وطنٌ يتشظَّى
يا صحارى
يا شوامخْ
يا صخورْ
شربت ذرَّاتُك العطْشى وعبَّت من دمانا
شبعتْ من لحمنا القطعانُ
عافتنا النُّسورْ
شبعتْ ثم ارتوتْ
غير أنَّا ما شبعنا
ما ارتوينا
ما اكتفينا
قُطِّعت أوصالُنا بيدينا
أُزهقت أرواحُنا بيدينا
أوغلَ الأعداءُ قتلاً في نسانا وبنينا
ما فهمنا
ما وعينا
أنَّنا حين ابتُلينا بجنونِ الحكمِ جاوزنا الجنونا
وتباعدنا صفوفاً واصطفافا
وتبادلنا دعاوى
عمَّقت فينا شروخاً وانقساماً وخلافا
واقتتلنا
لم يزدنا القتلُ فيما بيننا إلَّا انحرافاً وانكشافا
وتركنا خصمَنا يعبثُ فينا
بأسُنا ارتدَّ علينا
نحسبُ القتلَ فخارا
ونرى في السِّلم في دعوته، إن أطلقت، جبناً وعارا
- ☆• •☆• •☆•
بعضُنا يعشقُ الحربَ
إذا لم يحترقْ في نارها
يرقبُ المأساةَ لكنْ من بعيدِ
من بلادٍ لا يرى فيها دماءً وخراباً ويتامى
وإذا ما شاهدت عيناهُ يوماً صوراً من مآسينا
تراهُ يتعامى
ليته يأتي إلينا يتسلَّى
ويرى ما نحن فيه من نعيمْ
وطنٌ في لوحةٍ لم تكتملْ
أبدعتها كفُّ (آريسَ) و (مارسْ)
لوَّنتها بدمانا
رقصةُ الموتِ على أشلائنا نارٌ وقصفُ
وعروسٌ فوق نعشٍ نحو مثواها تُزفُّ
ونحيبُ الأمِّ مزمارٌ ودفُّ
وصراخُ الطِّفلِ أنغامٌ وعزفُ
جثثٌ منثورةٌ في كلِّ حيٍّ
فليمتِّعْ ناظريهِ
من يرى في الحربِ حَلَّا
وليشنِّفْ إذُنَيهِ
من يرى في السِّلمِ إذعاناً وذُلَّا
- ☆• •☆• •☆•
هل يرى العاقلُ في حربٍ، تُميتُ الإخوةَ الأعداءَ، مجداً وافتخاراً؟
هل يرى فيها انتصاراً لأخٍ
أو إنكساراً!؟
هل يرى إلّا جحيماً وخراباً ودماراً؟
ليس فيها غير يتمٍ
غير ثكلٍ
غير تشريدٍ وجوعٍ
غير إفناءٍ لشعبٍ
غير تفريطٍ بأرضٍ
ليس فيها غير مأساةٍ تُدار!
- ☆• •☆• •☆•
هل ترى يأتي زمانٌ نستعيدُ العقلَ فيهِ
ونرى ما تفعلُ الحربُ بشعبٍ
كان للرِّقَّةِ والحكمةِ والإيمانِ أهلا؟
إنِّها الحربُ إذا ما أُوقِدت
أوقَدت في النَّفسِ أحقاداً وغِلَّا
وبدا من ينشدُ السِّلمَ جباناً
أحمقاً أو جاهلاً يزدادُ جهلا
يستحقُّ الذَّمَّ والتَّشويهَ والتَّجريحَ
يغدو هدفاً لدعاةِ الحربِ ميسوراً وسهلا
- ☆• •☆• •☆•
هل ترى يأتي زمانٌ يُستعادُ العقلُ فيهِ؟
يفهمُ النَّاسُ بأنَّا كلُّنا شعبٌ عريقْ
إخوةٌ نحنُ جميعاً يفخرُ التَّاريخُ فينا
ليس بالأنسابِ نرقى
بل بتقوانا
كما قال نبينا
أمرُنا شورى، ومن ذا أبدعَ الشُّورى سوانا؟
سبأٌ من خطَّ للحكمِ الجماعيِّ نهجاً
قبلَ آلاف السنيينْ
لم يكن يقطعُ أمراً دون رأيِ النَّاسِ
حتَّى يشهدونْ
فلنسرْ في النَّهجِ حتَّى منتهاهْ
وليكن للشَّعبِ أمرُ الحكمِ
لا مصدرَ للحكمِ سواهْ
- ☆• •☆• •☆•
موطني
موطن العزِّ الذي باركهُ اللهُ
فأضحى بيدينا يتشظَّى
ليت شعري كم من الوقتِ سيمضي
كم عهودٍ سوف نطوي
قبل أن ننهضَ من تحتِ الرمادْ
قبل أن يبسمَ طفلٌ
قبل أن تفرحَ أمٌّ
قبل أن ينزاحَ غِلٌّ
قبل أن يلتمَّ شملٌ
قبل أن نعرفَ أمناً وسلاما
قبل أن نتساوى نتآخى نتصافى
قبل أن نُشفى من المسِّ ونصحو
قبل أن نتعافى.
وسوم: العدد 938