رمضانُ أقبَلَ فاغْتَنِمْ فيضَ النَّدى = مُتَلَهِفًا للعفوِ والرحَماتِ
وانْهَضْ إليهِ بلهفةٍ توَّاقَةٍ = مستبشرًا بِعُذوبَةِ النَّفحاتِ
شهرُ الهدى والفتحُ بعضُ هِباتِه = ونزولُ وحيِ اللهِ بالآياتِ
قد جاءَ بالقرآنِ منهجَ رِفعةٍ = يُنْجِي بني الدنيا من العثراتِ
فاجْعًلْ لِذاتِك منه نورَعبادةٍ = تَأْمَنْ هُدِيْتَ غدًا من الحَسَرَاتِ
فا لعُمْرُ مهما طالَ يطويه الرَّدّى = فاحْفَظْهُ من زَيْغٍ ومن زلاَّتِ
* * *=* * *
رمضانُ يأمل أن يراكَ مُنَعَّمًا = برياضِ أهلِ الذكرِ والقرآنِ
بصلاةِ فرضٍ لاتؤجلَ وقتَها = وصيامِ نفسٍ عن هوى الشيطانِ
متبتلا برضا الغفورِ وهاجرًا = للذنبِ مهما هانَ في الإنسانِ
أقبلْ على الرحمنِ تَلْقَ قبولَه = لكَ إنْ قدمْتَ بطاهرِ الوجدانِ
قمْ يابنَ آدمَ لاتعشْ متغافلا = وانهلْ شرابَ قراحِه الرمضاني
فالله يفتحُ للتقيِّ رحابَه = ويجولُ بالتقوى وبالشكرانِ
* * *=* * *
رمضانُ منتجَعُ القلوبِ استوحشتْ = فتنَ الزمانِ وسطوةَ السفهاءِ
وأصابَها بعدَ البعادِ تواطُؤٌ = وانقادَ أهلً الغيِّ للأهواءِ
فَتَصَحرَتْ أحناؤُها ماهزَّها = حبٌّ هفا للشرعةِ الغرَّاءِ
ماهُنَّ في استجمامِ شهرٍ عابرٍ = لكنْ عَرتْها وقدةُ الضَّرَّاءِ
وتمكنَ الداءُ الوبيلُ يعالَمٍ = بالكِبرِ تحكمُهُ قُوى البأساءِ
أنتم بني الإسلامِ مَنْ في دينِكم = سبلَ الخلاصِ بقوةٍ و دعاءِ
* * *=* * *
رمضانُ لايرضى السفاهةَ فاتعظْ = ويردُّ عن نبعِ المآثرِ حُسَّدا
المفتري الخرَّاصُ أغراهُ له = كِبرٌ فلم يسمع حديثَ مَن اهتدى
فمشى بها متغطرسًا متبخترًا = متعاظمًا ذا خِسَّةٍ متعَمِدَا
هوِّنْ ! فلستَ بِمُعجِزٍ ربَّ الورى = يا أيُّها الأغبى ، فأنتَ مَن اعتدى
عُدْ قبلَ أخذِكَ أخذَ مقتدرٍ فقد = جاوزْتَ حدَّك فالعُتُوُّ تَبَدَدَا
في صفعةٍ بيدِ القويِّ إلهنا = لترى مكانَك في المهانةِ مُقْعَدَا
* * *=* * *
نفخ الإنابة للغفور نسيمه = يشفي صدور الناس مما قد عرا
ويشم في رمضان طيب هبوبه= ويرى به آثاره من لا يرى
يارب قد ضاق الوجود بأهله= والداء أمعن في الأنام و دمرا
وله أناخت قوة فتاكة= عاشت تجدد كل يوم منكرا
فأريتَهم يارب قدرتك التي = تعنو الوجوه لها فعادوا القهقرى
لو شئت بالداء الخبيث قهرتهم= لكنْ فيوض اللطف كانت أكبرا
* * *=* * *
زمنُ الفصامِ النَّكْدِ عن نفحِ الرضا = مُتَحَدِّيًا أغلى المآثرِ للبشَرْ
ولعلَ ياشهرَ الإنابةِ رحمةً = من جودِ بارئنا تزيلُ أذى الضَّرَرْ
ولعلَّ وعيًا ليس يُبْقِي منهجًا = لمن ارتأى هذي المفاسدَ واتَّجَرْ
ولعلَ يقظةَ أمَّتي ويقينُها = بالله تهدي مَنْ تناءى أو فَجَرْ
علماؤُنا الأبرارُ مازالوا على = عهدِ الولاءِ لدينِ أحمدَ والسِّيرْ
فالخيرُ في الإسلامِ هاهم قد رأوا = آياتِ ربِّ العرشِ تنذرُ بالخطرْ
* * *=* * *
رمضانُ ياشهرَ انحسارِ فسادِهم = ونداءَ صوتِ الفطرةِ الزَّهْرَاءِ
الموبقاتُ تَعُمُّ أقطارَ الدُّنى = ولها تُروِّجُ نُخْبَةُ السُّفهاءِ
أما التَّفَاهَاتُ القبيحةُ بينهم = هي من أَذًىً أعْمَى وسَفْيِ غُثاءِ
قد جئتَ بالإصلاحِ تنقذُهُمْ بما = في الآيِ أو في السُّنَّةِ الغَرَّاءِ
قيمُ الهُدَى للنَّاسِ ربَّانيَّةٌ = لم تَرْضَ بالأسواءِ والفحشاءِ
قد عُدْتَ يارمضانُ فالبُشْرَى لِمَنْ = جافى الهوى بالتَّوبةِ العَصْمَاءِ
* * *=* * *
مَنْ ذا يُرَجَّى للشدائدِ دلهَمَتْ =داءً على مَن شاءَ ربُّ العالمينْ
هذا عذابُ الهونِ جاءَ مخفَفًا =وأشدُّ أهلِ الأرِضِ منه يفزعونْ
وَقُوى فراعنةِ الزمانِ استسلَمَتْ =للخطبِ إذْ علِموا بأنَّهُمُ عمينْ
كم قريةٍ أفنى الإلهُ طغاتَها =فَمضوا وما لخلاصِهم مِنْ ناصرينْ
واليومَ هذا الداءُ أعياهم وقد =وجلَتْ قلوبُ المترفين الفاسقينْ
ولنا ظلالُ الصَّومِ مَنْجَىً علَّهم =لايُنكرون هدى النَّبِيِّ ويرعوونْ
* * *=* * *
هو شهرُنا المُنْهَلُّ فيه سحابُه =خيرًا يُجَددُ وجهَنا الربَّاني
فبه الصلاةُ مع الصيامِ وليلُه =ونهارُه للذكرِ والقرآنِ
وبليلةِ القدرِ الجليلةِ موردٌ =تُغْني عُذوبتُه أخا الإيمانِ
قد خابَ مَنْ شهدَ الليالي أقمرَتْ =شوقًا إلى الرحماتِ والرضوانِ
ونأى عن الزَّادِ المقدسِ وارتمى =في سوقِ أهلِ اللهوِ والبطلانِ
تُبْ يابنَ آدمَ مقبلا شطرَ النَّدى =إنَّ العطايا من يدِ الرحمنِ
* * *=* * *
العربُ آبُوا والفرنجةُ شَنَّفُوا = آذانَهم ، فهو النداءُ الأمجدُ
والناسُ في الغبراءِ عَلَّهُمُ رأوا = آياتِ ربِّي والأعاجمُ أرعدوا
وطيوفُ روحِ القُدسِ هَنَّأَ نفحُها = في ذي الليالي أُمَّتي والسؤددُ
رمضانُ والرحماتُ نفحةُ زهوِه = وبه افترارُ نعيمِها والأرغدٌ
لم يبلغِ الخيرُ العميمُ بغيرِها = هيهاتَ إذْ صَلَفُ التَّصَحُرِ يورَدُ
الخيرُ في الدنيا وفي الأخرى أتى = بفيوضِ دافقِه النَّبِيُّ مُحَمَّدُ
* * *=* * *
الرُّعبُ في الغبراءِ مُنْتَجُ نهضةٍ = قامتْ على التسليحِ والإرهابِ
وهي الحضارةُ لم تكنْ خيريَّةً = للناسِ شادوها مدى الأحقابِ
أينَ التَّعارفُ والتراحمُ والإخا = بينَ الشعوبِ وجملةُ الآدابِ
رمضانُ عادَ مُبَشِّرًا أهلَ الورى = أخذًا لدفعِ الشَّرِّ بالأسبابِ !
الأرضُ أرضُ اللهِ فَلْيَسْتَيْقِظُوا = من غفلةِ الأهواءِ والتَّلعابِ
عودوا بني الدُّنيا لبارئِكم تَرَوْا = فَيْءَ السَّعادةِ مُدَّ في إطنابِ
* * *=* * *
يانفسُ تُوبي وانْفُضِي ثوبَ الونى = واسْتَعْصِمِي باللهِ دفعًا للخَوَرْ
وَلْيُشْعِلِ الإيمانُ دربَك بالهدى = وَلْيَحْدُ أُفقُكَ بالنشيدِ المُدَّخَرْ
نورُ المثاني لم يَزَلْ يهدي إذا = غامَ الطريقُ وَلَجَّ بالنَّاسِ الخَطَرْ
قد صانَ وجهَتَكَ الوضيئَةَ وحيُها = هيهاتَ أن تطغى المفاسدُ والكدرْ
لم أرْجُ نهجًا خِلْتُه ذا رفعةٍ = إنَّ المذاهبَ شرُّها اليومَ انتشَرْ
أَوَغَيْرَ رَبِّ العَرْشِ يُسْعِدُ عِالَمًا = وهو الخبيرُ لديه إسْعادُ البشَرْ
* * *=* * *
قد جِئتَ ياهذا إلى الدنيا فَكُنْ = فَطِنًا وقد ألْفَيْتَها ياصادي
حَرَّانَ من وَهَجِ المشاكلِ مُتْعَبًا = ومن الشَّقَاءِ وصيحةِ الإرعادِ
فانْهَلْ هنا من سلسبيلِ هدايةٍ = تَجِدِ السكينةَ ظلُّها للغادي
رمضانُ جاءَك حاديًا يهفو به = شَهْدًا إليكَ فَرَحِّبَنْ بالحادي
هذي لياليه التي ما خَيَّبَتْ = راجٍ إلهَ الناسِ للإسعادِ
أبْشِرْ فإنَّ اللهَ لاينسى الذي = يرجوهُ في جوفِ الدجى وينادي
* * *=* * *
رمضانُ نادَى فاسْتَجِبْ لندائِه = فالصَّومُ نفحُ نهارِه معطارُ
والليلُ فيه من المنازلِ موئِلٌ = فيه السَّكينةُ أهلُها الأبرارُ
لايُذْهِلَنَّكَ لهوُهم ونفيرُهم = في الغيِّ وافى إثْمَه الفُجَّارُ
ناداكَ ربُّ الخَلْقِ في عليائِه = فانهضْ يُغَادِرْكَ الونى والعارُ
دنياكَ مهما استأثَرَتْ ببهارجِ = لم يبقَ من سَفَهٍ لها آثارُ
فَكُن المُلَبِّي فالكريمُ بعفوِه = يلقاكَ فالمولى هو الغفَّارُ
* * *=* * *
رمضانُ خَيْمَتُنا الأثيرةُ إن طغى = لَفْحُ الهجيرِ ، فَخَطْبُه مشهودُ !
مارَدَّ عاصفُه خطى استقبالِنا = فهو الحَفِيُّ بنا ونحن الصِّيدُ
المسلمونُ يَضُمُّهم شهرُ النَّدى = فيه السُّمُوُ العذبُ والتَّوحيدُ
فيهِ نجاوى الروحِ ربَّانيَّةٌ = ماضَرَّها التهويلُ والتنكيدُ
مَنْ رامَ ذكرَ اللهِ أدْرَكه الرِّضا = لم يُلْهِهِ الإجحافُ والتشريدُ
اللهُ يعلمُ ماجرى فانهضْ وَخُذْ = أوفى الحِباءِ ففي حِماهُ الجُودُ
* * *=* * *
إنْ كانَ قلبُكَ بالكريمِ مُتَيَّمًا = فاعلَمْ بأنَّكَ بالقَبولِ جديرُ
ما ضَرَّ مَن ألقى مواجعَه على = بابِ القديرِ زمانُه المسجورُ
فاللهُ يُدركُ عبدَه حتى إذا = ضاقً الفؤادُ أتاهُ منه بشيرُ
لاتَجْزَعَنَّ وصَلِّ فَرْضَكَ واغْتَنِمْ = شهرَ العطايا فضلُه مَوْفُورُ
وَصُمِ النَّهارَ وَدَعْ لسانَكَ ذاكرًا = فبذكرِه أنتَ الفتى المأمورُ
واحذرْ مجافاةَ المثاني إنَّها = لكَ في حياتِك بهجةٌ و سرورُ
* * *=* * *
في ليلةِ القَدْرِ المنيفةِ مغْنَمٌ = يُغني سليمَ القلبِ بالرَّحَمَاتِ
فيها ثوابٌ ليسَ يُحْصَى عَدُّه = أضعافَ أضعافٍ من الحسناتِ
فَتَرَقَبَنْهَا في الليالي مُدْنفًا = من آخر الشهرِ الكريمِ الآتي
وَاجْفُ المنامَ وقمْ لربِّكَ عابدًا = متبتِلا بالذِّكرِ والآياتِ
واسألْهُ فالمولى قريبٌ لم يزلْ = ماخَيَّبَ الرَّاجينَ بالدعَواتِ
فإذا ظفرْتَ بنورِها وجلالِها = فاعلَمْ بأنَّك فزْتَ بالجنَّاتِ
* * *=* * *
ياربِّ وافانا الصِّيامُ وإننا = لرضاكَ في دنيا الفنا نشتاقُ
فاقْبَلْهُ ياربِّي بفضلِكَ واغْفِرَنْ = آثامَنا ضاقت بها الآفاقُ
ما حلَّ بالناسِ الذين تَنَكَّبُوا = نهجَ السَّلامةِ دمعُهم رقراقُ
يشكون من ثقلِ النَّوازلِ إنَّهم = لاقوا من الويلاتِ ما قد لاقوا
واستسلموا رغم التَّجَبُّرِ قبلَها = رغمَ العلومِ جديدُها دفَّاقُ
وسِواك لايُرجَى لكشفِ مصابِهم = ولغيرِ عفوِك لاترى الأحداقُ
* * *=* * *
إنَّا على أبوابِ جودِك لم نزلْ = نرجو الخلاصَ فحالُنا في غيهبِ
ولَّتْ ليالينا بغمرةِ طيشِنا = وإلى منابتِ عزِّنا لم نُنْسَبِ
نمنا على الأضغاثِ من أحلامِنا = وجرى بنا للسوءِ عيبُ المركبِ
ولكلِّ أفقٍ في مرابِعِنَا يدُ = عَجَزَتْ فلم تعملْ ولم تتَذَأَّبِ
وقوارعُ الأيامِ تنقلُ خطوَها = وربوعُنا من هولِها لم تُخْصِبِ
رَبَّاهُ في شهرِ الصيامِ رجاؤُنا = بجميلِ طيبِ العفوِ غيرُ مُخَيَّبِ
* * *=* * *
ولأُمَّتي ياربِّ منحةُ فطرةٍ = هي ما توارتْ إذْ جَنَاها رَيِّقُ
و وَهَبْتَهَا للمسلمينَ كرامةً = بيدِ النَّبِيِّ رداؤُها الإستَبْرَقُ
قدسيَّةً ، مكيَّةً ، مَدَنِيَّةً = وعلى تَقَلُّبِ دهرِنا لا تَخْلَقُ
أركانُها : الإسلامُ يَشْمَخُ في المدى = وجلالُه بجمالِه يتألَّقُ
وصلاتُنا وصيامُنا والحجُ من = بعدِ الزكاةِ فصولُ خيرٍ تُغْدِقُ
قد أَهَلَتْهَا كي تقودَ بني الورى = لنجاتِهم من كلِّ كربٍ يُطبِقُ