هوامش :
- اليعاليل : المياه النقية المتدفقة من الأباطح .
- العساقيل : جمع عسقل ، وهو السَّراب .
- الرعابيل : الثياب البالية الممزقة .
- البهاليل : السادة الكرام من الناس .
- شِمليل : النَّاقة السريعة
- المراسيل : النُّوق الشديدة السريعة .
- مجدول : محكَم .
- تزميل : إخفاء .
- عيهول : الناقة النجيبة السريعة .
الخيرُ بالصَّالحين اليومَ موصولُ = والجودُ فوقَ أكُفِّ البِـرِّ محمولُ
وأكرمُ النَّاسِ أهلُ السَّبقِ إنْ نُدِبُوا = إلى عطاءٍ له في البذلِ تفضيلُ
توافدوا فالوجوهُ البيضُ مشرقةٌ = أما النُّفوسُ ففاتَتْها التَّهاويلُ
أعزَّها اللهُ بالدِّينِ الذي يدُهُ = منها تدفَّقتِ البيضُ اليعاليلُ (1)
يسقي الظِّماءَ نَدَاها من أطايبِه = فلم تُلَوِّحْ بفحواها العساقيلُ (2)
أهلُ المآثرِ بشراكم بوقفتِكم= مع الثَّكالى وهذا الجودُ مأمولُ
بكم تبسَّمَ ضيقُ الحالِ وانكفأتْ= وبدَّلتْ نسجَها تلك الرعابيلُ ( 3 )
حيثُ التجارةُ في سوقِ الهدى ربحتْ= أضعافَ أضعافِ ما أعطى البهاليلُ (4)
فزتُم بجنَّةِ عدنٍ عندَ بارئِكم = وصاحبُ الجودِ بالفردوسِ مشغولُ
جميلُ نصرتكم للناسِ محمدةٌ= إذْ أسرعتْ بالجَنَى للسَّبقِ شِمليلُ (5)
به دخلتم كرامًا مُدخَلا حسنًا = ونلتُمُ الأمنَ إذْ خافَ الأراجيلُ
يامَن سعيتُم على دربٍ بأوَّلِه = رضوانُ ربٍّ أتانا منه تنزيلُ
ثوى بآخرٍه مَن جاءَ قبلَكُمُ = وزارعُ الخيرِ بالبستانِ مشمولُ
ذاكم أخوكم أبو الدحداحِ قد سربتْ = به إلى جنَّةِ المأوى المراسيلُ (6)
ولم تمتْ كلماتٌ من مآثره= له بنفحاتِهـا في الحشرِ تنويلُ
فالبيعُ قد جاءَ بالبشرى وزادَ له = حُسنُ الثَّوابِ ، ولم تبقَ العقابيلُ
فياكرامًا بهذا العصرِ وجهتُكم = كريمةٌ مالها في السَّعي تبديلُ
بها أقمتم لِمَنْ يرجو النَّجاةَ غدًا = منارَ سبقٍ وما منكم معازيلُ
جوزوا إلى اللهِ وعدٌ غيرُ ذي عِوَجٍ= وليس للوعدِ عندَ اللهِ تضليلُ
فُزتُم وربِّ السَّما والأرضِ في زمنٍ = عزَّ السَّخاءُ به ، واستُسهِلَ القيلُ
فالبذلُ عروتُه التقوى وصاحبُه = في ظلَِّه يوم لاينجو المثاكيلُ
وبشِّر المانحينَ المالَ مانقصتْ = أموالُهم ، فعطاءُ اللهِ موصولُ
دعا إليه فلم يبخلْ جهابذةٌ = خيرُ الورى وأتى بالوحيِ جبريلُ
وحثَّ للخيرِ قرآنٌ وما برحتْ = آياتُه فلها في الكونِ ترتيلُ
يبارك الله بالزرع الذي خرجت = منه الزكاةُ وآتتْهُ المحاصيلُ
وهبَّ يُعطي أخو التَّقوى لذي عوزٍ= ومَن براهُ الأسى فالقلبُ مغلولُ
هو العطاءُ الذي تبقى مثوبتُه = فشأنُه في وثيقِ الأجرِ مجدولُ (7)
وشأنُ هذا الفتى المعطاءِ أكرمه = ربُّ العبادِ ، فطبعٌ فيه تنويلُ
يُغذُّ شطرَ ديار المعوزين وكم = يغشى خطاه لأهلِ الكربِ تعجيلُ
له لدى الرَّازقِ الوهَّابِ مكرمةٌ= تُعطاهُ ليس لها في الحشرِ تأجيلُ
طوبى لِمَن آثرَ الجنَّاتِ مبتهجًا= ولم تُجفِّفْ مزاياهُ الأباطيلُ
ياصاحِ نفسُك بيتُ الخيرِ إن صَلَحَتْ = وطيبُها لجميع الناسِ مبذولُ
تجلو العقيدةُ مافي النَّفسِ من كرمٍ = والخيرُ بالكرمِ الذَّاتيِّ مشمولُ
فالخيرُ صاحَبَها إن صحَّ منشؤُها = على الفضائلٍ ما أقصاهُ تكسيلُ
لها من البِرِّ والإحسانِ تزكيةٌ = ومن معاني التُّقى فخرٌ وتفضيلُ
تقرِّبُ الدَّار إن طالتْ مسافتُها = فللتَّواصُلِ رغمَ البعدِ تسهيلُ
الَّلهُ ألهَمَهَا مافيه رفعتُها= فليس تُفسِدُ تقواهـا الخراديلُ
والنَّفسُ إنْ أكرمَ الرَّحمنُ طلعتَها= فلن ينالَ علاها بعدُ تقليلُ
سَمَتْ به وربَتْ وازدانَ موردُها= فلم تُبدِّدْ عطاياهُ الغرابيلُ
يومَ اطمأنَّتْ إلى رضوانِ بارِئِها=أغنى مساحبَها بالجودِ تنويلُ
لها من اللهِ في الدنيا سكينتُها= وفي المعادِ لها أمنٌ وتبجيلُ
ودعوةُ الجودِ في الإسلامِ مُلزِمةٌ = للصَّالحين ولم يلحقْهُمُ قيلُ
وإن عَرَتْ أمَّـةَ الإسلامِ نازلةٌ = فليس فيهم لدفعِ الضُّرِّ تسويلُ
وركنُهم ـ إنْ يدُ الفاقاتِ أطلقَها= هولُ النَّوازلِ ـ بالخيراتِ مأهولُ
يضمُّ باكيةً فارتْ مصيبتُها = بالنَّارِ والقلبُ مفجوعٌ ومتبولُ
وفيه طفلٌ غفا لم يدرِ مافعلتْ = ضراوةُ الحقدِ يابئس التَّفاصيلُ
فيها يدُ البنتِ في قيدِ الجُناةِ وكم= أنَّتْ مواجعُها والبالُ مشغولُ
والعقلُ مُفْتَقَدٌ ، والنَّفسُ خائرةٌ = والعينُ دامعةٌ ، والجسمُ مشلولُ
يامَن رأى كمصيباتٍ وَلَجْنَ ضُحى = في هدأةِ الدَّارِ يُزجيهنَّ مخبولُ
حيثُ استباحَ الذي يُحمَى بمهجتِنا = وتفتديه بدنياها الأراجيلُ
قد قالها الشيخُ والآلامُ تأكلُه = ممَّـا رآهُ وما في الأمرِ تهويلُ
عجاجةُ اللؤمِ غطَّتْ طيبَ ناصيةٍ= ولم تفدْهُ بجدواها المناديلُ
ياأيُّها الإخوةُ المُقوون ليس لها = أن تُسمعَ الأبكمَ الأعمى المعازيلُ
فلا تقولوا لأمواتٍ بعالَمِكم = عمَّـا رمتْهُ بأهلينا البراملُ
حتى الحمامات في وكناتها ارتعدتْ= ممَّـا دهاها ونالتْها الأحابيلُ
هي الذئابُ وهل للنَّابِ من وجعٍ= أدهى من السُّمِّ دافتْه الزهاليلُ
رَزِيَّةٌ لا كما يروي الرواة لها = ولا هي الشَّجوُ بثَّتْهُ المواويلُ
سُمٌّ زُعافٌ وموتٌ جامحٌ نَهِمٌ = أمَّـا الزُّعوفُ فساقتْها التَّنابيلُ
من كلِّ أرعن لايدري مداخلَها = ولا مخارجَها ، والزِّندُ مفتولُ
هُمُ الأسافلُ لادينٌ ولا حسبٌ = وليس فيها لهم عرضٌ ولا طولُ
وهَمُّهُم ــ كوحوشِ الغابِ ضارية = فتكٌ ونهشٌ وإيذاءٌ وتنكيلُ
تمجُّ وحشيَّةً فيهم مراضعُهم= فليس للوحشِ بالإيذاءِ تزميلُ (8)
وليس ترضى بسوءِ الفعلِ طاهرةٌ = فمن يديهـا له تلك الخلاليلُ
لكنَّه الغيُّ يغوى قلبَ صاحبِه= فيشتري بغيَه الأدنى التنابيلُ
والغيُّ قَوَّى يدَ الأشرارِ ألبسَها = ظُفرًا فليس لها في الفضلِ تأثيلُ
والأمَّةُ اليومَ ثكلى من فعائلِهم= وأهلُها اليومَ مأسورٌ ومقتولُ
وشاردٌ في رحابِ الأرضِ تصفعُه= كفُّ الرياحِ ومهزولٌ ومغلولُ
والحمدُ للهِ لاتخفى عنايتُه = بالأُمَّةِ امتُحِنَتْ فالكربُ مثلولُ
فليس يُسلمُها للشَّرِّ ، يهلكُها= وليس تقلقُها هذي الأباطيلُ
فبين أبنائِها أجنادُ دعوته = رغم الطغاةِ لهم في الأرضِ تهليلُ
هيهاتَ أن تَعبدَ الأوثانَ أمَّتُنا = مهما تنوَّعتِ الصُّمًّ التماثيلُ
منها اغتدى الشُّهداءُ الصِّيدُ وانقلبوا = شوقًا إلى اللهِ يحدو الصِّيدَ تعجيلُ
وفي مرابِعِها الخُضرِ الحِسانِ نَدَىً = للمحسنين له في السَّبقِ تفضيلُ
واسوا اليتامى ، فهم قلبٌ على قيمٍ = يحيا بها ، وبها في الخيرِ مجبولُ
قد شمَّروا ساعدَ النَّجداتِ عن كرمٍ= فليس عن نجدةِ المحتاجِ تبديلُ
فهم شذا مُزنِها تسقي سحائبُه = تلك النفوسَ فيغشى القومَ تنفيلُ
عفوًا أياكعبُ قلناها وأحرفُنا = من فيضِ بردتِك العصماءِ تنفيلُ
ولم نزل عندها مستأنسين ففي= نَفْحاتِها للفتى المشتاقِ تنويلُ
ومثلُنا ما نأوا عن رَبْعِ رفعتِكم = وغيرُنا بفسادِ القولِ مخذولُ
إليه نركبُ من ضُمرٍ نسابقُهم = وليس تنكصُ يومَ السَّبقِ عيهولُ (9)