سيِّدي يا رسول الله

هأنذا أقف بين يدي ذكراك المجيدة, والبيان ضعيف الجناح, لا يستطيع التحليق عاليا ليبلغ علاك !! فكيف للهباءة أن تصف الشمس؟! وكيف للسفح أن يرنو إلى القمة الشماء؟! وكيف للقطرة أن تتحدث عن المحيط العظيم؟! بل كيف للإنسان الملطخ برذائل الدنيا أن يقف بين يدي ذكرى سيد الأنبياء والمرسلين ؟

ولكنك, يا سيدي, يا رسول الله, حريص علينا بالمؤمنين رؤوف رحيم, وإنك لعلى خلق عظيم !
وها نحن مثلنا بين يدي ذكراك الكريمة تائبين إلى الله, مستغفرين, نرجو شفاعتك يوم الدين, فننال بها - إن شاء الله - دارالمتقين !!
وصلى الله عليك وسلم , يا من بعثت رحمة للعالمين !!

*** في ذكرى المولد النّبوي العَطِرَة ***

لِمَنِ الضِّيَاءُ أَطَلَ مِنْ عَلْيَاءِ ؟ لِمَنِ البَهَاءُ بِلَيْلَةٍ غَرَّاءِ ؟!
لِمَنِ البَشَاشَةُ فَاضَ نَبْعُ بَهَائِهَا وَافْتَرَّ ثَغْرُ الكَوْنِ عَنْ لَألاءِ ؟!
لِمَنِ البَشَائِرُ فِي الوُجُودِ تَرَاقَصَتْ مَا بَيْنَ ذِيْ الغَبْرَاءِ وَالخَضْرَاءِ ؟!
لَمَنِ البَشَائرُ أَرَّجَتْ كُلَّ الدُّنَا فَتَضَاءَلَ المِعْطَارُ فِيْ اسْتِحْيَاءِ ؟!
وُلِدَ الحَبِيْبُ مُحَمَّدٌ بِبَهَائِهِ مِيْلادَ فَجْرٍ بَعْدَ طُوْلِ عناءِ
وُلِدَ الَّذَيْ غَرَسَ الحَيَاةَ فَضَائِلاً وَاخْتَطَ دَرْبَ رَشَادِهَا بِحِرَاءِ
وُلِدَ الّذِي لَوْلَاهُ مَا خَفَقَتْ لَنَا هَٰذِيْ القُلُوبَ بِخِشْيَةٍ وَرَجَاءِ
هَيّا اشكُرُوا الرَحْمَٰن فَهْوَ يَعُمُنَا بِالنِّعْمَةِ المُهْدَاةِ وَالأنْدَاءِ
هَيّا اشكُرُوا رَبَّ الوُجُوْدِ فَإنهُ رَحِمَ الوُجُوْدَ بِسَيِّدِ الرُّحَمَاءِ
صَلّىْ عَلَيْكَ اللهُ يَاْ عَلَمَ الهُدَى مَا أشرَقَتْ شَمْسٌ مِنَ العَليَاءِ
صَلّىْ عَلَيْكَ اللهُ يَا خَيْرَ الوَرَىْ مَا أَوْلَجَ الأنْوَارَ فِي الظَّلمَاءِ
صَلّى وَسَلَّمَ مَا أَقَامَ بِكَوْنِهِ سُنُنَاً تَقُومُ بِقُدْرَةِ البَنَّاءِ
قَدْ شَاءَ رَبُكَ أَنْ تَكُوْنَ رَسُوْلَهُ لِلَعَالَمِيْنَ وَرَحْمَةَ الأَحْيَاءِ
قَدْ شَاءَ رَبُكَ أَنْ تَكُوْنَ مُبَشّرَاً لِلمُؤْمِنِيْنَ وَمُنْذِرَ السُّفَهَاءِ
فَرَعَاكَ فِي الأزَلِ المغَيَّبِ ذَرَّةً حَتّى وُلِدتَ فَكُنْتَ خَيْرَ عَطَاءِ
وَحَبَاكَ مِنْ خُلُقِ السَّمَاءِ رَفِيعَهَا حَتَّى عُرِفْتَ بَأَشْرَفِ الأسْمَاءِ
وَشَبَبْتَ فِيْ البَلَدِ الحَرَامِ مُطَهَّرَاً مِنْ كُلِ رِجْسٍ عَمَّ فِيْ الأرْجَاءِ
وَدَعَاكَ قَوْمُكَ بالأمِيْنِ وَإِنَّهُمْ بَهَرَتْهُمُ الأخْلَاقُ بَهْرَ ذُكَاءِ
لَٰكِنَّهُمْ يَا وَيْحَهُم عَبَدُوا الهَوَى حَتَّى عَمُوْا عَن أوضَحِ الأشيَاءِ
فَلقَد أَتَيتَهُم بِشَرعِ إلٰهِهِم فَتَنَكّرُوا لِلشِّرْعَةِ السَّمْحَاءِ
أَسمَعْتَهُم آيَاتِ رَبِّكَ فَانْتَضَوا سَيْفَ الجَهَالَةِ يَا لَسوءِ جَزَاءِ
عَرَفُوْكَ كَالشَّمْسِ المُنِيْرَةِ فَوقَهُم لَٰكِنَّهُم صَدُّوا عَنِ الأضْوَاءِ
وَصَبَرْتَ يَا خَيْرَ الأنَامِ عَلَى الأذَى حَتَّى هُدُوا لِلسِّمْحَةِ البَيْضَاءِ
لَوْ كُنْتَ فَظَّاً جَافِيَاً لَتَفَرَّقُوا عَمَّا دَعَوْتَ إليْهِ مِنْ نَعْمَاءِ
لَٰٰكِنَّكَ المُخْتَارُ مِنْ بَيْنِ الوَرَىْ لِتَكُوْنَ فِيْهِم أرحَمَ الرُّحَمَاءِ
فَلَقَدْ بَذَذْتَ العَالمِيْنَ مُرُوْءَةً وَحَبَاكَ رَبُكَ صَفْوَةَ الفُضَلَاءِ
قَدْ جَاءَ فِي التَنْزِيْلِ ذُكرُكَ عَالِيَاً فَلَأنْتَ مَفْطُورٌ عَلَى العَليَاءِ
عَلَّمْتَ صَحْبَكَ أنْ تَكُوْنَ حَيَاتُهُم للهِ خَالِصَةً بِلا أَقْذَاءِ
وَوَضَعْتَ فِي أيْمَانِهِم عَلَمَ الهُدَىْ كَيْمَا يُرَفْرفُ فِي سَمَا الأحْيَاءِ
فَتَرَكْتَ فِيْهِم هَادِيَيْنِ عَلَى المَدَى ذَاكَ الكِتَابُ وَسُنَّةُ المِعْطَاءِ
حَمَلُوا الأمَانَة مُخْلِصِيْنَ لِرَبِّهِمْ وَتَجَرَّدُوْا لِلدَّعوَةِ الغَرَّاءِ
بِالحِكْمَةِ المُثلَى وَحُسنِ فِعَالِهِم وَبِحَدِّ سَيفِ الحَقِّ فِي الهَيْجَاءِ
دَانَتْ لَهُمْ دُوَلٌ تَتِيْهُ بِبَأسِهَا وَهَوَتْ عُرُوْشُ الكُفْرِ وَالظَّلمَاءِ
وَبِدَوْحَةِ الدِّيْنِ الحَنيْفِ تَفَيَّأَتْ تِلكَ الشُعُوْبُ بِنِعْمَةٍ وَصَفَاءِ
وَيَدُورُ دُولَابُ الزَّمَانِ فِمَا نَرَى لِلعِزَّةِ القَعْسَاءِ أَيَّ لِوَاءِ
أَيْنَ الذِيْنَ بِهِمْةٍ بَلَغُوا بِنَا كَبِدَ السَّمَاءِ وَقُبَّةَ الجَوْزَاءِ ؟!
أَينَ الأُلِى اعتَصَمُوا بِحَبْلِ إِلٰهِهِمْ حَتّى غَدَوا كَالطَّوْدِ فِي النَّكبَاءِ ؟!


أَينَ الأُلِى طَارُوا نُسُورَاً فِي العُلا بجَنَاحِ إيمَانٍ وصِدْقِ فِدَاءِ ؟!
أَينَ الذِينَ فُتُوحُهُم شَهِدَتْ لَهُم بالرَّحْمَةِ المُسْدَاةِ للضُّعَفَاءِ ؟!
أَينَ الخَلِيْفَةُ حِينَ جَاءَ مُكَبِّرَاً مِنْ رَوْضَةِ الهَادِي إِلى "إِيْليَاءِ" ؟!
لِتَكُوْنَ قُدْسُ المُسْلِمِيْنَ عَلَى المَدَى وَتُذَكّرَ الحُنَفَاءَ بالإسْرَاءِ
بَلْ أَينَ أَنْتَ أَ يَا صَلاحُ لِكَيْ تَرَى مَا حَلَّ بِالأقصَى مِنَ الأرْزَاءِ ؟!
قَدْ غَابَ عَنْهُ الصَّادِقُونَ فَمَا تَرَى إلا نِفَاقَ الطُّغْمَةِ الحَمْقَاءِ
وَتَرَى شُعُوبَاً ذُلَّلَتْ أَعْنَاقُهُا بِالبَطْشِ وَالتَّقْتِيْلِ والِإفْنَاءِ
قَدْ غَابَ جُنْدُ اللهِ عَن سَاحِ الفِدَا وَأَتَى عَبِيْدُ المَالِ وَالأَهْوَاءِ
قَدْ غَابَ أَحْرَارٌ مَضَوا بِشَهَامَةٍ وَأتَى العَبِيْدُ بِذِلّةٍ وَغَبَاءِ
فَأُوْلَٰئِكَ الأطْهَارُ فَاحَ أَرِيْجُهُم وَاليَوْمَ يَخْلُفُهُم كَرِيْهُ بَذَاءِ
مَاذَا أَقُوْلُ أَيَا طَبِيْبَ قُلُوْبِنَاْ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا بِنَا مِنْ دَاءِ ؟!
مَاذَا أَقُولُ وَقَد تَرَكْنَا شِرْعَةً هِيَ شِرْعَةُ الرَّحْمَانِ لِلأحيَاءِ
فِيْهَا لِمَا فِي الصَّدْرِ طِبٌ نَاجِعٌ لَا طِبَّ يَشْفِي غَيْرُ وَحْي سَمَاءِ
هَا قَدْ أَضَعْنَا قُدْسَنَا وَبِلَادَنَا مِنْ بَعْدِ هَجْرِ شَرِيْعَةٍ سَمْحَاءِ
هَا قَدْ تَحَوَّلْنَا غُثَاءً طَافِيَاً فَوْقَ السُّيُوْلِ بِغَيْرِ مَا أَسْمَاءِ
لَمْ يَبْقَ مِنْ شِيَمِ الكِرَامِ سَجِيَّةً فِي مُدَّعِيْ الإسْلَامِ وَالعَرْبَاءِ
إِنَّا لَبِسْنَا عَارَنَا بِجَدَارَةٍ حَتّى غَدَوْنَا سُبَّةَ الأَحْيَاءِ
مَالِي أَطَلتُ القَوْلَ فِيْ وَصْفِ الدُّجَىْ وَيَلُوحُ نَجْمٌ فِي حَشَى الظَّلْمَاءِ؟!
مَا النَّجْمُ إِلّا فِتْيَةً نَشَأُوا عَلَى حُبِّ الإِلَٰهِ وَدِيْنِهِ المِعْطَاءِ
عَمَرُوا المَسَاجِدَ مُخلِصِينَ لِرَبهِم وَتَنَزَّلُوا كَتَنَزّلِ الأنْدَاءِ
فَلَقَد أَضَاؤوا لَيْلَنَا بِشُعَاعِهِم حَتّى ارْتَقَبْنَا دَوْلَةَ الأَضْوَاءِ
مَا ضَلَّ سَعْيُ المُسْلِمِيْنَ إذَا اهتَدَوا بِشُعَاعِ شَمْسِ المُصْطَفَى الوَضّاءِ
إِنّي أتَيْتُكَ يَا حَبِيْبَ قُلُوْبِنَا بِنُجُوْمِ شُبّانٍ وَضَوءِ رَجَاءِ
إِنّا أَتَيْنَا مُطْرِقِيْنَ رُؤُوسَنَا مِمَّا عَلِيْه القَوْمُ مِنْ غَلْوَاءِ
وَإِلَى رِيَاضِكَ جَاءَ يَسْعَى جَمْعُنَا وَإِلَى رِيَاضِكَ رِحْلَةَ السُّعَدَاءِ
أَنْتَ الرَّحِيْمُ بِنَا وَصَدْرُكَ وَاسِعٌ فَكُنْ الشَّفِيْعَ لِأُمّةِ الغُرَبَاءِ
غُفْرَانَكَ اللّهُمَ فَارْحَم جَمْعَنَا وَكُنِ النَّصِيْرَ لَنَا عَلَى الأعْدَاءِ

وسوم: العدد 951