لمَّـا يزلْ دينُنا للخَلْقِ رُبَّانا = ولم يزل شعبُنا للأمــرِ سلطانا
ولم تزعزعْ أعاصيرُ العدا قيمًـا = جاءتْ بهَدْيِ نَبِيِّ اللهِ برهانا
فكم طوى الدهرُ طاغوتا وما ملكتْ = يداهُ من قـوةٍ أو صفَّ أعوانا
وكم رمى القدرُ المكتوبُ من هُبَلٍ = فخـرَّ ملتحفا بالإثـمِ أكفانا
لاتخشَ يابنَ سليلِ الأكرمين إذا = ماهاجَ وَقْدُ الأذى ظلما وبهتانا
أصحابُ أحمدَ ماهانوا ولا وهنوا = ولم يــَرَ الشاهدُ التاريخُ إذعانا
هـم الأباةُ الذين اختارَ بارئُهُم = نبيَّهم منهمُ فضلا وإحسانا
فسيِّدُ الخَلقِ قد جاءت رسالتُه = للعالمين هُدًى يُزْجَى وفرقانا
فأنبتَ الأرضَ من بعدِ الجفافِ هُدًى = أحيا مرابعَها قـاعًا وبستانا
فأسلمَ الناسُ من بدوٍ وحاضرةٍ = وأعلنوا حبَّهم للدِّينِ إيمانا
وأرسلَ اللهُ للطاغين مَن صدقوا = ماعاهدوا المصطفى من قبلُ إيقانا
فرعونُ أمَّتِه لاقى منيَّتَه = إذْ ضـمَّ جوفُ القليبِ اليومَ أعيانا
ومثله نالَ إذ وافى أبو لهبٍ = سوءَ المماتِ وبات الشرك عُريانا
وجندُ ربِّك مانامت محاجرُهم = فسارعوا ينشرون الخيرَ بلدانا
فذلَّ كسرى ولم تثبتْ عساكرُه = وأطفأ المسلمون الصِّيدُ نيرانا
وقيصرُ الرومِ ولَّى معْ جلاوزةٍ = بطانةُ السُّوءِ عُبْدانا وكُهانا
ودانت الدول العظمى وما نطقتْ = وكانَ وعيُ أخي الإسلامِ يقظانا
بالعدلِ والحقِّ والآدابِ عاملهم = فأسلمَ الفَطِنُ الحيرانُ عِرفانا
ودانَتِ الدولُ الأخرى لشرعتنا = وطلَّقتْ أمسَها شركًا وصلبانا
وللخلافةِ كلُّ الخَلقِ يجمعُهم = مافي الخلافةِ من خيرٍ أتى الآنـا
فسبَّحتْ جنباتُ الأرضِ بارئها = فالحمدُ للهِ بارئنا ومولانا
وكانت النهضةُ الكبرى لعالَمنا = علميةً أوجدتْ في الأرضِ عمرانا
فكم من العلماء الصِّيدِ إرثُهُمُ = باقٍ ومنه استقى الآتون عرفانا
وقد بنوا بعدهم منها حضارتَهم = على الأساسَ الذي شادوه بنيانا
فكان مجدًا له فضلٌ وإن جحدوا = إذ قدَّموا للأذى المشهودِ شيطانا
لكنَّهم جعلوها غيرَ مؤمنةٍ = فأفرغتْ وجعًـا للناسِ ماكانا
فالحربُ والشَّرُّ والإيذاءُ ديدنُها = فلم تدع شامَنا آهٍ ولبنانا
ولم تدع أمتي تحيا بنعمتها = بل أقحموها بمكرٍ باتَ فتَّـانا
فالذبح والنفي والتشريدُ دمَّرها = فأصبحتْ ويحها في الأرض جثمانا
وأبعدوا روحَهـا عنها لذا خمدتْ = وأذعنتْ لطغاةِ الأرضِ دنيانا
فأين عزَّتُنا في كلِّ معترك = أما مروءتُنا فالحالُ قــد هانـا
أمعنتُ في شجني من هولِ مافعلوا = وبتُّ أذرفُ دمعَ العينِ هتَّانا
أهذه أمتي تبًّـا لِمَنْ غفلوا = عن الحديثِ الذي بالحقِّ وافانا
فيه البشارةُ ياقومي فلا تهنوا = وأنتُمُ اليومَ ماهنتم ولا هانـا
سيبلغُ النورُ نورُ اللهِ عالَمَنا = ويملأُ الأرضَ نعمَ الأمنُ إيمانا
ففي الشريعةِ يلقى الناسُ غايتَهم = وفي سِواها رأوا في العيشِ أحزانا
سيمرعُ المجدُ رغمَ الجدبِ مبتهجًا = وذاك وعدٌ بظلِّ الفتحِ يلقانا
مرارةٌ أوجعتْ أبناءَ أمتنا = فهيَّجتْ مهجًـا عانتْ وبلوانا
وعصرُنا لم يزلْ يشتاقُ دعوتَنا = ولم يجـدْ مجدِيًـا إلا محيَّانا
وبالهدى والْهَنا عادتْ كتائبُنا = ويجفلُ اليومَ وجهُ البغيِ خزيانا
يافرحة الأرض قد عادتْ بشاشتُها = وعطَّرتْ بطيوبِ الدِّينِ أردانا
وغابَ ما كان من خطبٍ ومن نكدٍ = ومن هـوىً أفسدَ الأخلاقَ أزمانا
والخالدُ المجدُ مجدُ الدعوةِ ابتهجتْ = بها مرابعُ أرضِ اللهِ مـذْ كانا
هي النبوةُ والأحناءُ تحملُها = نهجًـا تسامى بأهلِ الأرضِ عنوانا
عقيدةٌ بشَّرتْ مَن آمنوا وسعوا = جندا لرفعتِها شيبا و شُبَّانـا
وأرخصوا في سبيلِ اللهِ ما ملكوا = من المنافعِ أرواحًا وأبدانا
وجاهدوا الكفرَ والإلحادَ ما وهنوا = ولا استكانوا وعاشوا العمرَ فرسانا
وما تنكَّرَ للإسلامِ في حقبٍ = إلا الذي أبطلَ الألبابَ حيرانا
وعاث في الأرضِ بالأضغانِ ترجمَها = شرًّا تمادى وإيذاءً وخسرانا
فسلْ فراعنةً من بعد ماهلكوا = وسلْ على إثرِهم في الغيِّ أخدانا
لقد سفتْهم رياحُ مالها بدلٌ = إلا الفناءَ وكان الخزيُ برهانا
فلا هُـمُ انتعظوا من بعدِ ماعلموا = ولا أنابوا ونالوا الوعيَ وجدانا
فالإثمُ أعمى لأهواءٍ بصائرَهم = فاسْتَسهلتْ ويلهـا في العيشِ إدمانا
تلك النفوسُ التي ماتت ضمائرُها = فأذعنتْ للهوى المذمومِ خذلانا
لمَّـا تجِدْ غيرَ دارِ العارِ لو فقهتْ = لكنَّها استرخصتْ للكِبرِ ميزانا
فأعلنَتْ حربَها في كلِّ آونةٍ = على النُّبُوَّةِ بئسَ الحربُ عـدوانا
وأوجدتْ نِحلا واستحدثتْ مللا = وأبدعتْها فجاءَ الوصفُ مزدانا
وجنَّدتْ سفهاءَ القومِ إذ حملوا = سخيفَ بهرجِها للناسِ أديانا
فالكفرُ مذهبُهم والشَّرُّ ملعبُهم = وباتَ إعلامُهم في الزورِ مِعوانا
وهكذا أملقتْ دنيا حضارتهم = فما جنى أهلُها في العصرِ إحسانا
ودورةُ الزمنِ اعتدَّتْ مآثرُها = بالمنجياتِ لهذا العصرِ وافانا
سيحكمُ الأرضَ دينُ اللهِ فابتهجي = وجدِّدي بمزايا الدينِ دنيانا
فإنْ رمى اللهُ ربُّ العرشِ رميتَه = فلستَ تبصرُ فوقَ الأرضِ أوثانا !