رسالة شوق إلى الفرات.
* الجرداق مقهى مفتوح على شاطئ الفرات في دير الزور ، يؤمه الناس في أماسي الصيف خاصة يبتردون ويسمرون، لعله محرف عن «السرادق».
أنت بين القلوب والأحداقِ=أيها النهر ياعصي التلاقي
ساكن في بنيك حيث تولوا=في القريب الداني وفي الآفاق
شرقوا غربوا وأنت نزيل=ساكن في قلوبهم والتراقي
* * *=* * *
كنت يا نهر بهجةً تستبينا=ومَراحَ الصِّبا وأنس الرفاق
كم أوينا لشاطئيك نغني=في حنين العشاق للعشاق
كم لعبنا على الرمال صغاراً=وكباراً في صبوة المشتاق
وعدونا على ضفافك نلهو=ونهلنا من مائك الرقراق
وأوينا إليك ظئراً حنوناً=ونعمنا بجودك الغيداق
الأماني كؤوسها مترعات=طيبات دارت وأنت الساقي
في زمان مثلِ النسيم رخياً=وتلاقي مودة وافتراق
وقلوبٍ بيضاءَ كالفجر طهراً=قد تسامت عن بِغْضةٍ ونفاق
تهب الود حيث كانت وتسخو =والدواعي بواهر الأخلاق
وبها بهجة الطفولة صفواً=وابتسامات طيبين رقاق
* * *=* * *
أيها النهر يا صديق شبابي=وصديق الأرواح والآماق
وصديق الصبا الغرير المنقى=في صباح حالٍ وفي غساق
وحديثٍ وثرثرات طوال=ورواح وغُدوةٍ وسباق
وتلاغٍ في تافه ومهم=وشقاق مستوفز واتفاق
ونوادٍ بشاطئيك حسان=واجتماع الرفاق في الجرداق *
إنني حافظ جميلك عمري=منةً في أضالعي والصِّفاق
ولأنت العزيز تدري وأدري=أنت مني في قلبي الخفاق
مرحباً يا فرات هذا سلامي=من وداد صاف وهذا عناقي
جد بوصل وبلغ الدير عني=أنها بهجتي وفي أعماقي
قل لها يا ترى أأرجع يوماً=قبل شيبي وقبل حين مساقي
أيها النهر يا كريماً بخيلاً=ليت شعري متى يكون التلاقي
* * *=* * *
هو يوم أرجوه نضراً قريباً=تمَّحي فيه غربتي واحتراقي
فصباحي فيه بهاء وأنس=ومسائي أبهى من الإشراق
وأنا فيهما وأهلي وصحبي=وشوشات وفرحة في المآقي
وصَبوحي من الرضا وغَبوقي=ومن البشر خالصاً أشواقي
زغردتْ فيه كالربيع المندَّى=بسمات ضحكن في أعماقي
فتركت الأسى وشكوى الليالي=ونفضت الهموم عن أوراقي
كيف لا والشباب عاد بلقيا=بددت وحشتي وفكت وثاقي
وسرى السعد في فؤادي يغني=وسرى في الجبين والأعراق
ومشى الشكر في ذويَّ وقلبي=فسجدنا لمنة الخلاق
* * *=* * *
هو يوم سامحت فيه زماني=والسماح النقي من أخلاقي