هل انْتظارُكِ فاقَ الصبرَ يا حُفرُ = للقادمين وهمْ للآنَ ما حَضروا
للنازلين منَ الدّنيا وقدْ شُغلوا = بالفانياتِ وفي ألوانها انبهروا
للراقدين على نَجْدٍ مذهّبة = والساكنين قصورا ليلها قمرُ
والمالكين بلا حقٍّ أزمّتها = والكانزين الغنى بخلًا وما شكروا
لا تفقدي الصبرَ ها هم قد أتوا عجلا = وفي التوابيت بالأكفان قد دُثروا
لا تفقدي الصبرَ قد جاءوا كما ولدوا = وفارقوا الأهل والدنيا وما احتكروا
لا تفقدي الصبر يأتون الردى زمرّا = مهما يطولُ بهم عمْرٌ ومقتدرُ
لا تفقدي الصبر قد جاءوك تحملهم = سواعدُ الأهل والأحباب والقدرُ
لا تفقدي الصبر قد جاءوا بلا مُؤنٍ = بلا أسامٍ، بلا عذرٍ ليعتذروا
لا تفقدي الصبر كل الأرض خالطها = دمٌ مراقٌ وأجسادٌ وما نحروا
عن ظلمةٍ كسماء الليل قد غفلوا = وحفرةٍ وسعها متر لمن حفروا
إن ذكّروا جفِلوا منْ ذكرها وهُمُ = منها استعاذوا وعنْ أرضٍ بها نفروا
كمْ يحفرون وكمْ خلٍّ بها دفنوا = وغلّقوها، وهالوها، وما اعتبروا
في دفن موتاهمُ يحكون في ولع = عنِ المشاريع والدنيا وما اتّجروا
يومًا لها حُمِلوا والموتُ أيقظهم = ما عمّروها ودنيا غيْرهم عَمروا
من الحريرِ إذا اختاروا لملبسهم = لخامةٍ من قماشٍ لو بها سُتِروا
الأهلُ ينعون إيّامًا إذا حزنوا = ومن قريب بما قد خُلّفوا شَجَروا
وأنزلوهمْ بها يا ليت ما نزلوا = في حفرةٍ قعرها الديدانُ والحجرُ
فيها صُنانٌ كريهُ من تفسّخهم = حتّى استحالوا رميمًا ما لهم أثرُ
لا ضوء إلّا سواد القبر محتكم = لا صوت إلّا دبيب الفأرِ ينتشر
جوانبُ اللحدِ أطوادٌ إذا عُصِروا = ووحشةُ القبر آهات إذا قُبروا
يرثى لحالهم في مصعدٍ عطلٍ = فكيف لو في دياجي القبرِ قد حصروا
تصحو نفوسُهمُ والقبرُ يسألها = أين السماء وأين الشمس والسحرُ
أين الذين إذا غابوا بما سُعدوا = تبكي القلوبُ دمًا بالشوق تعتصرُ
أين البناياتُ والدنيا وما وسعت = أين الضجيجُ وأين العزّ والبشرُ
كلٌّ توارى فلا شيءٌ يؤانسهم = إلّا فعال لوجه الله قد نذروا
يقضون فيها إلى ما شاء ربّهمُ = ترْبًا وتلفظهمْ عريًا إذا حُشروا
قالوا فيا ليتنا عدنا إلى أجلٍ = حين استفاقوا ومن أوزارهم سكروا
لو يرجعون إلى الدنيا لما بخلوا = وما استهانوا بدين الله أو غدروا
لكنّهم كذبوا حتّى ولو حُشروا= للنار فوجًا وفي الميزان قد خسروا
بعضُ القبور رياضٌ طاب منزلها = والبعضُ نارٌ وبالأجساد تستعرُ
فاخترْ لنفسك قبرًا في الحياة فما = ينجيك شيءٌ إذا ما الروحُ تحتضرُ