كان الشيخ الصالح أبوالحسن علي الحسني الندوي :، من أجل الدعاة مكانة،ومن أصدقهم زهداً، ومن أصبرهم على الدعوة، ومن أعفهم نية ولساناً وسلوكاً،عاش مسكوناً بهموم المسلمين، محباً لاجتماعهم كارهاً لخلافهم،باذلاً في ذلك كل ما يستطيع، وكان مشغوفاً بالربانيين والزهاد، مقتفياً آثارهم. كان معنا بجسمه،وكان معهم بروحه، فكأنه بقية من السلف الصالح جاءت تقيم علينا الحجة.
لا الحزن يرجع من غابوا ولا الجلدُ=يفنى الجميع ويبقى الواحد الأحدُ
هذي الحياة مطايا الموت دائبة=والشاهد الشمس والخضراء والأبد
والليل والصبح والحدباء بينهما=تمشي بركبانها تهفو وتتئد
والناس مذ خلقوا والأرض مذ عمرت=سلها ففي جوفها الآباء والولد
أمٌّ لهم فهي تغذوهم وترفدهم=حباً وتقتاتهم كرهاً إذا لحدوا
والموت حارس أهليها وقاتلهم=جهراً وليس لهم ثأر ولا قود
والمهد لحد فإن رابتك رائبة=جلا غواشيها فيما اعتراك غد
* * *=* * *
أخلصتَ للَّه يا أنقى الرجال يداً=ونية كالضحى ما شابها أود
أمَتَّ فيه حظوظ النفس فاتشحت=بالطهر غالية أبراده جُدد
فكان سعيك للرحمن أجمعه=وزيَّن السعيَ قبلَ الصدق معتقد
* * *=* * *
بقية السلف الأبرار قد كرموا=وأنت فيهم ومنهم نجمة تَقِد
أنت المجلي إذا التقوى زهت فرحاً=بالأتقياء وبان الصدق والفند
وواحة بالهدى والصدق عامرة=وقد تلاقى عليها الفضل والرشد
والحلم في دأب والحزمُ في أدب=والنصح فـي حدب والصبر والجلد
وصولة الأكرمين الغر إن =وخشعة الأكرمين الغر إن زهدوا
* * *=* * *
أبقى من المال ما أبقيت من عمل=يزهو به وهو في عليائه الرأد
يحيا بروحك إذ كانت له هبة=وأنت تحيا به ما واردوه شدوا
بآية من كتاب اللَّه ناضرة=تتلى فيخشع في أمدائه الأبد
في «ندوة» قدتها غراء عامرة=بالمتقين على ساحاتها احتشدوا
عزت بهم مثلما عزت بسيدها=وعز ناس على أفضالها وردوا
صرح أقمت على التوحيد رايته=وقام يعليه أبناء له نجد
* * *=* * *
رضيت طبعَ الألى عزت معادنهم=إذ جاءك العيش فيه اللين والغيد
حسناء فتانة كالشمس طلعتها=أحلى من الحلم ما جاءت به تعد
فقلت كلا لقد آثرتُ آخرتي=فهي الغنى والذي تحبونه زبد
كأنك الحسن البصري أو عمر=أو الغزاليُّ زانوا الدهر إذ زهدوا
بكل نعماه إذ جاءت تراودهم=فما أجابوا وللفردوس قد نهدوا
* * *=* * *
يا من ملكت الدنا لما زهدت بها=وشمت أن غوالي كنزها ثمد
كنت العفيف الذي قد صان نيته=عما يشين كما صان الحمى الأسد
تدنو إلى الماء صديان الحشا فإذا=مَنُّوا عليك به تنأى فلا ترد
لأن زهدك زهد الصادقين لهم=عزم على صهوة الإخلاص
لهم يد بيننا تمتد واهبة=أعز منها لديهم في النجوم يد
ودونهم أهل دعوى أنهم زهدوا=ويعلم اللَّه ما عفُّوا وما زهدوا
باعوا بفانية ديناً وقد لبسوا=من الهدى ثوبه لكنهم مردوا
وتاجروا بالهدى يا بؤس ما صنعوا=غداً سيأتون في أعناقهم مسد
* * *=* * *
رضيت عيش سَراة الزهد قد فرحوا=بأنهم صدقوا الوعد الذي وعدوا
وأسرجوا عزمهم خيلاً لها جلد=وأسهروا ليلهم للَّه واجتهدوا
رأوا تجارتهم أبقى فكِسْرتهم=شهد وأسمالهم في فقرها رغد
لهم من الشكر أحراز وواقية=ومن جميل رضاهم بلبل غرد
ومن تعالٍ على الدنيا وزهرتها=حصن هو العَدد المذخور والعُدد
قد عطرت سيرةَ التاريخ سيرتُهم=بما أتوه من التقوى وما اعتقدوا
حلوا ذراه وأهدوها نفائسهم=وعانقوا الشمس دون الناس وانفردوا
* * *=* * *
تكسوهم العفة الفيحاء أوسمة=فيحاء يحيون فيها حيثما قصدوا
منعَّمين وإن جاعوا وإن شبعوا=منعَّمين وإن ذموا وإن حمدوا
مرزَّئين وفي الأرزاء بسمتهم=كأنها الروض فيه الطيب والملد
محسَّدين وغير الزهد ما ملكوا=محسَّدين وقد عزوا بما فقدوا
محسَّدين ولا تعجبْ وحاسدهم=يرثى له «وتمام النعمة الحسد»
* * *=* * *
رضيت أسقامك الغرثى فلا صخب=ولا شكاة ولا حزن ولا كمد
شكرتها وجذاها فيك حارقة=وأنت بالصبر والتسبيح تبترد
رأيتها محنة في طيها نعم=ومنة حفها الإحسان والرغد
لأنك المرء بالأقدار قد رضيت=نفس له فهناء كل ما تجد
والداء أنيابه حمراء دامية=يظل يشتد لا يألو ويقتصد
وأنت تحبوه تحناناً ومرحمة=كالسيد الشهم يحبو الضيف إن وفدوا
* * *=* * *
نظرت في هذه الدنيا فما طرفت=عيناك فيها بما يرجى ويفتقد
وما رنوت لها بل كنت سيدها=وكنت سيد من عفُّوا ومن زهدوا
سموت عن رغب فيها وعن رهب=وحادياك اليقين السمح والصَّيَد
وفيك فيض سماح بالندى خضل=من دونه كل ما المثرون قد حشدوا
وألف نعمى تظل الدهر واهبة=آلاءها الناس من ضلوا ومن رشدوا
تربو على البذل إذ تحبو كرائمها=كأنما البذل يغنيها فتطرد
أنهبتها الناس مسروراً كوالدة=تحبو بنيها وقد جاعوا وقد جهدوا
وكنت كاسمك بين الناس طيبة=أخباره إن هم قاموا وإن قعدوا
يروونها كالهدايا وهي زاهرة=كأنها المسك لما ضاع والشهد
«كانت محادثة الركبان تخبرهم=عنك الغوالي وقد سالت بها البرد»
«حتى التقوك فلا واللَّه ما سمعت=أذن بأحسن مما فيك قد شهدوا»
* * *=* * *
أبا البهاليل من عرب ومن عجم=شبوا على سمتك الميمون واجتهدوا
بكتك أفئدة منهم وألسنة=وقبل أدمعهم وهي السها الكبد
بكوا أبوتك الزهراء صافية=وعاينوا الرزء لما جل وافتقدوا
لكن روحك وهي البرة ابتسمت=شوقاً إلى الملأ الأعلى وقد سعدوا
فشاع فيهم رضاء كالضحى =واستقبلوا النعي لا حزن ولا كمد*
أبي الأجلَّ وأستاذي إليك يدي=مددتها وأنا أزهو وأحتشد
بها كتبت بكل الحب قافيتي=فهل شفت بعض ما أشكو وما أجد
يا ليت لي مثل قبر أنت ساكنه=عساي ألقى الذي لاقيت إذ أفد
* * *=* * *
لبيت أحلى نداء عشت ترقبه=لما دعاك إليه الواحد الصمد
وقلت والبشر ريان ومؤتلق=قد طاب أمسي وأرجو أن يطيــب غد
لوحت للناس إذ ودعتهم بيد=لما دعتك إلى دار البقاء يد