هي رحلة العمر قصيرة ، والمسافة ليست ببعيدة عن المستقر الأخير ، في دنيا الخلود الموعودة . وحين تشتد ظلمات جاهلية عمياء صمَّاء على الغرباء خلال المسافة المعلومة ، يصيب إبليسَ الكدرُ المرُّ الذي تغشَّاه يوم خلق آدم ولم يأتمر بأمر الله سبحانه ، يصيب إبليس الكدر المر لأنه يعلم علم اليقين أن تفاقم الشدائد إنما هو الإيذان بالفرج . وتلك سُنة الله في عباده الصالحين ، وذاك هو تقدير العزيز العليم .
ويعود إبليس وتلك حاله يوسوس في صدور الناس ، ويطرح عليهم الشبهات المغريات ، من خلال أسئلة تعجبية ... أين الأماسي المقمرات ، وأين دفء المودة بين الأحبة والخلان ، وأين الأيام الجميلات التي يضرب بها المثل لعابري تلك المسافة المعلومة ، وأين السعادة التي تُرتَشفُ أقداحُها في النزهات واللقاءات ... وما أكثر تلك الأسئلة التعجبية التي يلقيها شياطين الجن والإنس على صفحات القلوب البيض التي ردَّت كلَّ أسباب الشقاء الأبدي .
ولكن إبليس وأعوانه ينكصون على أعقابهم منبوذين مطرودين بعد كل الوساوس . فأمامهم أحفاد سيِّد الخلق مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ، هؤلاء الأصفياء الأوفياء ماغرَّتهم الحياة الدنيا ، ولا نالت منهم مكائد الأبالسة في أيِّ عصر ، وفي أيِّ مصر ، إنهم الفئة المنصورة بمشيئة الله العلي القدير . وما كان اليأس ليغلق في وجوههم أبواب رحمة الله ونصرته لهم ، بل إذا مااشتدت الرزايا ، وادلهمت الخطوب تبسم أولو اليقين والإيمان بالله أمام أحبابهم وأبنائهم وذراريهم قائلين لهم : لاتخافوا ، لا تحزنوا ، بل أبشروا ، فلقد دنت ساعة الفرج ، وآن رحيل ظلمة الجاهلية ، وتعسف السفهاء الذين غرَّتهم الأهواء المشينة ، واستحوذت عليهم اللذائذ المهينة ، وأن مشوار همجية الحضارة الفاجرة الظالمة هو في النهاية ، وهو على شفا جرف . وأن عنجهية سفاكي الدماء سيطويها رجز يأتيها من السماء . أيُّها الأبرار الأخيار ماكان الله لينساكم ، ولا ليسلط عليكم أشرار الخلق ، ولكنه الابتلاء الذي يمحو السيئات ويرفع الدرجات ، والمتوج بالفتح المبين ، أجل فلا تخافوا ، ولا تحزنوا ، بل أبشروا ...
الكربُ بالنفسِ الكئيبةِ محدقُ = والشَّرُّ من أهل المخازي يبرقُ
والظلمُ هاجَ ونارُه لم تنطفئْ = ولظاهُ للقيم الرفيعةِ يحرقُ
لم تبق عند المجرمين هوايةٌ = إلا التي بشقائنا تتشدَّقُ
غرَّتْهم الدنيا ففيها عربدوا = ولكلِّ فسقٍ أو فجورٍ صفَّقُوا
واستهتروا يابؤسَهم بشريعةٍ = هي للأنامِ وللمغاني رونقُ
وبها الخلاصُ من المآسي والهوى = ومن القيان أتى بهنَّ الأحمقُ
يا إخوتي ، يا أمَّة الإسلامِ في = دنيا ذئابٍ بالتَّوحُشِ أُغرقوا
وعلى بني الدِّين الحنيف استكبروا = وعلى الأفاضل والأماجد ضيَّقوا
هم أشعلوها باسمِ أقذرِ نهضةٍ = نارًا على دينٍ هُداهُ شيِّقُ
يابؤسَ علمانيةِ السفهاءِ لن = تلقى سوى مَن بالسخافةِ ينطقُ
وبكلِّ ما في الموبقاتِ من الأذى = فالخيرُ : بابُ الخير عنهم مغلقُ
راموا لدينِ اللهِ وَأْدَ سُمُوِّه = ولأهله في الأرضِ أن يتفرقوا
واللهُ باقٍ ، ثمَّ ذكرُ مُحَمَّدٍ = باقٍ ، وأما الظالمون فما بقُوا
ياعارَ علمانيةٍ سجدتْ لكلِّ . = . قبيحةٍ دارى أذاها البطرقُ
هي مَن تبنَّت للشعوبِ ضلالَها = وبها يدُ الإلحادِ باتت تطرقُ
وهي التي حُرِمت من الأخرى وهل = يجدي بدنياهم هَوًى يتأنقُ !
وهي التي تدعو إلى فعل البهائم . = . لاحياء بعيشهم يستسبقُ
هي مذهب الطاغوتِ والعبث الذي = يودي بِمَن حولَ الفجور تحلقوا
هي فكرة للشَّرِّ ماسونيَّةٌ = فيها وباءُ تحللٍ يُستَنشَقُ
هي عوسجُ البلوى فما فيها سوى = شوكٍ فلا هو يُرتَجَى أو يورقُ
فاصفعْ بني إبليس هاهم جنَّدوا = فُجَّارَهم لكنَّهم قد أملقوا
باءت تجارتُهم بسوءٍ في الورى = وأبتْ وقد راموا المسيرَ الأينُقُ
هم مادروا أنَّ الإلهَ أكبَّهم = في خزيِهم ، وإلى الهدى لم يرتقوا
بئس الطغاةُ ففي بصائرهم عمًى = ومن اليقينِ بربهم لم يُرزَقُوا
كفروا فلا منجى لهم يوم اللقا = إذْ أنكروهُ وفي القيامةِ قد شُقُوا
فَلْيَظْلموا ، وَلْيبطشوا ، وَلْيلعبوا = فالمغربُ الأقصى لهم والمشرقُ
إنَّ العُتُوَّ به التَّبارُ وحشدُهم = بظلامِ لحدِ المجرمين سيغرقُ
أنَّى توجَّهَ ركبُهم فمآلُه = شرٌّ لهم ، وبهم لظاهُ محدقُ
يا أُمَّةَ الإسلامِ لا . لاترهبي = إنَّ العدوَّ من الفنا لايُعتَقُ
وإلى الخلاصِ من المهالكِ إنهم = في الحياةِ وللهُدَى ما وُفِّقُوا
أعمتْهُمُ النَّزواتُ لابشرى لهم = فعيونُهم لغدِ المهالك ترمقُ
ولإخوةِ الإسلامِ من ربِّ الورى = هلَّتْ بشائرُ نصرِهم تتدفقُ
فالله يفني مَن يشاءُ لكفرِه = وأخو الهدايةِ للهداية يعشقُ
فالعصرُ عصرُ الظالمين فبغيُهم = في يمِّهِ الزخَّارِ شعبي يغرقُ
والحربُ قائمةٌ على دينِ الهدى = وعلى النَّبيِّ ومَن له قد صدَّقوا
لكنَّ هذا الدِّينَ رغمَ أُنوفهم = يبقى علاهُ وصرحُه لايُخرَقُ
والمؤمنون بربِّهم قد بايعوا = ولهم وإن طغتِ الأفاعي فيلقُ
عُبَّادُهم ، شهداؤُهم ، أفذاذُهم = رغمَ المكارهِ لا . لم يتملَّقُوا
صانوا وثيقَ يقينِهم بإلههم = هيهات أن يُلفَى هنالك مرهَقُ
أثنى عليهم ربُّهم بكتابِه = فلهم وقد وعد الإلهُ الرَّزدقُ
هو ذلك الجمعُ المؤيَّدُ من لَدُنْ = ربِّ الورى وبهم يطيبُ المنطقُ
هي فطرةُ الديَّانِ وافاها لِمَنْ = هو بالمثاني عُمْرُه متألقُ
وبِسُنَّةِ الهادي البشيرِ فخارُه = وبركنها رغم العدا هو أخلقُ
لايأسَ لا إحباطَ لايطغى الونى = ويعودُ من ماضي الجهادِ ( الخندقُ )
ويرفُ في الأجفانِ طيفُ نَبِيِّنَا = وتعودُ ( بدرٌ ) تزدهي بِمَن ارتقوا
ما ضرَّ دعوتَنا الكريمةَ حاقدٌ = أو خائنٌ أو عابثٌ أو أخرقُ
مضتِ القرونُ وشأنُها عالٍ فلم = يطمسْ مكانتَها شقيٌّ يمرقُ
أعداؤُها كُثرٌ ولكنْ حسبُهم = أنَّ التَّبارَ حليفُهم لو ينطقُ
ونوازلُ الأيامِ صدَّتْ بأسَها = رغمَ المكارهِ أُمَّةٌ لاتقلقُ
هي آمنتْ بالله إنَّ دماءَها = من أجلِ دينٍ ليس يُطوَى تُهرقُ
فإلى الشبابِ نداؤُها تحدو به = عزماتُهم فهُمُ الكُماةُ قد اتَّقوا
لاتحزنوا فاللهُ جلَّ جلالُه = وله قلوبُ شبابنا تتشوَّقُ :
هو منجدُ الدينِ الحنيفِ وجندِه = وهو العليمُ وغيرُه لايصدقُ
ومن الأعادي لاتخافوا إنَّهم = مع آلِ فرعون الأثيم تسوَّقُوا
ما استبصروا ياويلهم ممَّا لهم = بغدٍ وما يجدي البكا مَن ينعقُ
طوبى بني الإسلامِ رمتم خيرَهم = لكنَّهم بيدِ الزخارفِ أملقوا
وتنافسوا لكنْ على مافي الهوى = من جولةٍ يجني جناها الخِرنقُ
فاستعصموا باللهِ إنَّ لشأنكم = مجدًا على طول المدى لايُسبَقُ
والغُمَّةُ الهوجاءُ آنَ زوالُها = وبأختها عند الغداةِ ستلحقُ
فاستبشروا فاللهُ يرعى جمعَكم = والخرقُ في جمع العِدا لا يُرتَقُ
ولكم محامدُ مَن مضوا في سيرةٍ = لم يَجْفُ بهجتَها التَّقيُّ المفلقُ
بل بَشِّروا أهلَ البريةِ بالرضا = إن آمنوا بهُدى الحنيفِ وصدَّقوا