اشتد عليه المرض في أيامه الأخيرة ، وفي يوم الأحد 1/2/1444هـ صلى الظهر والعصر مستلقيا على ظهره لشدة الآلام ، ومع أذان مغرب نفس اليوم ارتفع صوتُه بذكر الله تبارك وتعالى ، وكرر الشهادتين عدة مرات ، وهو يرفع أصبعه السبابة ، وفاضت روحه إلى بارئها ، ذلكم أخي الغالي الحاج عيد قاسم ... نسأل الله له ولجميع أمواتِ المسلمين الرحمة والمغفرة ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
هوامش :
*أَشْعَنَ : جَـزَّهُ من شعر ناصيته .
*إشارة للآيات في سورة الإسراء التي فيها الوعيد الشديد للجاحدين : ( 97/98/99) .
قـد عشتَها للهِ ذي الآلاءِ = في ظلِّ حقلِ الشرعةِ الغراءِ
ترجو رضا الرحمنِ إذْ أمضيْتَها = أيامَ عمرٍ باليدِ البيضاءِ
أنا يا أخي لستُ الذي زكَّى ولكنْ . = . زهوُها لشهادة الفضلاءِ
فهُمُ الأحبةُ في نواحي أرضِنا = فاهـوا بطيبِ الذكرِ والإطراءِ
أنتم بأرضٍ والأحبةُ شرَّقوا = أو غرَّبُوا في عالَم الغبراءِ
وهي الليالي فرَّقتْ أبناءَنا = فتناثروا في الغربةِ العمياءِ
والقلبُ تعصرُه الفجائعُ مُـرَّةً = وثقيلُها في غُمَّـةِ الضَّراءِ
عانيتَ من مرضٍ ألـمَّ وإنَّمـا = للصَّبرِ أهلُ الملَّةِ الزهـراءِ
فلك المساجدُ شاهداتٌ عندما = كنت الخطيبَ لأهلِها النجباءِ
والذكرُ ديدنُك المحببُ طالمـا = تُصغي إليكِ مجالسُ الصُّلحاءِ
يامنشدًا أسمى القصيدِ إذا دعـا = داعي الوفـــا لِنَبِيِّنا بثنــاءِ
كم مجلسٍ مازالَ يذكرُ عندما = أنشدتَهم والجمعُ في إصغاءِ
في حبِّ أحمد عشتَه طولَ المدى = والحبُّ للهادي فيوضُ وفاءِ
والحبُّ للمختارِ فيه شفاعةٌ = فهو الحبيبُ وسيِّدُ الشُّفعاءِ
مازلتَ تذكرُ فضلَه وجهادَه = وصفاته في السيرةِ الحسناءِ
وهو الشفيعُ لمثلِ وجهك في غـدٍ = وتنالُها من جملةِ السُّعداءِ
أبكيكَ والقلبُ الذي أوجعتَه = بفراقِ وجهِك مـؤمنٌ بقضاءِ
فالحمد لله الذي رحماتُه = هلَّتْ على الموتى من البشراءِ
وهُـمُ الملائكةُ الذين توافدوا = يستقبلون الروحَ للعلياءِ
أوردْتَها حين احتضارِك جملةً = جيَّاشةً بالصِّدقِ في الآناءِ
وهي الشهادةُ قلتَها بيقينِ مَن = قد عاشها للدعوةِ الغرَّاءِ
الحجُّ والصلواتُ والصومُ ازدهتْ = وزكاةُ مالِ المرءِ للفقراءِ
أدَّيتَها عن طيبِ نفسٍ آمنتْ = باللهِ في عَلَنٍٍ وفي إخفاءِ
وسجدْتَ للهِ الكريمِ تضرُّعا = وقتَ الضحى طوبى وفي الإدجاءِ
فعسى الرحيمُ ينيلُكَ الفوزَ الذي = تسعى إليه جحافلُ الأكفاءِ
وتنالُ في الفردوس أعلى منزلٍ = واللهُ للأبرارِ ذو إعطاءِ
لمَّا قضى الرحمنُ ساعتَها بكتْ = عيني وهاجتْ غارةُ الأرزاءِ
والموتُ حقٌّ إنما نبكي لِمـا = في النفسِ من ألمٍ ومن لأواءِ
وهي الحياةُ ودارُها لـم ترتحل = عنها رياحُ السَّاعةِ الشعواءِ
يحيا ابنُ آدم والغرورُ يجرُّه = فيخفُّ ويحَ النفسِ للأهواءِ
ولقد تناسى ساعةً يدُها وقد = هُدِمتْ زخارفُها بعين الرَّائي
وكأنَّه ماعاشَ في الدنيا ولـم = يسلكْ سبيلَ مدارجِ الجوزاءِ
ذهبَتْ مباهجُه وضلَّ سبيلُ مَن = قادتْهُ للزيناتِ بالإغـراءِ
فلمَنْ مشى دربَ المفاسدِ لم يزلْ = في حسرةٍ تدمي خـطى المشَّاءِ
قـد أَشْعَنَ القدرُ الذي أحكامُه = ألقتْ بناصيـةٍ لـه لفَنَـاءِ *
فَلْيَأْتِ بالقولِ الثَّقيلِ على الفتى = (ياحسرتي ) إذْ فاتَ كلُّ رجائي
ماكنتُ أحسبُ أن هذا موئلٌ = لحسابِ مَن هجروا هـدى السَّمحاءِ
فالفوزُ يومئذٍ هنـا لِمَن اتَّقى = ربَّ البريَّةِ طاهرَ الأحناءِ
ورعى الفضائلَ في حياةٍ لـم تكنْ = إلا كلمـحِ الغيمةِ الوطفاءِ
مَن عاشَ في كنفِ الشَّريعةِ مؤمنًـا = مالانَ للشبهاتِ والخلطاءِ
يعتـزُّ بالقيمِِ الأثيرةِ مـا نأتْ = عن سيرةٍ محمودةِ الإنشاءِ
فالحمدُ للهِ العليِّ إذِ اصطفى = أهلَ الولاءِ لطاعـةٍ و وفاءِ
فلقد بَذَلْتَ أخي حياتَك كلَّها = في الذكرِ والطاعاتِ لا البغضاءِ
عاشرْتَ أحبابًـا وهاهم قد بكوا = مُـرَّ الفراقِ لوجهِك الوضَّاءِ
مـا أنكروا يوما عليك ولا رأوا = إلا جميلَ مودَّةٍ و إخـاءِ
والأهلُ أهلُك ضمَّهم صَبْرٌ لِمـا = قـد حـلَّ في ذي الليلةِ الظلماءِ
ورأوكَ بعدَ الموتِ طوبى باسمًا = ليقينِ قلبِك بالهدى اللألاءِ
كـم أنشَدَتْ شفتاكَ مَنْ في حبِّهم = تحيـا القلوبُ بروعةِ الإصغاءِ
آواكَ ربُّك يا أخي في مـوئلٍ = تاقتْ إليه محاجرُ الصُّلحاءِ
كم في الفؤادِ من الرجاءِ بربنا = فيما عرا لفؤادِكَ الغدَّاءِ
نرجوه رحمتَه بعبدٍ ما ابتغى = إلا رضا المولى مدى الآناءِ
والأهلُ ضجُّوا بالدعاءِ تبتُّلا = أن لايرى الموجوعَ شرَّ الدَّاءِ
والفصلُ في المستشفياتِ حكايةٌ = لـم يأتِ ما وجدوا سوى الآراءِ
حتى إذا حـانَ القضاءُ وأقبلتْ = بُشرى الغيوبِ بأصدقُ الأنباءِ
وإذِ الأخُ الغالي يُرَى متبسمًا = في وجهِ ركبِ مواكبِ البشراءِ
ويعيدُ نُطْقَ شهادَتَيْ إيمانه = يُومي لهم بهما بحُسْنِ رُواءِ
ومضوا بها روحا تسامى سعيُها = في عالَم الدنيا بخيرِ وِقاءِ
يامَن مضيتَ وفي حياتِك سيرةٌ = تروي حديثَ الأُنسِ في الأصداءِ
نبكي لفقدِكَ بيننا إذْ أفرغتْ = شفتاكَ طيبَ الذكرِ للجلساءِ
والذكرياتُ وما بهنَّ سوى المنى = مسكوبةَ النفحاتِ في الإصغاءِ
للأهل للجيرانِ للأحبابِ في = كفيْكَ تمنحُهـا بكفِّ هناءِ
أعطيتَ حبَّك للجميعِ مودَّةً = من غيرِ ما مَنِّ أخي ورياءِ
ما أنكرونها فالمحامدُ لم تزل = بين الكرامِ جميلةَ السيماءِ
فالحمدُ للهِ الذي قـد صانها = من لوثةِ الحُسَّادِ والسُّفهاءِ
تأتي إلى قلبي السَّكينةُ من لدُنْ = ربِّي فتطوي بالرضا بلوائي
وأعودُ مرتاحَ الضميرِ ولم أجدْ = إلا عزاءَ عقيدتي ورجائي
فعليك من ربي سحائبُ رحمةٍ = كانتْ لأهلِ الملَّـةِ الغرَّاءِ
مَن وحَّدَ الرحمنَ واستهدى بما = قال النَّبِيُّ لسائرِ الأحياءِ
يجد المفازةَ لن تكونَ لجاحدٍ = لـم يـدرِ مافي سورة الإسراءِ *
بشرى لأمةِ أحمـدِ الهادي لِمَنْ = يطـوِي مآخذَ صفحةِ الإغواءِ
مَنْ عاشَ والإسلامُ يكرمُ عمرَه = ألفاهُ مثلَ الدوحة الغيناءِ
فعساك نلتَ شهادةً أحرزتَها = بالصبرِ رغمَ قساوةِ الإعياءِ
والصَّبرُ في الشِّدَّات نورُ بشارةٍ = عاينتَه في ساعةِ الإغماءِ
أمَّا تفاؤُلك الذي سبق النَّوى = فدليلُ صدقِ الرؤية العصماءِ