ــ سراييفو ــ
*إلى روح القائد المجاهد الذي لاتنساه أمتنا أبدا المفكر الإسلامي علي عزت بيغوفيتش ــ طيب الله ثراه وأناله الفردوس الأعلى ــ قال الرئيس البوسني سليمان تيهيتش الذي عقد مؤتمرا صحافيا بعد عودته من ماليزيا ليعلن وهو يغالب دموعه : «مات علي عزت بيغوفيتش» لكن إنجــــازاته لم تمت، وسنواصـــــل السير على نفس المنهج الذي عمل من أجله طوال حياته». وقال تيهيتش انه كـــان يُمنِّي نفسه وهو في ماليزيا عند حضــــــــــــــوره قمة منظمة المؤتمــــــر الإســـــــــلامي بزيارة علي عزت بيغوفيتش ليبلغه تحيات وتوصيات القادة الذين التقى بهم أثنــــاء القمة، ومدى حرصهم على معرفة أخبار البوسنة وأخبار علي عزت. وقال: إن القادة الذين التقى بهــــــــم «يعلمون كثيرا ما يحدث في البوسنة وإنهم يتابعون أخبارها أولا بأول ) .
*إطلالة : حين يمعن أعداء الإسلام بحربهم على أبناء أمتنا ــ ولا يزالون ــ لايتورعون عن فعل أي عمل وحشي مشين ينافي لِمــا يسمونه بحقوق الإنسان ، وها نحن نرى ونسمع على امتداد الغبراء التي تشكو حزنها إلى الله مايجري للمسلمين في ليلها ونهارها ، وفي سائر أقطارها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
*نشرت هذه القصيدة في مجلة البلاغ الكويتية ــ العدد 1056 ــ تاريخ 6/10/1413هـ
تخبو بصبرِكِ جمرةُ العدوانِ = وضراوةُ الأحقادِ في الصلبانِ
وتهافتتْ دونَ اعتزازِك بالهدى = أفعالُهم في الغيِّ والشَّنآنِ
فالسمُّ منسفحٌ يحاكي مكرَهم = مضغَتْهُ أوروبا بألفِ بيانِ
فالحقدُ من سمةِ الجناةِ بعالَمٍ = ساموهُ بالإرهابِ والطغيانِ
فيدٌ بها للموتِ ألفُ وسيلةٍ = ويدٌ تؤججُ وقدةَ البركانِ
والصربُ قافلةُ اللئامِ وخلفهم = حشدٌ يعجُ بصولةِ الذؤبانِ
هجموا عليكِ وأنتِ أكرمُ روضةٍ = في صدرِ أوروبا وخيرُ مكانِ
حملوا حضارةَ عارِهم فوق المُدَى = وعلى الدمِ المسترخصِ الهتَّانِ
هي في الحياةِ حضارةٌ ملعونةٌ = مختلةُ القانونِ والميزانِ
مافي محيَّاها سوى قترِ الأذى = وحقارةِ الإيذاءِ والروغانِ
فانظرْ فسادَ فِعالِها في أهلِها = قد أتقنوها صنعةَ الأضغانِ
مَن قال : إنَّ الغربَ صاحبُ دعوةٍ = في العصرِ إنسانيةِ العنوانِ
وهو الذي ما أطبقَ العينينِ في = دنيا الورى إلا على البهتانِ
فالقدسُ مانسيتْ مذابحَهم بها = للشِّيبِ يومَ الروعِ والولدانِ
أفيعدلُ التاريخُ فيهم مرَّةً = ويقولُ للسَّفَّاحِ : أنتَ الجاني ؟!
* * *=* * *
صبرا سراييفو فلن تستسلمي = فالدهرُ بالأحداثِ ذو دورانِ
ولربَّ قارعةٍ ينوءُ بحملِها = قومٌ ، فتبعثهم من الأكفانِ
واجهتِ وحدك حقدَهم وعُتُوَّهم = وهزئتِ رغمَ الخطبِ بالطوفانِ
لمَّـا يزلْ شرُّ احتدامِ جنونِهم =غدرا وقتلا لاهبَ النيرانِ
كم من فتىً دافَ اللئامُ بقلبِه = سما زعافا يا لَذَا الثعبانِ !
ورموهُ في جدثٍ عليه يدُ الفنا = تطوي الشهيدَ على جريحٍ ثانِ
جعلوا الدجى لبنيكَ ويك مقابرا = ووجومُها طاغٍ على الأعنانِ
ولكم رأينا للطفولةِ مأتما = يروي مرارَةَ حرقةِ الأشجانِ
نادوا ليومِ الطفلِ تبًّا إنه = كذبٌ يُقالُ فليس من تحنانِ
تبًّا لهم ولكلِّ مَن يعنو لهم = هـم أخبثُ السُّفهاءِ في البلدانِ
قتلوا الصغارَ مع النساءِ تَشَفِّيًـا = ودناءَةً برصاصةٍ وسِنانِ
وبنادقُ الأوغادِ لمَّـا تَتَّئِدْ = فقلوبُهم أقسى من الصوانِ
هو منهجُ الفجَّارِ حين استنسروا = واستأسدوا في غابة الشيطانِ
ويلٌ لكم ياصربُ في دنياكُمُ = ويلٌ لكم من غضبةِ الديَّانِ
لن تفلتوا ، ولعله قدَرُ الإلهِ=وإنَّـه آتٍ مع الأزمانِ
فلقد قتلتم بالغُلُوِّ حضارةً = ذا وجهها المشؤومُ أحمرُ قـانِ
لطختموها بالمخازي والأذى = بالخمرِ بالإفسادِ بالنُّكرانِ
ولعلكم ــ لعنَ الإلهُ قلوبَكم ــ = بُؤتُم بها بالإثمِ والخسرانِ
وأبحتُمُ القتلَ الحرامَ لصبيةٍ = بسلاحِ كلِّ مُدَجَّــجٍ خوَّانِ
بالعارِ تغتصبون عِفَّةَ نسوةٍ = عِشْنَ الهدى بطهارةِ الأبدانِ
أقسمتُ أنَّكُمُ وحوشٌ أُفلتتْ = من غيرِ مـا شرفٍ ولا وجدانِ
أين القوانينُ التي قد زُوِّقَتْ = بعهودِ سِفرِ الأمنِ للسكانِ !
أضحى النظامُ العالميُّ المرتَجَى = في سلةِ الأقذارِ والنسيانِ
أين التَّبجُّحُ بالسلامِ فقد أتى = وَهْمًـا كعدلِ حضارةِ الرومانِ
أين التعايشُ والأخوةُ في الورى = أين التراحمُ في بني الإنسانِ
ولقد خبرناكم شيوعيين في = عهدٍ به (تيتو) خدينُ هوانِ
كنتم صليبيين رغم تشيُّعٍ = للروسِ خوف البطشِ كلَّ أوانِ
سبعون عاما أو تزيدُ وفوقكم = قهرٌ وترتعدون كالفئرانِ
هيهاتَ لم نسمعْ صدى لإبائكم = ولكرهكم للذلِّ والإذعانِ !
لكنْ وجدتم أمَّـةً مـكدودةً = تاهت بلا نهجٍ ولا ربَّانِ
فمشى الغُلُوُّ المـرُّ يبحث ناقمًـا = فرأى سراييفو بلا أعوانِ
أين العقولُ تصونُ أعراضَ النساءِ . = . وأين قانون الأسارى الواني ؟
ها أنتُمُ عذَّبتُمُ الأسرى بلا = حـقٍّ ودستُم حرمةَ الإنسانِ
أمَّـا جرائمُكُم فليس لحصرِهـا = عــدُّ ، وهان العدلُ في الميزانِ
قانونكم أعمى تصَيَّدَ أمَّــةً = وأباحَ رونقَ عزِّهـا الفينانِ
واجتاحت الأهواءُ دنياها التي = تشكو مآلَ تجمُعِ السُّكانِ
فالذبحُ بين رجالِها ونسائها = شرسٌ شراسةَ منهج الكهانِ
إنَّ التطرفَ والأذى قانونُكم = ولكم عواءُ الذئبِ ذي الأسنانِ
* * *=* * *
والمسلمون وإنَّهم أيتامُ هذا . = . العصرِ بين مطارقِ الحدثانِ
هجروا تعاليمَ السماءِ وضيَّعوا = عـزًّا لهم مازالَ في القرآنِ
وجَفَوا أحاديثَ النَّبِيِّ المصطفى = صلَّى عليه اللهُ ذو الإحسانِ
وتفرقوا لايملكون سوى الأسى = والشَّجبُ قوتُهم وما من ثانِ !
فاستيقظي يا أمَّتي و تقدمي = بشريعةِ الإسلامِ والإيمانِ
عودي بعزةِ دينِك الأسمى فقد = آنَ الأوانُ ليقظةٍ وتفانِ
مَن لم يُجرِّدْ للجهادِ سيوفَه = واشتاقَ ساحَ العزِّ كالشجعانِ
لايُرتَجَى خيرٌ لديه لأمــةٍ = أبدا فلا يغررْكَ طولُ لسانِ
والسلمُ يصنعه الجهادُ ألا ترى = في ظلِّه اندثرتْ قُوى الطغيانِ
أكلَ القويُّ لحومَنا ورمى العظامَ . = . رخيصةً للدودِ والجرذانِ
يا أُمَّتي : قلبي يمزقُه الأسى = والسهدُ يقلقُ في الدجى أجفاني !
أبكي عليك لكي أُنَفِّسَ عن جوىً = فيه لهيبُ كآبتي وبياني
أبكي عليك ولا بواكي أمَّتي = لمُشتتينَ بغمرةِ الطوفانِ
والناسُ يبكون البهائمَ فانظري = كيف ازْدُرِيْتِ بملعبِ الخسرانِ !
قد هِنْتِ بين الخلقِ في هذا المدى = وشبعتِ من كدرٍ ومن حرمانِ
* * *=* * *
عفوا سراييفو فما من حيلةٍ = إلا الدعاء لبارئ الأكوانِ
أشكو له الأوجاعَ تعصرُ مهجتي = وَتَوَقُّدَ الأحزانِ في شرياني
ماذا لديَّ سوى تَدَفُّقِ أدمعي = وتوهج الأحناءِ بالنيرانِ
إني أرى صور المآتمِ في المسا = فيهد مرآهـا المريعُ كياني
وأنامُ ويح النومِ يسلبني العنا = لأغيبَ عن حسِّي بكونٍ ثانِ
أهو انهزامٌ من مصائب مُـرَّةٍ = تجتاحُ ما للنفسِ من سلطانِ !
لا والذي قد أنزلَ القرآنَ في = شهرِ الهدى والفتحِ والغفرانِ
وحبــا به قلبَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ = فأتى به بالفتحِ والفرقانِ
ما هنتُ أو هانَ الشبابُ وإنما = هي غضبةُ العزماتِ في الركبانِ
واللهُ يشهدُ أنني أرخصتُ روحي .=. في سبيلِ اللهِ ذي الشكرانِ
سِرنا أيا ربِّي فَكَللْ سعيَنا = بالنصرِ ياذا الجودِ كلَّ أوانِ
لا نبتغي إلا الفلاحَ لأمَّةٍ = خاضتْ بوحلِ التيهِ والخذلانِ
هذي سراييفو يُهَدَّمُ ركنُها = بمدافعِ الصلبانِ والأضغانِ
قد أسكتوا صوتَ الأذانِ بأفقِها = وأتوا على المحرابِ والقرآنِ
والبردُ يلسعُ أهلَها والجوعُ قد = نالتْ مخالبُه من السكانِ
وقنابلُ الفجَّارِ تسقطٌ فوقَها = والناسُ في وجلٍ لهذا الشانِ
والميِّتُون تكدستْ أجسادُهم = ولربما دُفِنوا بلا أكفانِ
هذي سراييفو بدنيا بغيِهم = خُذِلَتْ ببابِ حضارةِ الشيطانِ
فانظرْ إليها واقْرَأنْ أحوالَها = واسأل طغاةَ الأرضِ أهلَ الشأنِ
هل يؤمنون بعدلِ يومٍ حسبُه = أنَّ العبادَ بقبضةِ الديَّـانِ !!
أيُحاربون اللهَ في ملكوتِه = أم أن جمرَ الحقدِ لجَّ في الإنسانِ
فاللهُ منتقمٌ وإن طالَ المدى = من كلِّ طاغيةٍ وذي عدوانِ
وليعلمِ الكفارَ من صربٍ ومَن = والاهمُ بالسِّرِّ والإعلانِ
أنَّ الليالي آتياتٌ بالسَّنا = والظلمُ بئسَ الظلمُ للخسرانِ
أيامُنا كانت لهم ولغيرِهم = أمنا وخيرا طيبَ الأردانِ
قد قال شاهدُهم قديما إنهم = مثلُ الذئاب حظين بالقطعانِ !
قالوا وحسبهُمٌ هنا هذا التفاوتُ . = . بيننا والفضلُ للإحسانِ
* * *=* * *
ما مرَّغَ الأوغادُ جبهتَك التي = كانت منارةَ عهدنا الرباني
نادي سراييفو بحالكة الأذى = ربًّـا على ماحلَّ بالبلدانِ
يانجمةً في ليل أوروبا زهتْ = والأفقُ معتكرٌ على كيوانِ
لاتسألي ثقلَ الظلامِ فأنتِ من = أثرِ النُّبُوةِ والهدى المزدانِ
والوعدُ من عند النَّبيِّ حقيقةٌ = بالفتحِ والظلِّ الظليلِ الهاني
قدرٌ عليك بأن تكوني عرضةً = للمجرمين بغفلةِ الفرسانِ
وقلوبُ مليارٍ عليك كئيبةٌ = وعساه من قَدَرٍ يثيرُ الواني
ولعلَّ جلجلةَ المدافعِ أيقظتْ = مَن نامَ تحت الظلِّ والأفنانِ
ولعلَّ حقدَ الكافرين يهزُ مَن = أخوتْ قلوبُهُمُ بلا خفقانِ
مازالَ ينفحُ خافقي نفحُ الرجا = ورفيفُ ما في القلبِ من إيمانِ
وتثيرني ريحٌ بها أدركتُ مـا = سرُّ البلاءِ اليومِ والخذلانِ
وأرى بها من حكمة الله الذي = يُجري الأمورَ على مدى الأزمانِ
ويلفني نورُ اليقينِ بخالقي = ويقي فؤادي من هوىً و هوانِ
يا أمتي : إنَّ الظلامَ سينجلي = ويزولُ ليلُ الوهنِ والإذعانِ
وأراكِ في ثوبِ الشريعةِ قوةً = ترمين ما للعصرِ من أدرانِ
وأراك تأتلقين في ليل الورى = وضَّاءةً باليُمنِ والإيمانِ
تأبى العقيدةُ أن تواري جندَهـا = محنٌ شدادٌ أو يــدا سجَّانِ
فالفجرُ يولدُ كلَّ يومٍ باسما = بتلاوةٍ تترى وصوتِ أذانِ