أمحيَّاكَ بدنيانا بـدا=وأتانا بالمثاني منجــدا
وتثنَّى يالأيام مضتْ=إذْ حبانا ـ يالشوقٍ فيها ـ والنَّدى
لم نزل نخرجُ من قيدِ الدجى=وبأيدينا مصابيحُ الهــدى
لن يمرُّ الليلُ من حاراتِنا=مثلما هاجَ ـ زمانا ـ واعتدى
سيرى في كلِّ صوبٍ جذوةً=ويرى في كلِّ أُفْقٍ كوكبا
لن يعيثَ الليلُ ، بئستْ كفُّه=مزَّقتْ مجدا ، وأوهتْ سؤدُدَا
ماخشيناهُ ، ولمَّـا لم نطقْ=وجهَه البائسَ أخوى أسودا
ثارَ. بل ثرْنا عليه : جسدأ=كانَ يكويه ، و روحًا ، ويـدا
وإباءً صاغه الإسلامُ لم=يفْنَ رغمَ القيدِ أو بغيِ العدا
وجهادًا ماتوارى أهلُه=في الدياجيرِ ، ولم يذهبْ سدى
لم تزلْ وقدتُه رغمَ الدجى=ألقًا يُنشِئُ أسبابَ الفدا
إنَّه الليلُ الذي أمطرنا=بيدَيْ أنوائِه ، واستعبدا
وعلا في أُفقِنا مستنسرا=ومشر في أرضِنا مستأسدا
كانَ وهما وضلالا ، وعمى=رغباتٍ ما استرقَّتْ أحدا
بعدَ أن بارت به أسواقُه=ونأى عن بوقِه مَن زهدا
جفلَ السِّمسارُ عنه ، وطوى=دفترَ الزُّورِ ، وما قد قيَّـدا
الفراغاتُ التي يملؤُها=زيفُه الآسنُ جاشتْ نكدا
والنياشينُ التي قد لمعتْ=ليس تجدي حقَّنا المُفتَقَدَا
ضيَّعوا القدسَ ، وفي أشداقِهم=يتلوَّى مكرُهم إذْ عربدا
وبأيديهم أجاعوا شعبَهم=والدًا هِمَّا ، وما قد ولَدَا
وأذاقوهُ هوانا ، كأسُه=مُـرَّةٌ يجرعُ منها النَّكدا
ولووا ساعدَه عن قوَّةٍ=فغدا ذا وجلٍ مرتعدا
مُقعدَ الهمَّةِ ، ياويحَ الذي=رغمَ نورِ العزمِ فيه قعدا !!
أتردَّى ؟ أم أرادوا شجوَه=لهواهم ظهرَ زيفٍ جَلِدَا
مرَّت الأعصُرُ خجلى ، وذوى=شجرُ المجدِ كسيفًا مسهدا !!
والطيورُ البيضُ في أقفاصِها=لم تجدْ فيها جناحًا غَرِدَا !!
طاوياتٍ !! إنَّما الفجرُ أتى=صادقَ الطَّلعةِ ، يوحي رشدا
بمحيَّاه تباشيرُ الضُّحى=والفتوحاتُ ، و ركبُ السُّعدا
والأسارى ، والبطولاتُ ، ومّنْ=صَدَقَ اللهَ بها والرَّشدا