصباح يقوم الضيف ينقطها=ما كان في الجيب من أجرةٍ فرنكات
ونجمة الصبح(2) كم دارت بمنكبها=رحى الزناة وضم والتزامات
كانت دعارتها في الليل موردهم=وعاش حافظ من هذا ورفعات
هذي الفضائح في شعري سأنشرها=فاصمد أبا جهل قد جاءتك غارات
وكيف هذا أبوك العار أجمعه=وأمك العهر والأصل الفضيحات
يا أم أحمد والخنساء دونكم=عليك رحمة ربي والصلوات
صبراً جميلاً على البلواء واحتسبي=وجزاء صبرك يا أختاه جنات
والملتقى معهم في الخلد إن قبلت=منا ومنهم ركيعاتٌ وطاعات
رباه أدعوك والبرحاء من ألم=بين الضلوع مشاريها وجمرات
بحرمة المسجد المعمور قد هدموا=ومن لهم دعوات مستجابات
وحرمة الشيخ مروان وما ارتفعت=إليك أيدي عليهم وابتهالات
ألبس بلادي ثياب النصر رافلةً=فيها وترجع للناس الكرامات
وأن تذل بأقدام الشباب غداً=من آل حمدان أعناق وهامات
ومن نبي السنة الفجار من مردوا=على النفاق وأقزام نكيرات
ومن يساعدهم من كل طائفةٌ=وللجميع لدى قومي ملفات
وفي الختام وملء الفم أطلقها=وكم عليها براهين وإثبات
أقول والقلب مشغوف بحبهم=ويملأ القلب إكبارٌ وإخبات
حماة صرح الجهاد المرد في بلدي=حماة في وجنة التاريخ شامات