( إلى الأستاذ الفاضل الأخ طارق غريب ــ حفظه الله وعافاه ــ بمناسبة وفاة الأخت الفاضلة زوجته أم محمود يرحمها الله . سائلين المولى تبارك وتعالى أن يسكنها فسيح جنات الخلود ... ) .
مرارةُ النأيِ عن دنيا منازلنا = تأججتْ بلهيبٍ في جوانحنا
وغـربةٌ مُـرَّةٌ نالتْ فما تركتْ = من كُـوَّةٍ قد تُرينا وجهَ حارتنا
تمرُّ أيامُنا والحزنُ يلفحُها = والشَّجوُ يحكي المآسي عن مرارتنا
دهى الديارَ وأهليها نوازلُها = فلا ترى غيرَ مَن يشكو بأمتنا
وصبرُنا يا أبا محمودِ أورثنا = حُسْنَ الرضا إذ دهتْ ظلماءُ وحشتنا
ولـم تنل من يقينٍ في عقيدتنا = فالأمرُ للهِ في أيامِ شدتنا
والموتُ حـقٌّ كما تدري ويؤلمُنا = يومُ الفراقِ لأُختٍ عن مرابعنا
فأُمُّ محمودِ عاشت عمرَها ولها = من زينةِ الخُلُقِ الأسمى بشرعتنا
وصابرتْ غربةً عمياءَ ماتركتْ = يوما بلا وجعٍ يودي بفرحتنا
قد أوقفتْ لبنيهـا نفسَها ومضتْ = وخلَّفتْ ذكرياتٍ بعد فرقتنا
كأنَّـه حُلُمٌ وانفضَّ أعذبُه = وخلَّفَ اليومَ من آهاتِ حسرتنا
أغنت بنيها من الصبر الجميلِ فهم = في ظلِّ تربيةٍ من سِفرِ دعوتنا
أما الرحيلُ عن الدنيا فمرحلةٌ = تأسى لها النفسُ وُدًّا في أخُوَّتنا
عزاؤُنا بالذي نرجوه رحمتَه = وليس يُرجَى سِواه في عقيدتنا
ونسأل اللهَ أن تلقى بجنَّتـه = طيبَ النعيمِ الذي يُرجَى لبهحتنا
فالراحلون وتبكيهم مدامعُنا = والحزنُ يوم النَّوى مجلى مودتنا
ماعارضَ الحزنُ ما يقضيه بارئُنا = فالراحلون لهم أوفى محبتنا
يا أُختَنا أُمَّ محمودٍ تفاؤُلُنا = برحمةِ اللهِ من آثارِ لهفتنا
فالله يرحمُنا ، والله ينجدُنا = واللهُ يعلمُ ما نخفي بمهجتنا
له سجدنا ومن فرقانه رُوِيَتْ = منَّـا القلوبُ وما زالت بأوبتِنا
نستودعُ الله أُختًـا حيثُ سيرتُها = فيها السُّمُوُّ الذي يُلفَى بنشأتنا
وهيَّجَ الموتُ ذكرى لم تزل قيما = لها القلوبُ التي تاقتْ لأربُعِنَا
ليلُ الفراقِ طويلٌ إذ نكابدُه = وما أشدَّ الجفـا الثاوي بلوعتنا
أحنُ للأهلِ والوادي الذي سكنتْ = به القبيلةُ من فتيانِ دعوتنا
فكم تراءى لقلبي وجهُ رفعتهم = وكم تهادى لسمعي شدوُ عصبتنا
وكم شدت بهواهم أضلعي وهفتْ = إليهمُ الروحُ في آفاقِ رفعتنا
وكم بنا عصفتْ نارُ الحنين وكم = ثارت رياحُ النوى تترى بمهجتنا
أبوحُ بالشوقِ للغادين أسألُهم = لعلَّ فيهم فتى يفضي بحاجتنا
لكنْ نسوا أو تناسوا بعدنا ورموا = ماكان في سِفرِ بوحِ الشوقِ من يدنا
فقلتُ للقلبِ : صبرا مالنا أملٌ = إلا بمَن يُرتجَى دوما لكربتنا
الله ربُّ الورى إن شاءَ يجمعُنا = فلا تؤملْ سوى الباري لعثرتنا
وهـدِّئِ الروعَ ياقلبي وإن عبستْ = سودُ النوازلِ في آفاقِ بلدتنا
فكلُّ غـادٍ له يومٌ يعودُ به = مادامَ في صدره نارٌ لمحنتنا
غـدًا ترى الجمعَ في حاراتهم وترى = مَن كنتَ تلمحُهم ساعاتِ غفوتنا
أبا الشيوخِ ويا أُنسَ الفؤادِ به = وياجميلَ المزايا بين ديرَتنا
كنا بحضرتكم مستأنسين فمـا = لناركم خمدتْ في ليلِ وحشتنا
لقد رمانا النوى في يـمِّ غربتنا = وكادَ يغرقُ فيه وجهُ مركبنا
ياربِّ أدركْ فَمَن ذا اليوم نسألُه = ومَن سواكَ سيأتينا لنجدتنا
عشنا لدعوتنا حبًّا بأمَّتِنا = وقد وجدنا المعالي في رسالتنا
وقد شربنا كؤوسَ الوصلِ صافيةً = ولم نخن عهدَها في ضيق محنتنا
ولا بغيرِ هواها سارَ مركبُنا = ولم يطبْ دونها عيشٌ بغربتنا
ردُّوا إليَّ زمانا كنتُ أحسبُه = يبقى ويُبقي لنا سُمَّارَ فرحتنا
ففوق عيني غشاواتٌ تكدرُها = وفي فؤادي ــ لظى جمــرٍ ــ وأضلعنا
واليوم هاجت بنا الأحزانُ واجتمعت = واستنزفتْ أملا موسى فواجِعِنَا
أحبَّةٌ فارقونا والنَّوى سُعُرٌ = وهل نلامُ إذا جدنا بأدمعنا
يا أختنا أنتِ قد هيَّجتِ مهجتنا = ودمعنا قد جرى جمرا بمحجرنا
عسى اللقاء بيوم الحشر يجمعنا = مع الحبيبِ ونُنْهِي حالَ جفوتنا