الفجر القادم
لا أستطيع قياد الحبِّ إن جمحا
لذا فكتمانه في القلب مانجحا
ولو بقيتُ بكتم الحبِّ مشتغلاً
أظلُّ في ردهات الحبِّ مفتضحا
فكم مليمٍ نعى في الحبِّ مسكنتي
وكم عذولٍ خضوغي في الهوى قدحا
يُقالُ ما ضرَّه والحبُّ أسقمه
لو أنَّه أصلَ هذا الحبِّ كان محا
ما بالهُ واصفرارُ الوجه غيَّره
فقد غدا من هزالٍ مسَّه شبحا
و قد ذوى مثل عودٍ ماؤه انقطعت
لمّا لداعي الهوى الأضلاع قد فسحا
قد كان أولى به ألّا يُقرَّ به
وأنّه للهوى ما كان قد سمحا
ما قيلةٌ في مقام الحبِّ منكرةٌ
و ذكرُها بين أرباب الهوى قبُحا؟
و هل رأيت محبّاً عاش في رغدٍ
من الحياة و إلا بالهوى جُرحا
و أسقمته عذابات مبرِِّحة
إذ إنّه في شقاء الحبِّ ما برحا
يشقى الفؤاد ونارُ الحبِّ تلفحه
ولا يكونُ هوىً إلا إذا لفحا
من ذا بقلبي لهيب النار أضرمه
و شعلة الحبِّ فيه من تُرى قدحا
ومن سقاني كؤوس الحبِّ مترعةً
ومن بكفّيه أهدى خافقي قدحا
حتى غدوتُ أرى نفسي به ثملاً
و بعدُ طيفُ الذي أهواه ما لمحا
يا وردةً عطرُها والطلُّ أسكرني
يا طيب عطر به المحبوب قد نفحا
من خدِّها اختضبتْ حمراءَ قافيتي
ومن حلا شهدها شِعري أنا طفحا
وقد شدا البلبلُ الغرِّيدُ أغنيتي
فاسّاءل الكونُ : من ذا عاشقٌ صدحا
أنا المحبُّ ومحبوبي بدا قمرا
و ضوءه ظلمةَ الأكوان قد مسحا
فأقبل الصبحُ ينعي قبله غسقاً
و أسفر الكون بالإصباح واتّضحا
وأرسلت شمسُه نوراً أشعَّتها
تقول للناس قوموا صار وقتُ ضحى
وافترَّ ثغرُ الدُّنا يبدي تبسُّمَه
كأنه قبلةَ الإصباح قد ربحا
وفتَّح الكونُ أجفاناً منعنسةً
من ذا لنا النور بعد الظلم قد منحا
نادى المنادي و أذن الكون صاغيةٌ
هذي حبيبةُ من في حبِّها سرحا
غابت فأمسى كئيباً حين غيبتها
وحين عادت له في عَودها فرحا
هذي الحبيبةُ كلُّ الناس يعشقها
أنا وأنت ومن للنور قد طمحا
أرضُ الشآم قضت عمراً تراودُها
والياسمينُ لها الأبواب قد فتحا
واليوم مدَّت ذراعيها معانقةً
من كان عن حضنها بالأمس قد نزحا
وسوم: العدد 875