"ارحل".. بين الثائر والسجان
"ارحل".. بين الثائر والسجان
علاء الدين العرابي
عضو رابطة الإسلام العالمية
كانت صرخةَ إنسانْ
كانت تنفيسًا عن نيرانِ الغضبِ ..
عن حزنٍ مكبوتٍ يَشتعلُ حريقًا في زمن الطغيانْ
كانت كرةً من ثلجٍ ذابتْ ..
ظلت تتدحرجُ من جبل الخَوْفِ بلا شطآن
كانت أملًا مشنوقا فوق جِدَار الصمتِ
حاول أنْ يُفلتَ من قبضةِ سجانْ
كانت دفقَ هُتافٍ مكبوتٍ في الصَّدر ِ
نفضَ الخَوفَ وكسَّر كلَّ الأوثانْ
كانت حلما موءودًا من زمن القهرِ
قام فَتِيًا ليمزقَ كلَّ الأكَفَانْ
كانت آهاتٍ تخرجُ لهبًا من فُوَّهَةِ البركانْ
" ارحلْ "
كانت عنوانْ
*****
" ارحلْ "
صوتٌ يأتي من رحم الفَجْرِ على استحياءْ
جاء إلى الميدانْ
وتَحَوَّل في مدِ النور إلى طوفانْ
جاءَ جسورًا يستنفرُ فِينَا العزَّةْ
يستنفر فينا الإنسانْ
*****
" ارحلْ "
رحل الطاغوتْ
جاء الصبحُ سريعًا
يتنفسُ من رئةِ الحُلمِ
يحمل بسمةَ ضوءٍ في عتمةِ ليل الأكوانْ
والطير تنادى :
هيَّا ففضاءُ الوطنِ بلا طُغْيانْ
" جاء الحق وزهق الباطل "
لكنَّ الباطلُ موصولٌ بحبالِ الشَّرِ
ظل يقاومُ ..
ظل ينادي أعوان الشيطانْ
" ارحلْ "
عادت تتصدر واجهة الدنيا
عاد الطاغوت وعاد السجانْ
قالوا للفجرِ الواعد .. ارحلْ
قالوا للأمل الصاعد .. ارحلْ
قالوا للطير السابح .. ارحلْ
فليرحل صبحٌ جاء بلا استئذانْ
وليرجع قيدُ القهرِ إلى السجان
ولترحل شمسُ الحُرِّيةْ
ويعود الطير إلى محبسهِ فوق الأغصانْ
" ارحلْ "
صارت حقدًا يتنفسُ منْهُ الظلمُ
صارت حَجَرًا يُقذفُ من فوق جبال الأملِ
ورصاصًا يسكنُ في جسدِ الأوطانْ
" ارحلْ "
صارت أغنيةَ الغِربانْ
صارت أغنيةَ المقهى ولُفافات " البانجو"
صارت أغنيةً لسكارى الليلِ
تتراقص فوق رؤوسِ الجسدِ العُريانْ
صارت رناتٍ في جرسِ الهاتفْ
صارت أصواتَ كئوسِ الخمر ِ
صارت أغنيةً في صالات العُهْرِ وأبواق الإعلامْ
صارت تقريرا يوميا في صحف العار بلا عنوانْ
*****
" ارحلْ "
من يرحل ؟
هل يرحلُ شعبٌ من ذاكرة الماضي ؟
كي يبني فرعون المجد على أشلائِهْ
هل يرحل حلم الوطن البادي ؟
كي يسبقَ حلمَ الفرعونِ إلى القَصْر الذهبي
أم يرحل أذنابُ الطاغوت وأعوانُ الشيطانْ
أخشى أن يرحل هذا الشَّعب
ويدخل كهف النسيانْ
أخشى أن يرحل هذا الفلاح الريفي الكادحْ
فتبورُ الأرض وتنتشر الغربانْ
أخشى أن يرحل صوت العقلِ ..
ويبقى صوت الهذيانْ
أخشى أنْ تُسكتَ صوتُ مآذِنِنا
كي يعلوا صَوْتُ الصُّلْبانْ
أخشى أنْ تُغْتالَ شموسُ الشَّرقِ
أو تحبسَ خلفَ القُضبانْ
أخشى أنْ تتساقطَ أوراقُ البرْدِي
في عصفِ الريحِ ، وعصفِ الطوفانْ
أخشى أن تدخلَ " ارحل " في جوف أبي الهولِ
فيعود الصمتُ إلى الميدانْ