قال ابن القيم : ( الدين مداره على أصلين العزم والثبات، وهما الأصلان المذكوران في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد ( . وأصل الشكر صحة العزيمة، وأصل الصبر قوة الثبات، فمتى أُيِّد العبد بعزيمة وثبات فقد أُيِّد بالمعونة والتوفيق ، وقد وصف الله بخُلُقِ العزيمة جمعاً من رسله فقال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ ، أي أصحاب الجِّد والثبات والصبر.
بشرى لأهلِ العـزمِ والإيمانِ = لثباتِ ما في القلبِ من إيقانِ
وبهـا التوكُّلُ ينجلي في وجهه = عـزمُ الأمورِ ، فللتقيِّ تهاني
للعزمِ شأنٌ في عقيدتنا بــدا = في الصَّبرِ والتمكينِ والغفرانِ
والأُمنياتُ رخيصةٌ إن لـم تكنْ = في صفحةِ الأهـواءِ والعصيانِ
لـم يجنِ خيرَ الأمنياتِ أخو الضحى = مَن نامَ عن عملٍ وصوتِ أذانِ
إنَّ التَّمنِّي لـم يَرُقْ لمجاهـدٍ = عاشَ الحياةَ فليس بالمتواني
فالأُمنياتُ بضاعةٌ ماجاءَها = إلا أولو الأهـواءِ والإذعانِ
أغرى هـواها مَن أناخَ ببيئةٍ = هي والونى في النفسِ تلتقيانِ
غاضَ الإباءُ بلهوِها أو جهلِها = فخبـا ضياءُ العـزّ!ِ في الوجدانِ
وهـو التَّمنِّي مركبُ العاني الذي = ألقى خُطاهُ بملعبِ الخسرانِ
لـم يجنِ من دنياهُ رغمَ حظوظِها = إلا فتاتَ الضَّنكِ والحرمانِ
فاهجرْ بلا حرجٍ أمانيَ لم تزلْ = في وهـمِ مكدودٍ وخطوِ جبانِ
والعيشُ في كنفِ التَّرهُّلِ سيرةٌ = منبوذةٌ لـم تُـرجَ للشجعانِ
إنَّ القلوبَ إذا سمتْ فيهـأ الرؤى = وجدتْ مدار السَّعي في كيوانِ
هي تلكُمُ القيمُ النَّديَّةُ بالهدى = تعلو منازلُهـأ بكلِّ أوانِ
فليعلَمنَّ المسلمُ الواعي فقد = ذهبَ الغثـاءُ بغمرةِ الطوفانِ
فلمَن أناخَ لشرها وفسادها = أمس بلا أثرٍ قليلَ الشَّانِ
فالوهنُ داءٌ في مراكبِه الأذى = ويجـرُّ بئسَ الـدَّاءُ للعصيانِ
فإذا استناخَ بأُمَّـةٍ أودى بهـا = ورمى بهـا لحضارةِ الذُّؤبانِ
وهفـا بنوها للمفاسدِ خسَّةً = فلهم حسيسُ تخاذلٍ و هوانِ
ولهـم ببهرجها المقيتِ تَوَلُّـعٌ = يمحو مكانتَهم من الأذهانِ
رصدتْ لهم دنيا الغرورِ مصايدًا = نُصِبتْ بمكرِ مسالحِ المطرانِ
أَوَلَمْ يروا مانالَ أمتنا التي = حملَتْ لـواءَ الخيرِ في البلدانِ
فالجاهليةُ يومَها ولَّتْ وما = قامتْ هناكَ عبادةُ الأوثانِ
والفرسُ أطفأَ نارَهم نـورُ الهدى = وانهدَّ ركـنُ البغيِ للرومانِ
جاءتْ نبوَّةُ أحمد الهادي فلم = تشهدْ لياليها أذى طغيانِ
والخيرُ فاضَ وأمرعتْ غبراؤُنا = بالطيباتِ وحقلِهـا الفينانِ
نبكي على الماضي ولا جدوى لمَن = باتتْ مداركُـه بلا ميزانِ
واعتدَّ من وَهَنٍ أصابَ فؤادَه = بحضارةِ مهدودةِ الأركانِ
ظلمُ القويِّ وبطشُه وضلالُه = والبغي بعضُ قبائحِ الشيطانِ
جاءتْ وأوزارُ الحضارةِ وجهُهـا = دامٍ وسهمُ الحقدِ في الشريانِ
ما أسعدَتْ أحدًا ولا حكمتْ بما = للناسِ من عـدلٍ ومن تحنانِ
هي ما رأتْ هذي الحضارةُ مَن شكوا = حكمَ الطغاةِ وغلظةِ السجانِ
وترى الملايين العديدةَ شُرِّدُوا = في الأرضِ تحت مطارقِ الأضغانِ
مكاتتْ حضارتُهم لزيفِ هُرائِها = في ريبِ إعلامٍ وزورِ لسانِ
وحضارةُ الإسلامِ يسطعُ نورُها = بالخيرِ بين الخَلْقِ والإحسانِ
هي لم تزلْ عبرَ الوجودِ ولم تزلْ = آثارُهـأ علويةَ التبيانِ
بقيت وتبقى إنها دينُ الذي = بـرأَ الأنامَ وجاءَ بالبرهانِ :
يبني الحضارةَ عـذْبةً أفنانُها = قيمٌ أتتْ في محكمِ القرآنِ
وبهَدْيِ خيرِ بني الأنامِ مُحَمَّـدٍ = في السُّنَّةِ الغراءِ للإنسانِ
عـزَّتْ بمنهاجِ النُّبُوَّةِ أمَّــةٌ = بحضارةٍ قدسيةِ العنوانِ
اللهُ أنزلَ وحيَه وبـه زكتْ = أيامُهـا بالفضلِ والعرفانِ
غسلتْ غبارَ الجاهليةِ مُـزْنُهـا = فالطُّهرُ في الأحناءِ والوجدانِ
منها استقى الإنسانُ وعيًـأ لايرى = إلا زمامَ السًّعيِ والإتقانِ
وإذِ الأماني أمرعتْ أفنانُها = وبظلِّها الثمرُ الهنيُّ الداني
فقلِ اعملوا فالجِـدُّ بابٌ للعلى = ولنيلِ ما تصبو إليه يــدانِ
ما انفضَّ جمعُ المؤمنين سوى على = عهدٍ يصونُ وثائقَ الإيمانِ
ماعاش يستجدي السَّرابَ أخو التٌُّقى = أو نامَ مذهولا بلا سلوانِ
جدواهُ في مسعاهُ لا في غفلةٍ = عمياء بينَ سفاسفٍ وأغاني
حبلُ الأماني عنده في عهدةٍ = بالعزمِ يحفظُه مدى الأزمانِ
فإذا انجلتْ للظامئين عيونُها = بالشَّهدِ روَّى لـوعةَ الظمآنِ
كانت هي المرمى لسعي كفاحه = إذ نالَ زهوَ بهائها المزدانِ
أمَّـا الرجاءُ من الكريمِ فإنَّـه = يُرجَى ولا يُرجَى سوى الرحمنِ
مَن جاءَ بالأعمالِ يرجو خيرَها = يلقَ المنى ، فَلْيَأْتِ بالشكرانِ
ما خيَّبَ اللهُ الكريمُ عبادَه = إن كانَ سعيُ العبدِ في الرضوانِ
وإِنِ ابنَ آدم جاءَ أوهامَ الرؤى = بالأمنياتِ دُرِجْنَ بالأكفانِ
لـم يلقَ غيرَ الحسرةِ العجفاءِ في = زيفِ السَّرابِ يرفُّ في الأجفانِ
ذهبتْ أماني المترفينَ بلهوِهم = إذْ كٌبِّلُوا بمهانةٍ و هوانِ
باتتْ كما للفلسفاتِ تجارةٌ = بارتْ بسوقِ المقتِ والحرمانِ
من أين تلتئمُ المقاصدُ إنْ بدتْ = مبثوثةً في أضلع الجثمانِ !
فالميْتُ لايدري وقد حملَتْهُ في = تابوتِها الأيامُ للديدانِ
واللهُ قد خلقَ ابنَ آدمَ مدركًـا = وحباهُ بالإحساسِ والوجدانِ
والسَّمعِ والقلبِ الذي لـو صانه = من لوثةِ الأهواءِ والشنآنِ
لغـدا سليمًـا ليس يغرقُ في الهوى = أو يُستباحُ بدعوةِ الخلانِ
أَوَلَم يَــرَ الإنسانُ آياتٍ بدتْ = للبارئ الخلاقِ في الأكوانِ !
تدعو أخا العقلِ السليمِ وقد أتى = بالبيِّناتِ نبيُّنا العدناني
فَلْيَهجرِ الإنسانُ نشوى فرحةٍ = بالمنكراتِ بصحبةِ النُّدمانِ
وَلْيَمْقتِ التسويفَ بـدَّدَ رأيَه = لمـا رأتْ وجــهَ الهدى العينانِ
وَلْيَنْتفَنْ عنـهُ جناحَ غرورِه = وَلْيَأْتِ ظلَّ الأُنسِ في البستانِ
أما أمانيه التي لم تكتملْ = هيهاتَ يُدركُها بأُفقِ تـَـوَانِ
يُغريهِ مرآها بمرآةِ الهوى = وتغيبُ عته بلحظةِ استهجانِ
ياليتَ : دعةى للتمنِّي ما جَنَتْ = إلا فواتَ الماءِ للظمآنِ
أما وقد ذهبتْ به الدنيا ولم = يأتِ الإلــهَ بتوبةِ اللهفانِ
سيقولُ يومَ الحشرِ ياويلي ويا = ويلَ المفرطِ من لظى النيرانِ
ياليتني كنتُ الترابَ ولم أجدْ = نفسي تُقادُ اليومِ في إذعانِ
ياليتني لم أُوتَ في هذا اللقا = هذا الكتابُ وكنت في النسيانِ
هي حسرةٌ لم تنفعِ الجاني ولم = تجدِ الزعيمَ ونخبةَ السلطانِ
هـو قـد تَمَنَّى إنَّمـا لم يَرْجُ مَن = أولاهُ من نِعَمٍ ومن إحسانِ
تلك الأماني من وساوس لم تكنْ = إلا من الشيطانِ ذي الروغانِ
فاسْألْ إلهــك وارْجُ ربًّــا راحمًـا = واعملْ بما أمرَ النَّبيُّ الحاني
تجدِ العطايا جمَّةً لاتنتهي = فالله ذو فضلٍ على الإنسانِ