هوامش :
- حديث رواه أبو الدرداء رضي الله عنه بهذا الشأن عن الشام .
- طاش : الطيش هو الانحراف عن السلوك القويم ، وهو الزلل الفادح .
قـلْ للشآمِ وأهلِها الفضلاءِ =مَنْ ذا الذي أدْمـَى يــدَ البُشَراءِ !
خطَّتْ على صفحاتِ ليلٍ مقمرٍ = غـمَ الجراحِ وشدَّةِ الظلماءِ
ما كانَ من قيمٍ ومن مجدٍ مضى =سامتْهُ من حقبٍ يـدُ البغضاءِ
حقدٌ به طمسَ اللئامُ فخارَنا =بينَ الورى بالدَّعوةِ الغـرَّاءِ
قصدوا الشآمَ نكايةً وعداوةً =والشَّامُ دارُ هنـاءةٍ وإخــاءِ
كانتْ وما زالتْ برغمِ فسادِهم =ذاتَ اعتزازٍ بالرؤى الحسناءِ
هي للحضاراتِ الكريمةِ مـوئلٌ =ترعى المزايا باليدِ البيضاءِ
لا للحضارةِ أفسدت دنيا الورى =بالحقد والإرهابِ والشَّحناءِ
أما حضارتُها فأمنٌ لم يزلْ =يزهو بظلِّ الدَّعـوةِ العصماءِ
أولى بها الرحمنُ طيبَ شآمِنا =لاترتضي بحضارةِ السُّفهاءِ
فالشَّامُ أرضٌ للمآثرِ والنَّدى =والأهلُ أهلُ عـزيمةٍ ومَضــاءِ
لمَّـا تَخَيَّرتِ المكارمُ لـم تجد =غيرَ الشآمِ وبيئةِ النُّجباءِ
جاءت فرنسا ذاتَ يومٍ أرضَها =بالكبرِ والطغيانِ والإيـذاءِ
لكنًّها ارتدَّتْ على أعقابها =مدحورةً من صولةِ الأكفاءِ
هـي لم تزل تدري ويدري غيرُها =ممـَّنْ أرادوا الذُّلَ للجـوزاءِ
أنَّ الشآمَ عزيزةٌ قد حُرِّمتْ =تيهًا على الأعداء والعملاءِ
قـد أرَّقَتْهمْ دعوةٌ فيَّاضةٌ =بالعـزِّ والإيثارِ واللألاءِ
هي شِرعةُ الباري فدينُ مُحَمَّدٍ =باقٍ ويُفدَى من دمِ الشُّهداءِ
خسِئتْ قُواهم كلُّها مهما لها =حشدتْ لغزوِ حفيدةِ الزهـراءِ
فالشَّامُ بالإسلامِ ما نامت على =ضيمٍ وتأبى سطوةَ الدخـلاءِ
إذ أزعجَتْهم قـوَّةُ الإسلامِ في = إقبالِ أهل الأرضِ للفيحـاءِ
فالحقُّ يمحو باطلا مهما علا =ويزيلُ زيفَ الوهمِ في الغبراءِ
فالغالبُ الميمونُ دينُ مُحَمَّدٍ =رغمَ احتقانِ أضالعُ الأعـداءِ
وهي المروءةُ والشهامةُ والفدا =والمفرداتُ البيضُ في العلياءِ
كانت وما زالت وتبقى مَعْلَمًا =للشَّامِ شامِ بقيَّةِ الشُّرفاءِ
تدعو إلى قيمٍ تفيضُ مودَّةً =للخَلقِ كلِّ الخَلْقِ الأرجاءِ
كفُّ الأذى والنهيُ عن بغيٍ وعن =ظلمٍ لهم وتسلُّطٍ وعناءِ
هي من صحائف سِفرِها بين الورى =وافى بها القرآنُ للفضلاءِ
أمَّـا الرذائلُ والفضائحُ مـا همـا =إلا لأهلِ الملَّةِ الرعنـاءِ
من أكرمِ الأخلاقِ بذلُ مروءةٍ =تولي بنجدتها أولي الأعباءِ
ياشامُ لاتخشَيْ زمانَ تسلُّطٍ =للمعتدين وزمرة الغوغاءِ
يادُرَّةَ الشيمِ الحِسانِ وبهجةً =في الأرضِ ما نامتْ على الإيذاءِ
لكنَّه الديَّانُ يختبرُ الذي =آخى حشودَ السُّنِّةِ الغـرَّاءِ
ويبشِّرُ الأبرارَ بالنَّصرِ انجلى =بوجوهِ مَنْ داسوا على الأهـواءِ
ألقى محيَّاكِ الجميلُ ظلالَه =فاستأنسَ المظلومُ بالأفياءِ
وبهـا أقامَ الودَّ من ديوانِه =صرحًـا لأهلِ الشَّام للغرباءِ
فيها الكتائبُ لم تزل توَّاقةً =لإقـامةِ الإسلامِ رغـمَ الـدَّاءِ
وعلى مغانيها ترفرفُ رايـةٌ =لشريعةِ الإصلاحِ في الأنحاءِ
في الشَّامِ تلقى الدِّينَ خيرَ مـؤيِّدٍ =بمرابطين فليس من إبطاءِ
في الشامِ أجنحةُ الملائكةِ احتفتْ =بالمؤمنين فليس من غلواءِ
مـدَّتْ ثمارَ غِراسِها لشعوبهم =من غيرِ مـا طلبٍ ولا استجداءِ
فهي الكريمةُ لـم تزلْ أكنافُها =مـأوى من الفاقاتِ والأسواءِ
فاللهُ جلَّ جلالُه متكفِّلٌ =بالشَّامِ أهل العـزَّةِ القعساءِ
أرضٌ مطهَّرةٌ يباركُها الذي =أجـرى لهـا عذْبًا دفوقَ الماءِ
لاخيرَ فيمَن أفسدوها عنوةً =ورموا مآثرَها بسوءِ شقاءِ
فهُمُ العدوُّ لربِّها ونبيِّها =أهلُ العمى والملَّةِ الخرقاءِ
هي موطنُ الإسلامِ مانامت على =ضيمٍ ولم تركن لذي خيلاءِ
لفظَتْهُ فاشتعلت به أحناؤُه =بذميمِ ما للكيدِ من ضرَّاءِ
فاللهُ باركها وبارك أهلَها =واقرأ حديثا عن أبي الدرداءِ (1)
فعمودُ نورٍ قد رآهُ المصطفى =حيثُ استقرَّ بشامِنا الفيحاءِ
واختارَها المختارُ لابن حوالة =لمَّـا أرادَ الظَّعْنَ في الأنحاءِ
وتكفَّلَ اللهُ الكريمُ بأهلِها =فعلى ثراها صفوةُ النُّجباءِ
إذ يَجْتَبِي الرحمنُ خيرةَ خلقِه =ممَّـن يشاءُ بحكمة وقضاءِ
ونبيُّ ربِّ العرشِ عيسى إنْ دنا =يـومُ القيامةِ لم يكن بالنَّائي
وهو الذي بالحقِّ ينزلُ هاديًا =للهِ بالإسلامِ في البيضاءِ
تلك المنارةُ في دمشق مكانُها =في شرقِها كالدُّرَّة العصماءِ
فاستيقِ ربَّكَ من سحائبِ جودِه =نصرًا يبدِّدُ غـارةَ الأعـداءِ
ولأنتَ من أسمى الطوائفِ لـم تزلْ =ومعـاذُ يشهدُ في حديثِ ثناءِ
وإذا لهيبُ النارِ هلَّ مزمجرًا =من حضرموت بآخرِ الآناءِ
فاهرعْ إلى الشَّامِ المباركةِ التي = يهـا مكانُ الحشرِ يومَ لقاءِ
واعلمْ بأنَّ الشامَ يحفظُها الذي =تُطوَى بقدرته قُـوى السُّفهاءِ
مهما عتوا وتجبَّروا وتفنَّنُوا =في القتلِ والتشريدِ والإيذاءِ
فالرومُ في الزمن البعيد تبدَّدُوا =والفرسُ قد باؤوا بِشَرٍّ الدَّاءِ
أما قوى الطاغوتِ والطغيانِ في =حالِ انتشاءٍ طاشَ باستهزاءِ
بالحقِّ في الإسلام بالوعدِ الذي =قد جاءَنا في السُّنَّةِ اغرَّاءِ
لكنَّهم سيرونها إن أقبلتْ =بالخسفِ لا كالغارةِ الشَّعواءِ
إذ أنَّها القَدَرُ الإلهيُّ انجلى =لنبِيِّنا في ليلةِ الإسراءِ
عمَّا سيلقى الظالمون جزاءَهم =من شدَّةِ الأهوالِ والضَّرَّاءِ
فجهنَّمٌ مأوى لِمَن قد أجرموا =واستأسدوا في الغابةِ الخرساءِ
هيهات تنفعُهم شراسةُ قبحِهم =ووسائلُ الإجرامِ للسُّجناءِ
وطرائقُ التَّعذيبِ في قَبْوٍ حَنَا =يروي فظاعتَها على الأنضاءِ
وقذارةُ الألفاظِ تُنبئُ أنَّهم =أهلُ الخنا لسلالةِ الإغواءِ
اللهُ أكبرُ لم يزالوا للأذى =والإثمِ من ألْفٍ لـه للياءِ
الشَّامُ أشجتْها فواجعُ أهلِها =ولعلَّ بعضَ البأسِ في الأنباءِ
فاليوم شامُ العـزِّ في لأوائها =والناسُ في الغفلاتِ والأهـواءِ
وكأنَّ أيامَ الأُخوَّةِ أغربتْ =عنها شموسُ مودةٍ وإخـاءِ
ولربما جاءَ القريبُ لظلمهم =وكأنَّه ما جاءَ من حـوَّاءِ
بل إنَّ أبناءَ الشآمِ أذاقهم =كذبُ الإخـاءِ مرارةَ اللأواءِ
لكنها لم تبتئسْ من ظلمِهم =ومن التآمرِ بعدُ والإيذاءِ
فتحفَّزتْ للوثبةِ الكبرى على =حكمِ الطغاةِ وطغمةِ الجبناءِ
إنَّ الإباءَ هـو الرسالةُ لم تزل =شاميَّةَ النَّبراتِ والأصداءِ
قـم وانهرِ المأفونَ ماتَ ضميرُه =واسودَّ وجهُ منافقٍ ومُرائي
وَلْيعْلُ صوتُك فوق صوتِ فسادِهم =في الرأي والتفكيرِ والإبداءِ
وَلْيَغْشَ وجهُ الكونِ نــورُ مُحَمَّدٍ =بشريعةٍ النعماءِ والآلاءِ
حملتْ رسالتَها الشآمُ عزيزةً =إذ فـاحَ طيبُ المجدِ بالأشذاءِ
وهي الشآمُ : رجاؤُها ، إيمانُها =باللهِ لا للذُّلِّ والعملاءِ
فالبشرياتُ رخيَّةٌ فتيقَّني =فاليأسُ ياشامَ المآثر ناءِ
منذ القديم يقينُنا لم يندثرْ =رغم الأسى وتَجَدُّدِ الأرزاءِ
فالقلبُ بالتوحيدِ ينبضُ سالما =وتـوهُّجُ الإيمانِ في الأحناءِ
تحثو مكائدُهم علينا مُرَّةً =في الشَّامِ حدَّتُهـا وفي الزوراءِ
لكنْ كما علموا جبالٌ قد رستْ =أركانُها لم تَعْنُ للهوجاءِ
لن يغلبَ الإسلامَ مَن كفروا ومن =جحدوا ومَن فسدوا بلا استحياءِ
ومَن ارتأوها للعبادِ مباحةً =جيًّاشةً بالسُّكرِ والفحشاءِ
وبكلِّ ما قد أفرزتْ من متعةٍ =جيفُ الحضارةِ أو رؤى السفهاءِ
وعداوةٍ لنبيِّنا لاوُفِّقُوا = إلا ليومٍ فيه شرُّ بلاءِ
فاللهُ قد رفعُ المكانةَ في الورى =لنبِيِّنا المبعوثِ للأحيـاءِ
صلَّى عليه اللهُ في ملكوته =في الصبحِ طولَ الدهرِ والإمساءِ
وَلْيَخْسَأ الأشرارُ أعداءُ الهدى =لمهانةٍ كانت لهم وشقاءِ
أمَّا الذين تَمَرَّسُوا بعداوةٍ =في حربهم لمحجَّـةٍ بيضاءِ
باؤوا بخيبتهم ولاقوا حتفَهم =بالخسف أو بالصعقِ والدأماءِ
فلهم قلوبٌ كالحجارةِ أٌفلتْ =أبوابُها للعتمةِ الدكناءِ
للشَّرِّ لا للخيرِ عاشوا عمرَهم =وتنعموا لكن مع الصهباءِ
وبفتنةٍ منبوذةِ لحقارةٍ =في الأنذلين وخمرةٍ ونساءِ
قد زيَّنوها فالليالي سُمِّيَتْ =للفسقِ والإسفافِ بالحمـراءِ
لُعِنَ الهوى والغيُّ والترفيهُ في =أوكارِه وتَنَوُّعُ الأسماءِ
وَلْيشهدِ اللهُ العليمُ بأمرهم = إنَّـا وقد فسقوا من البُرَآءِ