( نشيج الضلال ... لا للمخدرات )
(قصة وقعت لأحد أبناء حارتنا منذ خمسين سنة تقريبا ، عاش معنا فتى صالحا ، وغُرر به فانتحى جانبا ، ولحق بالمفسدين الفاسقين ، وآكلهم وشرب مايشربون من كؤوس الخمر ، وعاث بنفسه وألقى بها في مستنقع الرذيلة . وذات يوم عاد آخر الليل إلى بيته ، ودخل بيت الخلاء أكرمكم الله ليقضي حاجته والخمرة مازالت تلعب بعقله ، فوقع في بيت الخلاء ، وفارق الحياة ، وفي اليوم التالي تم دفنه ، ورجع الناس إلى دورهم . ويشهد الله أني رأيت رؤيا في اليوم الثالث أو الرابع من وفاته ... رأيت كأن القيامة قد قامت والنار تستعر بمنظر مهيب جدا جدا جدا من الأرض إلى ارتفاع لا أرى نهايته . وإذ بالملائكة يجرونه من بين الناس الواقفين نحو النار ، وكان يصيح ويستنجد ، وقد تكلم ببعض الكلمات التي تعبر عن أسفه على ترك : ( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) وانحاز إلى رفاق السوء ، وتلكم كانت النهاية ) .
ذهبتَ فذكرُك في الهالكينْ=وأمسيتَ في القبرِ ويك رهينْ
يقيِّدُ كفَّيْكَ حبلُ الضلال=وتومئ بالوجلِ المستبينْ
وتلك الليالي الحِسان انطوتْ=وما اتسقَ العُمرُ في المهتدينْ
نشأتَ على وارفات الهدى=بحيٍّ : بنوه من الصالحينْ
تغردُ كالبلبلِ المستهام=بحقلِ التُّقى والطريقِ الأمينْ
فجرَّتْك من روضِه لفتةٌ=إلى رفقةِ العبثِ المستهينْ
وساقك كفُّ الضياعِ المقيت=إلى سوءِ فعلٍ ، فبئسَ القرينْ
نبذتَ الهدى ، ودفنتَ الضياء=بملهى الأسافلِ و الجاحدينْ
ولانت لسعيك أيدي الغرور=وغرَّك فيه هوى المترفينْ
يمرُّ الجديدان في مقلتيك=ولم تهميا من ضياعٍ مشينْ
وما اتعظتْ نفسُكَ المُشتراة=بسوقِ اقتدائك بالغافلينْ
ألم تَرَ كيف يسوقُ الحِمام=حواليكَ خلقًا لوادي المنونْ ؟!
فكم جاءهم بغتةً واستباح= بأمرِ الإلهِ حمى المجرمينْ
يدُ الموتِ طالتْ ، وأهوالُها=على الناسِ مؤصدةٌ لو تبينْ !!
رويدك ياسادرا في الخمور=أما أنقضَ الظهرَ حملٌ مهينْ !!
تعيشُ على سَفَهِ الأشقياء=وتقتلُ روحَك في كلِّ حينْ
ولم تكُ نفسُكَ في حانهم=مبرَّأةً من فسادِ الظنونْ
فحمَّلْتَها عبءَ إثمٍ ثقيل=أنفسُكَ فيكَ عدوٌّ مبينْ !!
***= ***
عجبتُ لقلبٍ تعامى ضحى=عن النُّور يملأُ سِفرَ اليقينْ
وألقى بديجورِ ذاكَ العمى=جلالَ الهدايةِ عبرَ السنينْ
وما هابَ قارعةً من لدنْ=إلهِ السماواتِ مُفني القرونْ
يطيقُ النَّوى عن نعيم الإله=وليس يطيقُ امتهانَ الخدين !!
فأسلمَ عمرًا بأيدي الغواة=وأسرعَ يعدو مع الفاشلينْ
تشبَّثَ بالغيِّ بئسَ السبيل=ولجَّ برجسِ كما يعملونْ
أما إنه مرَّغَ العنفوان=وأطبقَ في البؤسِ عمرًا ثمينْ !!
وفي ملعبِ العارِ ولَّى الفخار=وروَّادُه الليلَ لايفترونْ
تهالك في مقعدٍ ممسكا=بأطرافِ قهقهةِ العابثينْ
وما ملك الرُّشدَ ، فاستمرأتْ=يداهُ المنى في السراب اللعينْ
ونالَ الهوانَ على زفرةٍ=بها التطمتْ روحُه في أتونْ
وماتَ وفي حلقِه غصَّةٌ=تتمتمُ : ويل ضلالِ السنينْ !!
وأسندَ في القبرِ رأسًا طمتْ=عليه أذى عثراتُ السنينْ
وغادره الأهلُ والأقربون=فذاكَ كئيبٌ ، وهذا حزينْ !!
وخِلاَّنُ ليلٍ ، وهل ينفعون ؟=وكيف وهم بعدُ لا يعقلونْ !!
تناسوْهُ حين أهالوا التراب=وباتَ الفقيدُ التعيسُ سجينْ !!
فمنْ تابَ منهم فنعمَ الرشاد=ييسِّرُه اللهُ للفالحينْ
ويصفحُ عنهم ، فربِّي كريم=وغفرانُه يشملُ التائبينْ
ومَنْ لجَّ في غيِّه فاسقا=يُذقْهُ الإلهُ العذابَ المهينْ
جهنَّم فيها عقابُ البغاة=ومأوى الأسافلِ والظالمينْ
وما كان جمعُ الهوى معجزا=وإن كان أكثرُهم مجرمينْ
إذا صفعَ الموتُ وجهَ العتاة=وكانوا على الأرضِ مستكبرينْ
فلن ينفعَ المالُ والصولجان=ولن يُنجيَ الجاهُ مَنْ يعمهونْ
جهنَّم دارُ الشقاء الطويل=لكلِّ الجُناة إذا يُسحبونْ
وفي قعرها زادُ أهلِ الخمور=ضريعٌ ومهلٌ ,ولا يُنظرونْ
سرادقُها حولهم جمرُ نارٍ=وأطباقُها وهجٌ لو يرونْ
وكان العذابُ لهم في الخلود=جزاءً وِفاقا لِما يصنعونْ
شميمُ المخدِّرِ أغوى الشباب=وبالدين والنُّصحِ يستهزئونْ
وطالتْ بهم شهواتُ النفوس=فلم يستبينوا الضياءَ المبينْ
وما مدَّةُ العُمرِ إلا قليل=فطوبى ومرحى لمَنْ يتقونْ
***= ***
ومَنْ لم يَذُقْ من رحيق اليقين=تولَّى شقيًّا مع الخاسرينْ
وما أكرم العمرَ بالصالحات=وما أعذبَ الليلَ للذاكرينْ
ولو علموا ما وراء الغيوب=لقُطِّعَ في الصدرِ حبلُ الوتينْ
ولكنَّه الزخرفُ المستطاب=و وسوسةُ الغيِّ في اللاهثينْ
طوى صُحُفَ البرِّ حتى استقى=شقيُّ الحياةِ كؤوسَ المجونْ
فعاشَ الحياةَ بغيرِ فؤاد=ولم يفقه العيشَ في العالمينْ
يسبحُ للهِ هذا الوجود=ويسجدُ لله في كلِّ حينْ
فياويلَ مَنْ مات قبلَ المتاب=وأدرك في موته المسنتينْ
فشمِّرْ أخا الفضلِ عن ساعدٍ=وشيِّدْ قصورَك في الخالدينْ
مغاني الخلودِ : التُّقى والوفاء=ويربحُ في سوقها المخلصونْ
ومَنْ رامَ قربا بأعلى الجنان=بظلِّ الإلهِ جوار الأمينْ
ألا فلْيقمْ مؤمنا صالحا=ألا ولْيثقْ بغدِ المتقينْ
ألا ولْيردِّدْ بجوفِ الدجى=مثانيَ عزَّ بها الأولونْ
ألا وليعشْ مُؤثرا للهدى=فنعمَ الزراعةُ والزارعينْ
وسوم: العدد 955