( روى الإمام ابن الجوزي حادثة وقعت أثناء الحج في زمانه، إذ بينما الحجّاج يطوفون بالكعبة ويغرفون الماء من بئر زمزم قام أعرابي فحسر عن ثوبه ، ثم بال في البئر، والناس ينظرون، فما كان من الحجّاج إلا أن انهالوا عليه بالضرب حتى كاد يموت، وخلّصه الحرس منهم ، وجاؤوا به إلى والي مكة فقال له : قبّحك الله، لِمَ فعلت هذا ؟ قال الأعرابي: حتى يعرفني الناس، يقولون: هذا فلان الذي بال في بئر زمزم . وقصة هذا الأحمق قد سطّرت اسمه في التاريخ رمزاً للسخافة والخَرَق، وإلا فما الداعي لهذه الفعلة الشنيعة إلا الحرص الشديد على بلوغ المجد والشهرة . وقياسا في وقتنا الحاضر كثر البوّالون في وسائل التواصل، فتجد أحدهم يسعى إلى الشهرة بقدر ما يروّع ويخوّف الآخرين، والآخر بقدر ما يفسد، وينتهك من الأخلاق والعادات، وآخر بقدر ما يلهو، ويلعب بالنعم، وأخرى بقدر ما تتعرى وتستعرض جسدها وتتكشف بلا حياء، وتبدي من جسمها ماتبدي . هؤلاء المشاهير قد أفسدوا علينا الماء المبارك والهواء المبارك والأرض المباركة فاستحقوا بكل جدارة واستحقاق هذا اللقب ) وحول هذا اللقب كانت هذه الأبيات :
... ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتار ...
أنا لا أُحبُّ أخا التَّعالي والأنـا = أبـدا ولا أهلَ الغرورِ مُدَنْدِنَـا
فالشهرة الجوفاءُ تُمقتُ دائما = والعُنْجُهِيَّةُ : قولُه إني أنـا
وهو القؤولُ وقولُه كالطبلِ إذ = بضجيجِ غـاوٍ للتَّبجُّحِ طنطنـا
فاسمعْ لِهذا الغِرِّ يهرف عابثا = بخزعبلاتِ مُغيَّبٍ لمَّـا دنــا :
* * *=* * *
إني أنا وأنا الأنا يرقى إلى = قـمـم المعالي في الحياةِ وما انحنى
إني أنا جالستُ أهلَ مكانةٍ = وجرى حديثٌ شيِّقٌ ما بيننا
وأنا كتبتُ وما كتبتُ مُدَوَّنٌ = والناسُ تقرأ ماكتبتُ مُدَوَّنـا
هذي مقالاتي وتلك قصائدي = وبها أصولُ فمن بمثلي قـد جنى
وأنا الذي لاأدَّعي بل إنني = باسمي أنالُ مكانةً فأنا هنـا
إني لأبحثُ هاهنا عمَّن أرى = فيه ارتفاعي إذ أراهُ ممكنا
أنا مثلُ مَن نالوا مفاتيحَ العلى = وبنوا لهم فوق السحائب مسكنا
فأنا من النُّخبِ التي ماغيرُها = نالتْ هناكَ ولا أقولُ لعلَّنـا !
لايجهلون ثقافتي ومكانتي= إنِّـي نصبتُ على المدى كرسيَّنا
فأنا أبولُ بأيِّ أرضٍ أهلُهـا = لاينكرون عليَّ فعلا مُعلَنا
ولي المجالاتُ التي لاتنتهي = ولي الوسائلُ قدَّمـتْ أقوالَنا
العرف والعادات والقيمُ التي = بهرائهـا ذاك المعنَّى دندَنَـا
ذهبتْ إلى ما لا أراه بعائدٍ = وبدا لنا حبلُ التواصل ممكنا
أهلُ الثقافةِ والمعارف همُّهم = أن يسمعوا عني فشغلُهُمُ أنا
أولا يرونَ مكانتي فأنا الأنـا = والقبحُ ليس لمَنْ أتى ( بالميجنا) !
* * *=* * *
هذا زمانُ المفلسين من الهدى = ومن الفخارِ وقد تناسوا مجدَنا
فهم المشاهير الذين تبوَّلوا = علنا وقد ذهبَ الحياءُ مكفَّنا
فالحمقُ والإسفافُ بعضُ صفاتهم = ولقد تعرَّوا رغم ذلك بينَنا
يسعون جهرا دون شهرتهم وإنْ = لبسوا الشناعةَ والبشاعة والخنا
والناسُ قد عرفوا الأسافلَ بئس مَن = عمرَ القبائحَ وارتضاها مسكنا
قد غـرَّهم قولُ الذي في وجههم = أنتم زرعتُم في البسابس سوسنا
يُخفي بباطنه نفاقَ فؤادِه = مستهزئا بمَن استخف ومـا ونـى !
هـو عصرُ أهلِ حماقةٍ لم يستحوا = من منصف لِفِعالِ خسَّتِهم رنـا
فالشًّهرة العمياءُ أعمت قلبَه = والصِّيتُ أنطقه بأنْ قـد أحسنا
هي كذبة جاء الغرورُ بإثمها = وتناثرتْ مثل الغثاءِ بلا عَنَـا
ومكانُها المذموم في مستنقعٍ = مثل الحداثة جعجعتْ بين الدُّنى
لكنها ارتدَّتْ وإنَّ مآلهـا = هـزءٌ يراه بنو الأصالةِ مسكنا
تبًّا لشهرةِ مَن تخطَّى خوفَه = من ربِّه وأتى المثالبَ موهَنا
ورأى بها كرسيَّه يهوي على = حظٍّ هوى ليقول : إني هاهنا
وأنا أكلتُ فسادَ أسوأَ طبخةٍ = لما عميتُ وكانت البلوى الأنا