طردوه من تابوته!
شاهدتُهُ مِن شاهِقاتِ قصائدي
يَبكي ويَضحكُ،
في صباحٍ باردِ
مَن أنتَ؟
يا شيخًا يُسَبِّحُ ماضِغًا تَعَبَ السِّنينِ،
كأُفعوانٍ حاقِدِ؟
بِمُرقَّعاتٍ بالدُّموعِ،
خُيوطُها مِن دامِياتِ مَواجِعي ومَواجِدي
شابتْ مَعانِيهِ،
وأُقْعِدَ لَفْظُهُ،
ثَكِلًا بِطارِفِ نَصِّهِ والتَّالِدِ
وكأنما طَرَدُوْهُ مِن تابوتِهِ
لم يَنْجُ حَتَّى مَوتهُ مِن طارِدِ!
* * *
مَن أَنتَ؟
يا مُدُنَ الجِياعِ،
بِعالَمٍ تَشْقَى بَيادِرُهُ بِكَفِّ الحاصِدِ؟
في عَينِكَ التَّاريخُ يَكتُبُ نَهرَهُ بِالجَمْرِ،
والتَّاريخُ أَوْثَقُ ناقِدِ!
* * *
مَن أَنتَ؟
يا وَطَنًا تَوَلَّدَ في دَمِي
مِن أَلْفِ مَوْتٍ كالهِلالِ الوالِدِ؟
ما ماتَ،
تَبكِيهِ القَوافي يُتِّمَتْ،
ما عاشَ بَدرًا،
كالشِّفاءِ العائِدِ
كسِجارةٍ تَعْلُو دُخانا لَحظةً
لتَحُطُّ ساجِرَها بِحَتْفٍ راصِدِ!
* * *
وخُيولُنا تَأْبَى الفَوارسَ كُلَّها
لمَّا رَأَتْها أُمَّةً في واحِدِ
إِعصارَ أسماءٍ تَقادمَ رَسْمُها
لا عاشتِ الأسماءُ رَسْمَ شَواهدِ!
وسَفينةُ الطُّوفانِ تَغسِلُ رايتي
بَينَ السَّحابِ مِنَ الزَّمانِ الخالِدِ
بَرِئتْ مِنَ الماضي المَجيدِ
وجاسَدَتْ في حاضِرِ الأَوباشِ ذُلَّ الماجِدِ
(جَعْماءَ)(1)،
يَقْلِبُها الصَّبِيُّ فتَنْثَني رَهْنَ انقِلابٍ،
في انحِدارٍ صاعِدِ!
* * *
شاهدتُهُ،
يا لَيتني أَعمَى،
ولم أَرَ ما رأيتُ بِعَينِهِ مِن شاهِدِ
وإذا أنا،
والعاصِفاتُ تَلُفُّني،
فأَلُوْذُ مِن ظَمَئي بِمائي النَّافِدِ
أَشْتامُ، عَن عُمُرٍ، مَخايِلَ بارِقٍ
هَطِلِ الشُّؤونِ بِعارِياتِ مَعاهِدي
وإذا التي كَمْ راسَلَتْني في الهوَى
تَختالُ كالرَّشَأِ النَّفُورِ العاقِدِ!
* * *
شافهتُها،
فارتَفَّ عُنَّابٌ عَلَى شَفَتي،
وأَجْفَلَ جِيْدُها عَن ساعِدي
قالتْ:
إِلَيكَ، فقَدْ سَلَوْتُ،
ورُبَّما وَأَدَ الفُؤادُ فُؤادَهُ بِعُطارِدِ
ماذا وراءَكَ غَيْرُ أَطيافٍ هَمَتْ؟
والأرضُ لا تَحْيا بِطَيْفٍ شارِدِ!
عِشْ لِلخَيالِ، وبِالخَيالِ،
فإِنَّني عانقتُ في جَسَدِي انبِعاثَ المارِدِ
عانقتُ أَيَّامِي الجديدةَ،
نِسْغُها ماءُ الحياةِ .. قَلائدًا بقَلائدِ!
* * *
ساءلتُها:
- مَن ذلِكَ الشَّيخُ الذي تَعِبَ الزَّمانُ يَعُدُّ فِيهِ مَوالِدي؟
وعَلامَ يَرمُقُني بِطَرْفٍ صارِمٍ؛
فتَطِيرُ مِن عَيْنَيَّ شُقْرُ مَواعِدي؟
* * *
- هُوَ والدِي.
مِن أَيْنَ تَعْرِفُهُ، إذا لم تَعْرِفِ الأُنثَى التي بِمَجاسِدي؟
غادَرْتَهُ نَهْبَ الجُنُوْنِ بِصَحْصَحٍ
رَضِعَتْ ذِئابُ الجِنِّ فِيهِ بِناهِدي!
* * *
- ما لي أنا؟
لا ذَنبَ لي في قِصَّةٍ تَحكينَها ..
لا تَطْعَني بِعقائدي!
فأنا عَشِقتُكِ،
ما عَشِقْتُ قَبِيلةً،
لا شأنَ لي بِأَقارِبٍ وأَباعِدِ!
* * *
- العِشْقُ قَطْرُ الرُّوْحِ،
إِمَّا يَنْهَمِي فيُبَرْعِمُ الباقِيْ بِغُصْنِ البائدِ
لا،
ما عَرَفْتَ الحُبَّ،
لولا تَرْتَوِي مِن بِئرِ آماسِيْ وعِطْرِ مَوارِدِي!
يا مَن عَشِقْتَ،
أَما عَلِمْتَ بِأَنَّ في قَلْبِ المُحِبِّ يَثُوْرُ شَعْبُ خَرائدِ؟
* * *
ودَّعتُها،
إِذْ وَدَّعَتْ أَيامَنا الأُولَى،
بِذِكْرَى كالشِّهابِ الواقِدِ
وخَلَوْتُ، أَتْلُوْ دَرْسَها في الحُبِّ،
عَلِّي أَرْتَقي مِعراجَها بِقصائدِي!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجَعْماء: دُويبة من فصيلة الجُعلان (الخنافس). ذات لونٍ أسود. غير مؤذية. ربما عَبِثَ بها العابثون من الصِّبيان فقلبوها على ظهرها، فتظلُّ تُحَرِّك أطرافها في الهواء، لا تستطيع الانقلاب على وجهها، للتحرُّك على طبيعتها، إلَّا بعد برهة. قد يُضرَب بها المثل في المسالمة والبلاهة.
وسوم: العدد 992