كتب أحد الفضلاء : ( وحدّثتْ صفيةُ رضي الله عنها فقالت : كنت أَحَبَّ ولدِ أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولدٍ لهما إلا أخذاني دونه . قالت : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حُيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين ، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس ، فأتيا كالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا . قالت : فهششتُ إليهما كما كنتُ أصنع ، فوالله ما التفتَ إليَّ واحدٌ منهما مع ما بهما من الغمّ . قالت : وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حُيي بن أخطب : أهـو هـو ؟ قال : نعم والله ! قال : أتعرفه وتثبته ؟ قال : نعم . قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ! رواه ابن إسحاق في السيرة فيما ذكره ابن هشام ) .
هوامش :
- البوغـاء : التراب المتطاير
- عـوراء : قبيحة
- الشنعاء : القبيحة
- رَوَاء : الماء العذب .
يأبى لنا إسلامُنا الأهـواءَ = ويردُّ أهلَ فصولِها سفهاءَ
ويعيدُ بالقيمِ الوضاءِ لوجهنا = نهجًـا يزيلُ بآيــه الظلماءَ
فالدينُ دينُ اللهِ : إنسانيَّةٌ = أحكامُـه لاتقبلُ الإغــواءَ
جاءتْ نبوَّتُه بشخصِ مُحَمَّدٍ = فَحَبَـا الأنامَ مودةً و إخــاءَ
لولا القلوبُ السودُ في أعدائِه = لرأيتَ مَن عاشوا بهـا سعداءَ
فأتوهُ بالحقدِ الدفينِ وأمعنوا = بعداوةٍ كانت أذىً و وباءَ
كم من صليبيٍّ عـدا متوشحًـا = بالغيِّ يوري الغارةَ الشعواءَ
فسلِ ( ابنَ أخطب ) عن عداوته لمَن = ملآ الوجودَ سعادةً و هنـاءَ
هشَّتْ إليه ( صَفيَّةٌ ) لكنَّه = بالغـمِّ كانت عينُه عمياءَ
وســلِ المجوسيَّ الذي طعنَ الذي = قادَ الفتوحَ وطهَّـرَ الغبراءَ
سـلْ كلَّ مَن كرهَ الشريعةَ أشرقتْ = أنوارُها في العالمين سناءَ
لاتحسبنَّ عداوةَ الأشرارِ في = هذا الزمانِ جديدةً تتراءى
مضتِ العصورُ وشأنُها ينعى لهم = سوءَ المصيرِ لأهلها إيذاءَ
وهـو الشقاءُ لباسُ مَن كفروا ومَن = آذوا الهُداةَ وأعدموا العلماءَ
مَنْ مــرَّ بالتاريخِ تسمعْ أُذْنُهُ = عمَّــا جرى ــ ياويلهم ــ أصـداءَ
وإذا بحثتَ فلن ترى منهم سِوى = مَن لــجَّ في طغيانِه عَــدَّاءَ
لـم يخشَ عاقبةَ الجحودِ إذا غــدًا = آنَ الأوانُ ولـم يجـدْ شفعاءَ
أَوَلَسْتَ تعجبُ من شقيٍّ غــرَّه = زيفٌ يزاولُه ضحىً و مساءَ
وإذا أتته من الدعاةِ نصيحةٌ = فتـراهُ صـعَّرَ خــدَّه إزراءَ
يا أيها الإنسانُ ويحك فاحذرَنْ = يومَ التنادي إذْ فقدْتَ وِقــاءَ
ستموتُ لكنْ بعدَ موتك وقفةٌ = فيهـا ترى بشمالك الإحصاءَ
من كلَّ ماقدَّمتَ في دنياك من = لهوٍ وقد أمضيتَه خيلاءَ
لن تنفعَ الحسراتُ يومئذٍ ولن = تلقى المجيرَ هناك والخلطاءَ
هيهاتَ : يومُ الحشرِ أخرسَ مَن لغـا = والصَّاحبَ الزنديقَ والزعماءَ
أيغالبون اللهَ ! تلك حماقةٌ = ولبئس نفسٌ أمعنتْ حمقاءَ
قد قالها الطاغوتُ فامتشقَ الهدى = سيفا يردُّ بحدِّهِ التُّعساءَ
مَن ذا يغالبُ ربَّنا في ملكه = ومن الذي لهدى الحنيفِ أســاءَ ؟
أَوَلَمْ يَــرَ المغرورُ سوءَ مصيرِ مَن = عادى شريعةَ ربِّنا الغرَّاءَ !!
أَوَلَمْ يُمَحِّصْ في القرونِ مآلَهم = إذْ بات ذكرُ مآلِهـم أنباءَ !!
أين الزعامات التي كفرتْ بما = جاءَ النبيُّ ، وقد هـوتْ أشلاءَ !!
أين التكبرُ والتَّجبرُ أين مــا = ساموا به الفضلاءَ والصلحاءَ !!
أين البهارجُ : زورُها وفسادُها = ملأتْ بزيفِ ضجيجِهـا الأرجـاءَ !!
فاخسأْ حُيَيُّ ابنُ الصهاينةِ انجلى = وجـهُ النهـارِ فبدَّدَ الظلماءَ
باءتْ وربِّ العرشِ كرتُكم فلم = يُجـْدِ النعيبُ وشأنُكم قــد بــاءَ
جاءَ الأوانُ فليس تنفعُكم قُوَىً = ألقتْ على أهل البلادِ بلاءَ
ولأنتمُ أصلُ البلاءِ وأنتُمُ = في العالمين جلبتُمُ الشحناءَ
وملأتُمُ الأقطارَ من مكرٍ ومن = كيدٍ يفورُ برحبِهـا إيذاءَ
دور الهوى واللهوِ فيها خبثُكم = والمنكراتُ تنوَّعتْ إغــراءَ
ولقد ملكتُمْ من قياداتٍ ومن = أهلِ الفجورِ استوردوا الفحشاءَ
وزرعتُمُ الفتنَ البغيضةَ فازدهى = زمنُ الضياعِ وقدَّمَ الجهلاءَ
وصنعتُمُ الفِكْرَ الوضيعَ نكايةً = بالمسلمين اليوم واستهزاءَ
فحداثةٌ وتمرُّدٌ وميوعةٌ = آتتْ هوىً ذا خسةٍ وهُــراءَ
ولكم من الإعـلامِ صوتٌ لم يزل = قذرًا يشيعُ الفحشَ والأسواءَ
ولكم مبادئُ لم تزل هدَّامَةً = أصحابُها عاشوا لهـا الغلواءَ
ترجون حكمَ العالَم استعرتْ به = نارُ الحروبِ تهيِّجُ اللأواءَ
تاريخُكم مازالَ يشهدُ أنكم = أهلُ الضلالِ توارثوا الخيلاءَ
أَوَيُسعفُ الأجيالَ حقدُ عصابةٍ = ملعونةٍ حملتْ لها البغضاءَ
أتتْ النُّبوةُ بالشريعةِ فانثنى = ماكان من عجزٍ تغلغلَ داءَ
واستيقظتْ لِنِدَا الرسالةِ أمّـةٌ = كانتْ مآثرُها لهـا أصداءَ
فعدوُّها في الأرضِ ليس بنائمٍ = لكنه وجدَ النهوضَ قضاءَ
لابدَّ من جَمْعِ الكتائبِ للقـا = يحيي مكانتَها فطابُ لقـاءَ
هي أمـةٌ لمَّـا تزلْ يُرجَى لهــا = ألا تكونَ لغيرها عملاءَ
صدٌّ عن الإسلامِ أغوى نخبةً = ضلَّتْ طريقَ نجاتِهـا عمياءَ
هلكتْ وباءتْ بالتبارِ وأوجعَتْ = أتباعَهـا لم يشهدوا علياءَ
وسِوى الشريعةِ لـم يفدْهم مذهبٌ = قـد أنشأتْهُ رعونةٌ إنشاءَ
فالقومُ من سوءِ المذاهبِ أُقعِدوا = لمَّـا يكونوا في الورى حنفاءَ
راموا النهوضَ بغيرِ دينِ مُحَمَّدٍ = فتبعثرتْ أفكارُهـم أشلاءَ
لاعــزَّ إلا بالمصاحفِ : نهجُها = فتحٌ مبينٌ يبهجُ الأرجاءَ
والسُّنَّةُ الغرَّاءُ فيهـا سؤددٌ = فَخُـذِ العلى والسُّنَّةَ الغرَّاءَ
خابتْ مساعي المفسدين وأجفلتْ = هـممٌ لهم لـم تدرك الجوزاءَ
وغدوا أمامَ المعتدين كما ترى = في العالَمين أذلةً جبناءَ
لكنْ لرجعتِهم لِهَدْيِ نَبِيِّهِم = شأنٌ يزيلُ الضَّعفَ والإعياءَ
ويعيدُهم للعالمين أعــزَّةً = لايرتضون الظلمَ والأسواءَ
فبهـم زهــا وجــهُ البـريَّةِ باسمًـا = وأزالَ عن أبنائِهـا البغضاءَ
هـم خيرةُ الرحمن للدنيا وما = لِسِواهُـمُ وهبَ الإلــهُ ثنــاءَ
فَلْيَسْتَعيدوا إرثَهم ومكانَهم = وَلْيرفعوا بيــدِ الإخاءِ لــواءَ
لايرتضون الضَّيمَ للناسِ اكتووا = في عالـمٍ يسقيهم البلواءَ
ستهبُّ أمتُنا فقد طالَ الأسى = ورمـى العدوُّ رجالَنا النُّجباءَ
ستهبُّ تهزأُ بالخطوبِ وباللظى = يشوي الصدورَ ويحرقُ الأحشاءَ
نالتْ من الويلاتِ مـا لـم يَخْطُرَنْ = في بالِ إبليس اللعينِ دهـاءَ
واستعصمتْ باللهِ لم تخشَ الرَّدَى = أو يرضَ منها مَنْ يعودُ وراءَ
فالفتحُ آتٍ لامحـالةَ إنَّـه = وعــدُ القديرِ وقد دنـا إدناءَ
والنصرُ من عندِ الإلـه وليس من = زورِ الأثيمِ مراوِغًـا خيلاءَ
مَنْ عاشَ للإسلامِ يُدركْ نعمةً = أضحتْ لِمَـنْ صبروا لديه جــزاءَ
فالبغيُ مـا أبقى لأيِّ مُضَلِّلٍ = وجهًـا بـه يلقى السفيهُ رضــاءَ
أخـزاهُ بارئُنا لطولِ سفاهةٍ = أحيـا بها الغلواءَ والشَّحناءَ
هـاهـم على ظهرِ البسيطةِ أمرعتْ = أهواؤُهـم شرًّا طغى و شقاءَ
وقد استباحوا مالهـا من حرمةٍ = واستجلبوا الإيـذاءَ والضَّرَّاءَ
إذْ أضرموهـا فتنةً نيرانُهـا = لَمَّــا تجــدْ لِلَهيبِها إطفــاءَ
الكفرُ في هذي الحياةِ عدوُّ مَنْ = جعلَ الفؤادَ لـذا الحنيفِ فداءَ
ماهابَ سطوةَ ظالمٍ أو محنةٍ = حلَّتْ أمامَ يقينِه خرساءَ
فالأمرُ يبقى في يـدِ الباري وكم = أخزى الطغاةَ وأكرمَ الفضلاءَ
صبرًا فإحدى الحُسْنَيين لِمَن إذا = جاءتْ فصولُ شرورِهم عجفاءَ
لم تُثْنِه الدنيا ببهرجِ عيشِها = إذْ ردَّ نورُ فؤادِه الإغــراءَ
قل للسَّفيه وللمعاندِ والذي = لـم يشهدِ الإيمانَ لمَّــا ضــاءَ
بل دسَّ في جيفِ التفاهةِ أنفَه = واستمرأَ العجفاءَ والجرباءَ
قلها لــه : مهلا ستندمُ عندما = تجــدُ اللذائذَ ذقتَها جوفاءَ
تجني غدًا يابنَ السَّفاهةِ ــ غرَّرتْ = دنياك ــ تملأُ وجهَك البوغاءَ(1)
الجهلُ داءٌ والعمايةُ كبوةٌ = أَوَيُرْتَجِى منها المسيءُ إياءَ
فعمى البصيرةِ في ضلالٍ محدقٍ = أجرى على شفتيه منه هُـراءَ
وهو العدوُّ وقد أُتيحَ لبغيِه = قومٌ نسوا تاريخَهم وضَّـاءَ
فاشتدَّ وَقْدُ الحقدِ في أحنائهم = فاستخدموا لظىً لنـا وعناءَ
لكنَّ وعدَ اللهِ أمضى إنَّـه = بقضائه نتنفسُ الصُّعداءَ
كم ظالمٍ أرداهُ ربّ العرشِ في = دنيا غرورٍ لـم تزل عوراءَ(2)
أمضى الحياةَ يرى هواهـا متعةً = فغوى وأدنى الفِعلةَ الشنعاءَ(3)
وأتى فِعالَ السوءِ بعدُ قميئةً = مستهترا ورمى الحنيفَ عداءَ
وهي الليالي لـم تزل تروي لنا = بالسوءِ عاقبةَ الأثيمِ أســاءَ
وتطمئن الأبرارَ لـم يخشوا بهـا = ظلما أناخَ بعهده أو داءَ
فَلْتَصْدَعِ المهجُ التي قد مسَّها = جمرُ العدوِّ صباحَها ومساءَ
وَلْيُصْغِ شعبٌ قد تذوَّقَ بأسَهم = قتلا وحرقا إن حَدَتْ إصغاءَ
أَوَلَـم يروا صبرَ الأباةِ على الأذى = وجهادَهـم صفعَ العدوَّ فَفَــاءَ
متقهقرا متعثرا بغروره = ورأى الهزيمةَ للعتاةِ جزاءَ
سيعودُ للأيام بالإسلامِ مَن = وهبَ الصحارى مِن نَدَاهُ رَوَاءَ (4)
ويعودُ وجـهُ الأرضِ أخضرَ باسمًـا = وبـه نباهي الجنَّـةَ الفيحاءَ
يكفي بني الدنيا بأنَّ نعيمَهم = بيدِ الكريمِ يُفيضُه إنْ شــاءَ
أَوَتُعْمَرُ الدنيا بغيرِ شريعةٍ = للهِ جاءت رحمــةً و هنــاءَ
لو لم يكن هذا الضَّلالُ أصابها = لكفى الهدى أهلَ الزمانِ عنــاءَ
ولردَّ عنهم ما يعكِّرُ عيشَهم = ولما رأوا ــ في المحنةِ ــ الغبراءَ
قالوا : الحضارةُ والتقدُّمُ . قلتُ قد = جلبتْ حضارةُ كفرِهـم أرزاءَ
ظلمٌ وبغيٌ واحترابٌ فانْظُرَنْ = مـا خلفتْهُ حضارةٌ جـوفاءُ
أين الأماسي المقمراتُ وأين مَن = مدُّوا لدنياكـم يــدًا بيضاءَ ؟!
أين الذين لواؤُهـم إنْ رفَّ في = أفقٍ رأيتَ الصِّيدَ والأكفــاءَ ؟!
أهلَ المروءةِ والشهامةِ والنَّدى = أوفوا العهودَ وأكرموا الأحياءَ
لـم يشهد التاريخُ مثلَ وجوههم = تلفي بعذبِ نضيرِهـا النعماءَ
هي شرعةُ الإسلامِ جاءت للورى = خيرًا بفيضُ ورحمةً وشفاءَ
وبغيرِها تلقى البريةُ شــرَّ مَن = كفروا وجاروا في القرى سفهـاءَ
هيهات يلقى الناسُ أمنًـأ إنْ نَأَوْا = عمَّنْ أتى للعالمين ضياءَ
فَمُحَمَّــدٌ فخرُ البريةِ كلِّها = والشانئون تمرَّغُوا جبناءَ
ما أسعفتْهم صحوةٌ من غيِّهم = وتفرقوا بئس الحِجى آراءَ
حملوا المآثمَ كلَّها بيدِ العمى = وغدا يرونَ مصيرَهم تعساءَ
فاسجدْ لربِّ العرشِ لاتخشَ الذي = تاهَ الطريقَ مذمَّمًـا إغضاءَ