***
***
*نشرت في جريدة الندوة المكيَّة الملحق الأدبي العدد 8075
تاريخ 15/ محرم /1406ه
الشعرُ يحملُ دعوتي وبياني = من غيرِ طلسمةٍ ولا بطلآنِ
والشِّعرُ مخضلٌّ بما في نفحه = من صدقِ تحنانٍ ومن عرفانِ
أنقى من الأرجِ الطهورِ وما به = ريب يُميتُ الحقَّ في الوجدانِ
ألفاظه عربيَّةٌ ما دُنِّستْ = بسفاهةٍ غربيةِ الأدرانِ
العنفوان يجولُ في أوزانه = عذبَ المعاني ريِّقَ الألحانِ
أعتى على مَن أدلجوا خلف الهوى = من غيِّهم بالزخرفِ الفتَّانِ
ما ضلَّ مَن سلكَ الرشادَ وما طغى = بحداثةٍ ممقوتةٍ وتوانِ
والشعرُ يحملُ ما بقلبي من أسى = لمآلِ قومي في دجى الأحزانِ
ويثيرُني فرحٌ لآمالٍ أرى = أطيافَها تغفو على أجفاني
وكأنني والحقُ يأتي طيِّبًا = في عالم رغمَ المكارهِ هانِ
وأرى به نفسي تهبُّ كريمةً = بين المروجِ الخضرِ من أكفانِ
وأرى شبابَ المسلمين تضُمُهُم = أيدي النَّهارِ المشرقِ المزدانِ
وتقودُهم بين الفجاج شريعةٌ = فيها الإباءُ وعزمة الإيمانِ
قالوا : النَّوازلُ دلهمتْ في أفقنا = والريحُ تعصفُ بالهدى الرباني
والكفرُ أطبقَ ليس يوقفُ غيُّه = دينٌ مضى من سالف الأومانِ
أَوَمَا ترى الإسلامَ يُذبحُ عُنوةً = من غيرِ ما نبأ ولا إعلانِ
ويُكَبِلُ الأبرارَ قيدٌ حاقدٌ = والسوطُ يلهبُ ساحةَ الأبدانِ
ويُقَتلون بزيفِ ألفِ قضيَّةٍ = وتُلَفُّ في صمتٍ بكلِّ مكانِ
قلتُ : النوازلُ دلهمتْ وَلْيَحْتَرِقْ = ليلُ الهوانِ بمهجةِ النيرانِ
فالخطبُ عنوانُ الفلاحِ وإنَّه = بمشيئةٍ من سُنَّةِ الدَّيَّانِ
وهي النَّذيرُ الحقُّ تعصفُ ريحُه = في العالَمِ المسجورِ بالطغيانِ
وإذا أتى نصرُ الإلهِ فإنَّه = لابدَّ قبلَ الفتحِ من غليانِ
فاليوم تسري في القلوبِ مروءةٌ = ليعيدَ فجرُ النصرِ صوتَ أذانِ
فلقد كفى أجيالنا تُغضي على = قهرٍ مريرٍ قاتلٍ و هوانِ
ويدُ الطغاةِ تمزِّقُ الآمالَ بالحقدِ . = . الدفينِ ومُديةِ الكفرانِ
ومضى الرعاديدُ الأذلةُ ما انثنوا = في الفتكِ نفَّذه أخو الذؤبانِ
ماحرَّرَ الأقصى السجينَ مخادعٌ = أو عاش للجُلَّى أخو الخسرانِ
والقدس تشكو والجراحُ تلفُّها = مخضوبة تشكو إلى الركبانِ
للمؤمنين بربهم وبدينهم = وجهادِ ركبِ الإخوةِ الفرسانِ
فإذا بها اختضبَ الترابُ بدافق = من كلِّ قلبٍ طاهرٍ حرَّانِ
وتجاوبتْ أصداءُ كلِّ كتيبةٍ =تأبى فسادَ الآثمِ الخوَّانِ
وتدافعتْ في السَّاحِ دون شهادةٍ = وعلا مع التكبير كلُّ لسانِ
إذْ ذاك تنهدُّ الحصونُ وينجلي = صبحُ الخلاصِ بأوجهِ الشُّجعانِ
ويعودُ للبلدِ العزيزةِ وجهُها = طلقًا وباءَ الظلمُ بالخسرانِ
ستعودُ للأقصى على وهج القنا = راياتُه ميَّاسةَ الخفقانِ
فَلْتنطلقْ أفواجُنا وسلاحُها = سيفٌ موشَّى من سنا القرآنِ
أعلمتَ ياهذا المُضللُ أنكم = في ضيعةٍ مع ذا الخبيثِ الجاني
وخبرتَ أنَّ حداثةً مشؤومةً = باتتْ بقبر شقيِّها الشيطاني
ما الشِّعرُ ؟ أخبرْني وما أغراضُه =إنْ لم يكنْ للهِ ذي السلطانِ
ولكلِّ مايحيي المشاعرَ رفعةً = في ظلِّ سِفرِ الحقِّ والفرقانِ
ولديكُمُ ماتت مشاعرُكم ولم = تُدركْ به هامَ السُّمُوِّ الهاني
لعبتْ به النزواتُ والأهواءُ في = شكلٍ ومضمونٍ وفي أوزانِ
غرقتْ معاني طلسماتْ أبحرتْ = كسفينةٍ تجري بلا ربَّانِ
دع عنك مالا ترتجيه شعوبُنا = أو تشتريه بأبخس الأثمانِ
سيموتُ في مهدِ الميوعةِ هامدا = ويذوبُ تحت توهُجِ النيرانِ
هيهات تبكيه المعارف إنَّه = مثلُ الغثاءِ يساقُ بالفيضانِ
بانَ السبيلُ لمَن صحا من غفلةٍ = والآخرون مضوا مع الرُّعيانِ
أما الرجالُ المخلصون لأمَّةٍ = فعلى عُلُوِّ المنبرِ السَّحباني
يُصغَى إليهم إن أتوه وغرَّدوا = في مهرجانِ العلمِ والعرفانِ
باقات شوقٍ راق من فوَّاحها = روحُ الأصالةِ فاض في الشريانِ
بعظيمِ مافي الآيِ من قيمٍ زهتْ = يسمو بها صُعُدًا بنو الإنسانِ
وبِسُنَّةِ صاغَ الحبيبُ جلالَها = وجمالَها في السرِّ والإعلانِ
فتحيَّةٌ تُزْجَى إلى أهل الهدى = ماطابَ للإخوان من إخوانِ
فهنا الأُخوَّة والمودةُ أينعتْ = صِدقَ الوفا وطهارةَ الوجدانِ
حيَّوا بها كلماتِ شهمٍ مبدعٍ = مالانَ يومًا للنداءِ الجاني
في واحةٍ مخضرَّةٍ ميمونةٍ = تُنمَى إلى تاريخِها الفينانِ
كانت قفارًا لا اخضرار يزينُها = لاوعي بين شبابها الظمآنِ
فاخضرت الوديانُ بعد يبابها = وتماوجتْ كتماوجِ الألوانِ
والعلمُ أجملُ حُلَّةٍ إن زيَّنتْ = صدرَ الشِّعابِ فوجهها كجنانِ
جئنا نغذُّ السيرَ يحدونا الرجا = وبهزنا الأملُ الوريفُ الهاني
تهفو قوافينا كأنسامِ الصَّبا = ريَّانة كالحلمِ في الأجفانِ
لترفَّ في الأيامِ تعبقُ كالشَّذا = كجنى النخيلِ السَّابقِ الريانِ
وعلى الجبالِ الشُّمِ ألفُ قصيدةٍ = تحدو بركبِ الموكبِ الرباني
أيام لم تَعرف سجلاتٌ لهم = إلا تبابَ غوايةِ الشيطانِ
ولنا خلودُ الحرفِ أغلاه الهدى = وحباهُ بالإيمانِ والإتقانِ
يُملي على الأيامِ طيبَ متونِه = فيروقُ شدوُ الشَّوقِ للآذانِ
هذي طيوفٌ أرَّقتْ أجفانَنا = لم يخبُ نورُ بهائها المزدانِ
ترنو إليه عزيمةٌ لم تندثرْ = قعساءُ إسلاميةُ الخفقانِ
ياصفحةَ الماضي حنانك إنَّنا = نشتاقُ وجهَ قشيبك الهتَّانِ
بصليل سيفٍ وامتشاقِ أسنَّةٍ = وصهيلِ خيلٍ في الصباحِ الدَّاني
فتلهبي بدمائنا وتوهجي = بصدورِنا قدرًا مع الركبانِ
نادِ القلوبَ من الهوانِ فإنَّها = ملَّتْ حياةَ الوهنِ والإذعانِ
هذي البراعمُ في ثنايا روحها = مستقبلٌ نضرٌ عزيزٌ حانِ
ما لاحَ لي طفلٌ يخطُّ بنانُه = سطرًا تعلمه على الملوانِ
إلا رأيتُ ربيعَ أمتنا زها = وتدلَّتِ الأثمارُ في الأغصانِ
فهو الأصالةُ والثَّباتُ على الهدى = ولقد قَلى زيفًا من الأوثانِ
وسما بفطرته التي قد وجَّهتْ = وجهَ اليقينِ لخالق الأكوانِ
ما غرَّه مزمارُ دسَّاسٍ ولا = عدٌ يرنُّ على يَدَيْ نصراني
غنَّى لهدمِ العزِّ في أجيالنا = وأتى بخسةِ فعلةِ الحيوانِ
باسمِ التقدمِ والحداثةِ غرَّه = أنَّ الشبابَ يُساقُ للعصيانِ
أبدًا شبابُ المسلمين يضمُّهم = نهجٌ أصيلٌ ثابتُ الأركانِ
الأرضُ مكَّةُ والعقيدةُ حصنُها = لم ترضَ بالمُتَلونِ الحيرانِ
هذا الشبابُ إذا تسلَّحَ بالتُّقى = ونما على الأخلاقِ والعرفانِ
وتشبَّعتْ فيه الحنايا بالهدى = ورأى جلالَ الله في الأكوانِ
سيقودُ أمَّتَه غدًا شطرَ المنى = ويقيلُ عثرتَها على الميدانِ
ويدوسُ ماصنعَ اللئامُ من الأذى = ويردُّ أهلَ منازلِ الهذيانِ
فاستبشري يا أمَّتي بحبائِه = يغشى المغاني عاطرَ الأردانِ
وتهللي شوقًا وتيهي عزَّةً = بالنُّورِ نورِ اللهِ والإحسانِ
فالنورُ يهديك الحضارةَ حلوةً = من غيرِ طغيانٍ ولا إذعانِ
بكتابِ ربِّ العرشِ جاءَ هدايةً = للعالَمين برحمةٍ وأمانِ
وبسُنَّةٍ هلَّتْ بوجهِ مُحَمَّدٍ = صلى عليه اللهُ كلَّ أوانِ
إسلامُنا يدعو إلى العلمِ الذي = يحيي مواتَ النَّبتِ في القيعانِ
والعلم ينسجُ للشعوبِ تقدُّمًا = آثارُه لسعادة الإنسانِ
في البيتِ في الحقلِ النَّضيرِ بكلِّ . = . دربٍ في حياةِ الناسِ في الأزمانِ
هذي الشِّعابُ اخضوضرتْ ربواتُها = وتنفستْ بالروحِ والريحانِ
وتهللت فيها البوادي بالهنا = فيفاء تدفقُ من عيونِ حٍِانِ
وسرى الهدى والعلمُ في أبنائها = جاءا بخيرِ مسيرَةٍ ومعانِ
فعساهُمُ بهما يعيدون الفخارَ . = . وفجرَه عهدًا وليدًا ثانِ
أكبرتُ آمالَ الشعوبِ يشدُّها = عزمُ الشبابِ المؤمنِ المتفاني
وشهدتُ إنْ هبَّتْ بها أرواحُنا = يومَ النفيرِ تموجُ كالبركانِ
للعصرِ عصر المسلمين إذا هُمُ = قاموا لصرختها من القيعانِ
يافجرُ ، ياتاريخُ ، يادنيا خلتْ = بروائع الذكرى وبالفرسانِ
يالهفةً تجري بصبرِ صدورِنا = وبمهجةِ الغلسِ البغيضِ الجاني
فوري هُدى ، وتألقي قبسًا فقد = طالَ الهجوعُ ولجَّ بالشُّبَّانِ
فاسقِ القلوبَ من الشَّريعةِ وانظمي = بالطهرِ صدرَ شبابك الحرَّانِ
حبَّاتُ رملِك ياصحارى جنَّةٌ = فاحتْ مباهجُها على الأكوانِ
إذْ فوَّحتْ عن أمَّةٍ مختارةٍ = أقوى من الظلماتِ والعدوانِ
وسعتْ تنيرُ العالمين بدينِها = وتُعِزُّ دعوتُها بني الإنسانِ
وأتى رسولُ الله يحملُ شرعةً =سمحاءَ ربَّانيةَ التِّبيانِ
يهدي بها الناسَ الذين اسْتُعْبِدُوا = للمالِ والشهواتِ والأوثانِ
فاستعذبَ الفضلاءُ صوتَ نَبِيِّنا = وتواثبوا للعزِّ بعدَ هوانِ
ماقادهم بغيٌ ولا ظلمٌ ولم = يشهدْ عليها الخَلْقُ بالعدوانِ
هي أمَّةٌ جاءت وفي أكنافها = عاشوا حياةَ كرامةٍ وحنانِ
بل أنقذتْ أمما تغشَّاها العنا = ورمى بها الطاغوتُ للخسرانِ
وحمت شعوب الأرضِ في أيامها = من بغي طاغيةٍ وغدرِ جبانِ
فإذا الصحارى جنَّةٌ مزهوةٌ = وعيونُ سلسلِها هُدَى الرحمنِ
وإذا القبائلُ في الجزيرةِ قوةٌ = من خيرةِ الأفذاذِ والفرسانِ
دكَّتْ حصونًا كالجبالِ وحطَّمتْ = للفرسِ تيجانا وللرومانِ
فتحررتْ تلك الشعوبُ وأقبلتْ = تهفو لدين الله بالإيمانِ
كانت سرايا أمةٍ منصورةٍ = لم تأْلُ جهدًا للنهوضِ الباني
واليوم يايومَ النهوضِ المرتَجَى = أشرقْ بصبحٍ هانئٍ هتَّانِ
واليوم ياشعراء أمتنا لكم = صوتٌ لبعثِ نهوضها المزدانِ
فتبرؤوا ممَّا يضرُّ بنهجكم = ممَّن أتوا بالزورِ والبهتانِ
من غربِ دنيانا ومن شرقٍ فهل = قد يُرتَجَى خيرٌ من الذؤبانِ
فحداثة الإفسادِ من أفكارهم = وقذارةُ البيئاتِ والغثيانِ
شطحات مَن تبعوا طلاسمَ حفنةٍ = ممقوتةٍ في الشَّامِ أو بغدانِ
والشعرُ مهدٌ للأصالةِ فاجتنبْ = مازاغ منه بأوجه الهذيانِ
وهو القوافي والعمود يضمُّها = وطهارةُ الإلقاءِ والألحانِ
والقولُ مارضي الإلهُ بلفظه = وله الثوابٌ بلا عقابٍ دانِ
اللهُ يسألُ في القيامةِ خلقَه = عن زلةٍ كَذِبٍ وزورِ لسانِ
ويُكبُّ أهلُ الإثمِ في وادي لظى = لكلامِ سوءِ جاءَ بالنُّكرانِ
ولكلِّ فنٍّ في الأصولِ مكانُه = يوم الحسابِ فيالَيومِ الجاني