للمسلمين تَفَجُّعِي و رثائي = وعَلَيْهِمُ في ذا الزمانِ بكائي
تمشي على أشلائِهم قـَدمُ الأسى = وتقيلُ حولَ جماجمِ الشُّهداءِ
كم طفلةٍ نادتْ أباهـا فانثنى = صوتُ الطفولةِ باءَ بالإعياءِ
واستنجَدَتْ بأخٍ لها لكنَّها = عادتْ كَعَوْدِ الطفلةِ البلهاءِ
فالأمُّ قد ذُبِحَتْ وأمَّـا أُختُها = فغدتْ أسيرةَ أدمعٍ و شقاءِ
دَعْ ماجرى ، تبًّـا ،وما يجري على = حُلْوِ المغاني من أذى الأعداءِ
هم جرَّدوها من مباهجِ أهلِها = فالحقدُ حّــدُّ المُديةِ الحمراءِ
والعالمُ المتَحَضِّرُ الغافي على = صوتِ الجراحِ ونغمةِ الإيذاءِ
ويفيضُ شجوي من معاناتي على = حالِ الضياعِ وتنبري أرزائي
فالجمرُ في صدري وصدري ناله = من حالهم وهجٌ على أحنائي
لمصابهم ضاقت بي الدنيا ، وكم = عزَّيْتُ نفسي لو أفادَ عزائي !
ولطالما أنشدْتُهم شعرًا يفيضُ ... = ... مرارةً ، كمرارةِ الضَّرَّاءِ
بئسَ العزاءُ إذا تقنَّعَ بالبكا = ونَعَتْهُ يأسًـا صفعةُ الإزراءِ
هاموا ببيداءِ المواجعِ غائرًا = جرحُ المُصابِ بعالَمٍ نسَّاءِ
هاموا ، ووهجُ الكربِ يحرقُ يومَهم = ويكرُّ يتركهم إلى الإدجاءِ
وإذا صحوا لاللضياءِ ، ولا إلى = رحبِ النهارِ المشرقِ الأرجاءِ
لكنْ إلى دنيا الكآبةِ والأسى = ولتيهِ بأسِ مكائدِ السفهاءِ
وإلى عويلِ الدَّاءِ عشعشَ في الحشا = وحروقِ لذعِ الهمِّ في الحوباءِ
وأشدُّ من إيلامِ هذا : نومُهم = عن غايةٍ تُرجَى لدى العلياءِ
وَتَمَرُّدُ الأهواءِ في أبنائِهم = قد قادهم هَمَلا بحبلِ فَناءِ
هاهم قد التحفوا بأسبابِ العَنَا = وتسنَّمُوا زورًا رؤى العظماءِ !
وعواصفُ البلوى تعربدُ فوقَهم = وَتَقَلُّبُ الإيذاءِ بالإيذاءِ
ولربما هم يُحسدون لأنهم = لم يعبؤُوا بالإثمِ والفحشاءِ
عاشوا السنينَ ولم تُؤرِّقْ عينَهم = فتنُ الزمانِ ، وقبضةُ البأساءِ
وتزاحُمُ الآلامِ بين ضلوعِهم = ومصارعُ الآباءِ والأبناءِ
وتآمرُ الأوغادِ ما استترتْ به = أيدٍ تُديرُ فُجاءةَ اللأواءِ
ولربما ركعوا لقاتلِ عزِّهم = ورأوا به أسطورةَ استقواءِ
تَبًّـا لمَن قد أذعنوا لعدوِّهم = واستمرؤوا الإذعانَ للجبناءِ !
دفنوا الصَّدى الموَّارَ لمَّـا لم يعوا = مافي جوانحِهِم من الأصداءِ !
هم يملكون الأمرَ ، بئسَ ضلالُهم = لم يُعرَفُوا في الناسِ بالضُّعفاءِ
الفاتحون يُجلُّهُم هذا المدى = إذْ أنقذوا ظمأى الورى بالماءِ !
ماءِ الهدايةِ والتَّراحُمِ والإخا = ماءِ السُّمُوِّ العَذْبِ بالغرَّاءِ
ماءِ الحياةِ يصونُ جِذْلَ كرامةٍ = لم تُفتَقَدْ في غمرةِ الأرزاءِ
إنَّ الفروعَ ترعرعتْ ، وتمايستْ = بالزَّهْوِ في دوحِ الهدى الغنَّاءِ
واشتدَّ كفُّ العزمِ : فيه أسِنَّةٌ = وصليلُ سيفُ اللهِ في الهيجاءِ
سُنَنُ الإلهِ الماضياتُ بكونِه = هيهاتَ أن تُطوَى بلا إمضاءِ
فعلى جباهِ الآثمين أدلَّةٌ = للخزيِ آتٍ ليس من إبطاءِ
إنِّي أُبشرُكم بأنَّ عدوَّكم = واهٍ ، وأنَّ مآلَه لفناءِ
مهما استبدَّ بغيِّه وبظلمِه = مهما استعانَ بقوَّةِ التُّعساءِ
مهما تآمرَ واستمدَ زفيره = وشهيقَه من جوقةِ الجهلاءِ
يأتيه ـ إن أجَلٌ دنا ـ مالم يكنْ = في الفكرِ بالحُسبانِ في الإمساءِ
فإذا النياشينُ التي أغرتْه ... = ... للطغيانِ والجبروتِ والخُيَلاءِ
داستْ عليها أرجُلٌ تمشي إلى = رضوانِ ربِّ العرشِ في الظلماءِ
أيَّامُ بغيٍ أقفرتْ آناؤُها = من كلِّ خيرٍ جاءَ في الآناءِ
كم سامَ أهلينا الكرامَ معربدٌ = أو خائنٌ للأمَّةِ الثَّكلاءِ
وكم استباحَ دماءَها وثراءَها = وَعُلُوَّ شأنِ مكانها الوضَّاءِ !
والظلمُ أعمى لن يزولَ بحكمةٍ = لكنْ يزولُ بركلةِ الوطَّاءِ
ولقد عتا ، وعنتْ له أجيالُنا =إذْ لفَّها كالحيَّةِ الرقشاءِ
مستأسدًا مستنسرًا متوحشًا = وكأنَّه في الغابةِ الدهماءِ
فالشؤمُ اللؤمُ المقيتُ بوجهه = بانا عليه ، وشاعَ في الأحياءِ
وهي النُّحوسُ زمانُها معدودةٌ = أيامُه ، كالحقدِ والغُلواءِ
حرقتْ خطاياهم سنابلَ مجدِنا = إذْ أنَّ عينَ الشَّعبِ في إغفاءِ
لكنَّه الأُفُقُ الحفيُّ بمجدِنا = مازالَ تعمرُه يـدُ اللألاءِ
والشَّعبُ بعدَ النَّومِ طلَّقَ غفلةً = وأزاحَ عنه قباحةَ الأقذاءِ
وطوى بأضلُعِه لهيبَ عُتُوِّهم = وأتى الطغاةَ بريحِه الهوجاءِ
هبَّتْ كتائبُه كآسادِ الشَّرى = كالموجِ ، كالإعصارِ في الدَّأماءِ
كَفَرَ الإباءُ بمذهبِ الصَّمتِ الذي = جعلَ الفتى كالآلةِ الخرساءِ
وبكلِّ أُذْنٍ للرجالِ أصمَّها = ثقلُ الخطوبِ و وطأةُ الأرزاءِ
قد علَّلتْنا بالهُراءِ وعودُهم = ولعلَّهم من أكذبِ الخطباءِ
وسيهربون أمامَ إقدامِ الشُّعوبِ ... = ... وليس للأنجاسِ من شفعاءِ
فهُمُ الأراذلُ شوَّهوا وجهَ الضُّحى = بنحيبِ ثكلى الغارةِ الشَّعواءِ
دارَ الزمانُ ،وليس من قيمِ العلى = ستكونُ للخوَّارِ والبَكَّاءِ !
لن يؤثرَ العهدُ الجديدُ مغفَّلا = أو رأيَ إمَّعةٍ من الجبناءِ
الحالياتُ هنا أبتْ أعنانُها = أن تُستَرَقَ لفتنةِ الإغواءِ
أو تقبَلَنْ ليلَ الهزائمِ ، إنَّها = بنتُ السَّنى ، والليلةِ القمراءِ
لم ترتضِ المزمارَ أوهَنَ جيلَها = فكبا ، تُمرغُه يدُ الصَّهباءِ
مذمومة تلك الخصالُ استعبدتْ = روَّادَها بتفحُشٍ وغِناءِ
بالعاهراتِ وبالفجور وبالخنا = والليلةِ الحمراءِ والسَّوداءِ
آهٍ على ( اقرأْ ) أتتْ فوَّاحةً = بالوحيِ والتوحيدِ والبُشَرَاءِ
وعلى المصاحفِ أُلقيتْ في غفلةٍ = للناسِ قد طالت لطولِ ثَواءِ
والحربُ معلنةٌ على خيرِ الورى = وعلى بهاءِ السُّنَّةِ الغرَّاءِ
هم جلُّ قومي ويحني ماذا لهم = أروي من الميلاد والإسراءِ
من بدرِ معركةِ الخلاصِ من الدجى = من جاهليةِ عصرِنا الرعناءِ
من قادسيةِ مجدِنا وشموخِنا = من نفحِ حطِّينٍ ومن سيناءِ
من شمس قرآنِ النُّبوةِ أشرقتْ = فانجابَ ليلٌ وانمحى بضياءِ
من ألفِ ألفٍ من مآثرِ أمتي = تُلفَى بذاكرةِ الزمانِ النَّائي !
من عطرِ قرطبةٍ ومن زيتونةٍ = من أزهرِ الأبرارِ لا السُّفهاءِ
من حسرتي وتوجُّعي وتفجُّعي = وتضرُّعي وتولُّعي ورجائي
وقراءتي لهموم قومي مادروا = كيف السَّبيلُ إلى العلى لِلقاءِ !
هجروا مكانتهم ، فضاعتْ هيبةٌ = كانتْ لهم في أعينِ الأعداءِ
واربدَّت الأيامُ في آماقِهم = واسودَّت الدنيا بعينِ الرَّائي
وهم الجناةُ بها ، وهم ما كفَّرُوا = عن ذنبِهم بالتوبةِ البيضاِءِ
بل أمعنوا بفسادِهم ، وبردَّةٍ = موسومةٍ بالرِّدةِ الحمقاءِ
شمطاءِ أو رقطاءَ في أدوارِها = مُذْ غيَّبتْ عُميانَها بعَماءِ !
سلَّتْ صوارمَها على أبناءِ أمتنا ... = ... ولم تُشهرْ على السفهاءِ
وتبادرتْ بفسادها ، وبخبثِ ما = عندَ الجناةِ ، وسارقي الأسماءِ
ماتَ الصَّباحُ بوجههم ، فسقى الرؤى = ثقلُ التثاؤُبِ باليدِ العسراءِ
فنهارُهم ولَّى بقبحِ تقاذُفٍ = بيدِ الفصامِ النَّكْدِ واللأواءِ
وَرَواحُهُم أمسى عليهم سُبَّةً = إذْ غُلَّ بالخسرانِ والضوضاءِ
هوسٌ دعاهم للضلالِ فأسهبوا = في طمسِ نورِ الدَّعوةِ السَّمحاءِ
لكنَّهم صُدِمُوا بما لم يأتِ في = حسبانِهم من مزنةٍ سقَّاءِ
تروي منابتَ عزِّنا وفخارِنا = ليعودَ طيبُ الخيرِ في الأشذاءِ
إنَّ البشائرَ نمنمتْ همساتُها = كالودْقِ هزَّ الروحَ في الميثاءِ
فزهتْ قناديلُ الربيعِ عشيَّةً = وبصبحها الفوَّاحِ في الأجواءِ
المشهدُ الآتي سليلُ نبوَّة = لامِن هوى الطاغوتِ والأهواءِ
لم يُبْقِ ثجُّ الخيرِ يومئذٍ هنا = متسولا حتى من البُعَداءِ
وأذانُنا شقَّ الدجى فتفتقتْ = آلاؤُه حللا بلا إحصاءِ
ورحيلُ ليلِ الظلمِ آنَ أوانُه = فلقد نبذنا قاتلَ البُرَآءِ
ولقد كفانا زورُهم وهُراؤُهم = ولفائفُ التدليسِ في الآراءِ
كم لوَّعتْ أخطاؤُهم تاريخَنا = فشكى إلينا اللؤمَ في الأخطاءِ
جرُّوا لذلتِهم رُقيَّ ربيعِنا = ياوحشةَ المرفوعِ باستهزاءِ
حقبٌ تمرُّ مريرةً مشحونةً = بالحقدِ من أفعالِهم والدَّاءِ
وعلى يديهم بُدِّلتْ أثوابُنا = ووعاؤُنا الغالي بشرِّ وعاءِ
وقلوبُنا كادتْ تموتُ لحسرةٍ = ولِمـا عرا من قسوةِ الأعباءِ
هذي حكايتُنا مآسينا بها = تُتلى دُجىً في أُذنِنا الصَّمَّاءِ
ويضجُّ تاريخٌ ، ويشمخُ فارسٌ = وتُكسَّرُ الأقفالُ في الإدجاءِ
وإذِ القبورُ ـ وأهلُها هم مَن لَووا = أعناقَهم لأوامرِ الجبناءِ
ذاتُ المقابرِ بُعثرتْ ، وإذِ الدِّما = تغلي ، ونارُ الثأرِ في الأحشاءِ
وإذِ الجموعُ ترى الحياةَ قشيبةً = دونَ المُضيِّ لقِمَّةِ الجوزاءِ
الَّلهُ أكبرُ إنَّه البعثُ الذي = أحيا السَّنا في الليلةِ الدَّكناءِ
المسلمون ... استيقظوا رغمَ العتاةِ ... = ... صناعةِ الشيطانِ والأزياءِ
والجاهليةُ آذنتْ برحيلِها = بمتاعِها ذي الوصفةِ البلهاءِ
والناسُ قد سئِموا من النُّخبِ التي = عاشت على أكذوبةِ الإطراءِ
اللهُ خالقُهم ، فلن يُستَعبَدوا = أو يَعْبُدُوا إلاَّهُ في الآناءِ
أزجى لهم نورَ النُّبُوَّةِ خالدًا = لم تَطوِهِ حقبٌ ، وعصفُ بلاءِ
واليومَ لبَّتْهُ الشعوب ، وجانبتْ = ماجاءَ من كُفْرٍ ومن غُلواءِ
واستعصمت باللهِ غيرَ مهينةٍ = وتفاخرتْ بالسُّنَّةِ الزهراءِ
هبَّتْ وبالقرآنِ ظلَّلَ ركبَها = مافيه من أرج ومن سيماءِ