عندما يشتدُّ وجع الهوان وتعقم العقول تهرول كلمات الحيارى في صحارى اليأس لعلّها تأوي إلى يقظة قريبة ، ذالك هو مضمون هذه الصرخة اليائسة .
ثَارَ يأسي وحطَّمَ الآهُ أُنْسِي = وَتوالَى كَغارِبِ المَوْجِ بُؤْسِي
صِرتُ أنسى مَباهِجَ العَيْشِ غَمًّا = واضطراباً ، فَحِدَّةُ الغَمِّ تُنسِي
كنتُ أرجو وكنتُ أحلُمُ حِيناً = فأقامتْ حوادثُ الدَّهرِ يَأسِي
لستُ أدري أفُسْحَةُ الرَّوْحِ وَلَّتْ = أم أصابتْ غوائلُ الضُّرِّ حِسِّي
كيفَ أسلو وفي الفؤادِ نُدوبٌ = مِنْ رزايا تَؤمُّ يومي وأمسِي؟
أين ديني ؟ وأين وحدةُ قومي؟ = أين عزِّي؟ وأين عزَّةُ قدْسِي؟
قد توارتْ مَواقِفُ العِزِّ حَتَّى = قِيلَ صلُّوا على الدَّفينِ بِرَمْسِ
كيفَ أرجو وشعبُنا في سُباتٍ = يُهْدِرُ العيشَ خَلْفَ نَهْشٍ وَلَحْسِ ؟
بلْ يُبيدُ الودادَ في إثرِ حَظٍّ = هَيِّنِ الشَّأنِ باعْتراكٍ ورَفْسِ
أترى أعبرُ الحياةَ تَعِيسا ً = ضَامِئَ القلبِ نحوَ لحظةِ أنْسِ؟
أم ترى يَنبعُ الرَّجاءُ بقلبي ؟ = ينزلُ الغيثُ في الشِّغافِ ويُرسِي ؟
أترى يرجعُ الرَّشادُ لشعبي ؟ = يفهمُ الدَّرسَ بعد دَرْسٍ ودَرْسِ ؟
* * * = * * *
خابَ قومٌ تهافتوا دونَ وعيٍ = في صراعٍ يَجُرُّناَ نحوَ نَكْسِ
هَتَكُوا السِّتْرَ بالهوى واسْتقرُّوا = في مَهَاوي الرَّدَى تَعُجُّ بِتَعْسِ
ضَحِكَ الكونُ من فسادِ رُؤاناَ = وازْدرَاناَ تَرَفّعًا كلُّ جِنسِ
قد رَمينا ستائرَ النُّورِ عَنَّا = وانقسمنا ما بين رومٍ وفُرسِ
عادَ سوقُ العبيدِ يَرْهنُ شعبي = في بطونٍ وفي فروجٍ وكُرْسِي
كلُّ فَردٍ مُعلقٌ بِأَنَاهُ = يَطمسُ الحقَّ بالهوى أيَّ طَمْسِ
لا يُراعِي هُدَى المُهَيْمِنِ عَمْدًا = يُزْهِقُ الرُّوحَ أو يخونُ ويَحْسِي
صارَ عِبْئًا على العقيدةِ يُؤذي = أحرفَ النُّورِ في الهدى مثل نَجْسِ
فغدَتْ صيحةُ الدُّعاةِ كَشُؤم ٍ = " نائحاتٌ على العريسِ بِعُرْسِ "
فقدُوا الصِّدقَ فارتضوْا كلَّ دُونٍ = وشَرَوْا هاديَ القلوبِ بِبَخْسِ
راقب الأرضَ فالظَّلامُ شديد ٌ = أين ذكرٌ هَدَى العقولَ كَشمْسِ؟
قد تمادتْ سهامُ كفرٍ عنيدٍ = تتوالى فلا تُردُّ بِترْسِ
أين أهلُ العقيدةِ المصلحونا = من يَشُدُّونَ في الكتابِ بِضرْسِ ؟
كم ْحراكٍ يُبدِّلُ الظُّلمَ كُفرًا = يَخدعُ الأنفس الصِّغار بِلَبْسِ
أتلفَ الودَّ واجتبى نَهْجَ حقدٍ = أغرقَ النَّاسَ في هوانٍ ورِجْسِ
وكأنَّ الشَّبابَ من فَرْطِ طَيْشٍ = قد أُصيبوا بِعلَّةٍ أو بِمَسِّ
دفَنوا العزَّ بالصِّراعِ غباءً = هَدموا الأمنَ والسَّلامَ بِفَأسِ
يَمتطيهمْ بَنُو اليهودِ جِهارًا = ويُساقونَ للهلاكِ بِقِسِّ
* * * = * * *
إنّ نهجَ الصِّراعِ نهْجُ هَوانٍ = يَجعلُ السَّيِّدَ العزيزَ كَحِلْسِ
تلكَ في الدَّهرِ سُنَّة ٌقد وَعَاهاَ = في البرايا ذَوُو عقولٍ وحَدْسِ
ليسَ يُجْدِي هُدَى الإلهِ إذا ما = غُيِّبَ العقلُ عندَ جِنٍّ وإنْسِ