وُرَيْقَاتُ آلَام
مهداة إلى الأخ الحبيب الشيخ الشهيد هشام بجعة (أبي ربعي ) يرحمه الله
وإلى إخوانه الشهداء الأبرار
في جنَّات الخلود إن شاء الله
دَهَتْني بإصرارِ الفواجعِ والضُّرِّ = كما قد دهتْكم بالنَّوازلِ والنُّكرِ
يدٌ : بَتَرَ الجبَّارُ رُسْغَ عُتُوِّها = وأوردَها النطعَ الشَّديدَ على البَتْرِ
لقد آلمتنا في سنين طويلةٍ = ففجرُ لياليها بعيدٌ عن الفجرِ !
ولم يُحصِ ما ألقى على الناسِ في اللظى = فأجسادهم بالقهرِ تُشْوَى على الجمرِ
فَفَرَّ من الأهوالِ شعبٌ أذاقه = سلاحُ يدِ الإجرامِ من كأسِه المُرِّ
فصوَّحتِ الجنَّاتُ وابتدر الأسى = مباهجَ أبياتٍ تنامُ على القهرِ
وريقاتُ آلامُ أراجعُ بؤسَها = وأشكو لها خطبي فتهزأ من صبري
أكابدُ والأوجاعُ هيَّجْنَ أدمعًا = يَسِحُ على الخَدَّينِ فيَّاضُها يجري
رويدك ماقلبي تخيفُ يقينَه = خطوبٌ تلظَّتْ آهِ في لججِ الغمرِ
ففي القلبِ إيمانٌ بربي ، وعزةٌ = تقيمُ صروحَ الصَّبرِ في حقبِ العُمرِ
وليس يموتُ الخيرُ فيه وإنَّه = يجددُ أيامَ الربيعِ مدى الدهرِ
وبين الضلوعِ المترعاتِ من الأسى = تنامُ أساطيرَ البطولةِ والفخرِ
دعيها فللأحداثِ فلسفةٌ وعن = مصائبِ قومي ربما البعض لايدري !
***= ***
أأيامَنا ما للدروبِ كئيبة = وما للقلوبِ البيضِ تسعى على قفرِ !
وما للأناشيدِ النَّديَّةِ صوَّحتْ = فثكلى مغانيها الجميلةِ لاتُغري !
فلا الأهلُ والأحبابُ حلُّوا بربعها = ولا لاحَ للسُّمَّارِ ضوءٌ من البدرِ
بكيتُ ، وما كان البكاءُ بمسعفي = وإن ذرفتْ عينايَ من دمعِها الثَّرِّ
على شِرعةٍ ضاعتْ بأوزارِ أمَّةٍ = ومجدٍ لها أخوى على ذلِّها المُزري !
وأذكرُ إخوانا كرامًا فقدتُهم = وقد جمعتنا دعوةُ اللهِ في الديرِ (1)
نهضنا ( بديرالزور) موطنِ أهلِنا = نجددُ سِفرَ المجدِ بالدِّينِ والخيرِ
فكم هاجَ للتغريدِ قلبي تهزُّه = بآفاقها الذكرى مغالبة الهجرِ
وفتيةُ إيمانٍ تطاولَ بذلُهم = لأجل المثاني فالمحامدُ في وفرِ
هشامٌ أبو ربعي الشهيدُ وإخوةٌ = تجلَّى بهم وجهُ الفخارِ مدى العمرِ (2)
هداةٌ أباةٌ ما أخافهُمُ العدا = ولا جفلوا في ساعةِ الضيقِ والعسرِ
صدورٌ تحدَّتْ عارياتٌ جحافلا = مدججةً بالفتكِ والحقدِ والمكرِ
فمنهم قضى في الساحِ للهِ نحبَه = ومنهم على الصَّبرِ الموثقِ في الأسرِ
ففي الأسر آلاتُ العذابِ كأهلها = غلاظ وحوشٌ جُلْنَ بالنَّاب والظفرِ
فضائحُهم في الأرضِ قد فاحَ نتنُها = وقد دوَّنتْها صفحةُ اللؤمِ للنَّشرِ
دعوها فلن تجدي الأباةَ متونُها = وقد أكرمتهم رحمةُ اللهِ بالأجرِ
فجنَّةُ خلدٍ والرضا من مليكهم = وجارُهُمُ الرحمنُ ذو الجودِ والبِرِّ
صدعنا بقرآنٍ وهَدْيِ مُحَمَّدٍ = فما ضَرَّتِ الأبرارَ يوما يدُ الضرِّ
ولم نرهبِ الطغيانَ شُلَّتْ يمينُه = ولم تكبُ هاماتُ العزائمِ في العسرِ
عبدنا الذي يُرجَى لكلِّ مُلِمَّةٍ = ولم نَرَ إلا اللهَ يحمي من الشَّرِّ
***= ***
تمرُّ الليالي واجماتٍ ولي بها = مناجاةُ مصدورٍ يحنُّ إلى النهرِ
وأشواقُنا يومَ اجتمعنا أحبَّةً = على الشاطئِ الميمونِ في ساعةَ العصرِ
أراها يتيماتٍ نأتْ عن جفوننا = ورؤيا محيَّاها تتوقُ إلى نشرِ
أُصيحابُ ماأشقى فؤادي وعقَّني = لأعنانها إلا البعاد بلا عذرِ
وددتُ لقلبي أن يكونَ لهم فِدًا = وروحي لهم ظلاًّ من الألمِ المُرِّ
تداهمُهم أنيابُ قومٍ أسافلٍ = وأظفارُ حقدٍ هاجَ بالغيِّ والغدرِ
ولم يندثرْ دينُ النَّبيِّ محمَّدٍ = فهذي جموع المسلمين على إثرِ
لقد نُوِّمُوا حيناوقد هبَّ جمعُهم = فأرعبَ في الدنيا جلاوزةَ العصرِ
ولم يركنوا يومًا لطاغيةٍ غوى = وقد صبروا يومَ استبدَّ على القهرِ
وإنا وجدناها حكايةَ نخوةٍ = ولكنْ لدينِ اللهِ لا للهوى المزري
عفتْ أُممٌ وانهدَّ ديوانُ بغيِها = وأُمَّتُنا رغم النوائبِ في نصرِ
وما النصرُ في ميدان معركةٍ عوتْ = ذئابٌ بها والجيشُ ذو الكرِّ والفرِّ
ولكنَّها الغرَّاءُ دينُ مُحَمَّدٍ = طوتْ هجماتِ الرومِ والفرسِ في الدهرِ
فكم هاجموها عُنْوةً وعدوا على = دماءِ شيوخٍ أو نساءٍ بلا حصرِ
وعاد بنوها للجهادِ فمزقوا = أساطيرَ أملتْها الحروبُ على كِبْرِ
ورفَّ لواءٌ للعقيدةِ وانجلتْ = معانيَ نصرٍ مثلما كان في بدرِ
إذا أيَّدَ الرحمنُ بالنصرِ جندَه = فليس لحشدِ الكفرِ والشَّرِّ من سِترِ
يثيرُ حنايانا هُبوبُ رياحِه = ونفحةُ جنَّاتِ الخلودِ على الصَّدرِ
أشاوسُ دينٍ مارَجَوا غيرَ ربِّهم = وما ركنوا للظلمِ خوفا من النُّذْرِ
وبالأمسِ بالإسلامِ سِدنا رحابَها = وبالرحمة المهداةِ والعدلِ والخيرِ
فأُمَّتُنا فيما مضى هلَّ بِرُّها = سحائبَ أحيتْ ما تصحرَ في القفرِ
فما بالها اسودَّتْ صحائفُ مجدِها = بعصْرِ مُرَبِّي الكلب في البيتِ والهرِّ
وسامَ بنيها كلُّ وغدٍ وتافهٍ = وعبدِ هوى الإسفافِ بالنَّفسِ والفكرِ
فياليتَ أبناءَ الهدى عادَ وعيُهم = ولم يسمعوامن إفكِ زيدٍ ولا عَمْرِو
أوقُ وربِّي أن أرى نصرَ أُمَّتي = على عبثِ الأهواءِ والإثم والوزرِ
ويفرحُ قلبي حين أُبصرُ تائبًا = يؤوبُ إلى الرحمنِ في السِّرِّ والجهرِ
وتكسو محيَّاهُ الهدايةُ والتُّقى = ويملأُ أطراف الشفاهِ من الذِّكرِ
وينأى عن الأوثانِ في أيِّ صورةٍ = ويحيا حياةَ النُّبْلِ في حقلِه الحُرِّ
ويحفظُ صفوَ العُمْرِ من خلل العَمَى = فيبصرُ بالتَّقوى مبادرةَ البِشْرِ
ويهفو إلى ظلِّ المساجدِ يرتوي = من الشَّهدِ للروحِ المصونةِ والقّدْرِ
فلا يعتري ماعاشَ خطوَ وفائِه = ثبورٌ ولا يزريه ذو النَّظرِ الشَّزرِ
***= ***
حزانى قوافينا وخلفَ رفيفِها = بشاشاتُ رَبعٍ باتَ ينفحُ للطيرِ
وفيها أسى الأبرارِ في كلِّ موطنٍ = يمارسُ ظلما بأسُه من مُدَى الغِمرِ (3)
سجونُ أعاديهم ومعتقلاتُهم = تلظَّت بما في القيدِ من وقدةِ الجمرِ
وريقاتُ آلامٍ وددتُ اندثارَها = ولكنَّها النيرانُ في منحنى صدري
وعنها نشيدُ المقبلين إلى الوغى = إلى نصرةِ الإسلامِ جاؤوا على الضُّمرِ
قلوبٌ أبتْ أن تلبسَ الوهْنَ ثوبها = فثارت تجوبُ الدربَ تصدعُ بالأمرِ
فليست تبالي بالجراحِ سخينةً = وليست توالي مَن تدرَّعَ بالكفرِ
تَوَثُّبُهَا قد بات في الأرضِ منذرًا = طغاةَ الورى أهلَ الضَّلالةِ والخُسرِ
همُ اليومَ فرسانُ النزالِ لدينهم = وهم صفوةُ الأحرارِ في الموكبِ المَجرِ (4)
أنالوا هدى الإسلامِ أيدي انبعاثِهم = فنورٌ يراهُ القومُ في ظلمةِ القهرِ
أيا أمَّةَ الإسلامِ قد طالَ نومُكم = وطالَ السُّرَى فلترتفعْ رايةُ الثأرِ
وما النصرُ إلا عزمةٌ أحمديةٌ = ومن معقلِ التوحيدِ لاحتْ رؤى النَّصرِ
فيا أمَّةً دانتْ لغيرِ كتابِها = حذاري فإنَّ العارَ يلحقُ بالنَّزْرِ
فكيف تجافيتم و هَدْيُ نبيِّكم = ينادي الأباةَ الصِّيدَ معْ طلعةِ الفجرِ
فهبُّوا إليه فالزمانُ زمانُكم = وقد خسرَ الأشرارُ ماكان من ذُخْرِ
وأنتم كأعدادِ النجومِ مكانةً = على اُفُقِ الأحرازِ ذي المجدِ والقَدْرِ (5)
فهبُّوا إليه فالنَّبِيُّ نبيُّكم = وربُّكُمُ الرحمنُ بشِّرَ بالنَّصرِ
حباكم بوحيٍ لم يُحَرَّفْ ولم يزلْ = تطأطئُ إنْ يُتلى جباهُ أولي الكفرِ
فما بالكم هِمْتُم على غيرِ وجهةٍ = كأنَّكمُ الغاشي بليلٍ بلا وكْرِ
وعندكُمُ القرآنُ ماضَلَّ مَن به = أنارَ دروبَ السَّعيِ في المسلكِ الوعرِ
فثوبُوا إلى ذي العفوِ تُغفَرْ ذنوبُكم = وتُدركْ مساعيكم برحمةِ ذي البِرِّ
***= ***
بلادي : شعوبُ المسلمين ورايتي = ترفرفُ بالإسلامِ ذي العزِّ والطُّهرِ
وقد نُصِرَتْ بالرُّعبِ في كلِّ غزوةٍ = وفي كلِّ حربٍ في البحارِ أو البَرِّ
فما لشعوبٍ هيَّأَ اللهُ نصرَها = تنامُ على ضيمٍ وتصحو على ضيرِ !
وتركعُ للطاغين وهنا و ذلَّةً = وتشكو من البغيِ المبرِّحِ والضُّرِّ
ألا إنه القرآنُ إن قادَ أمَّةً = فلن يذرَ الطاغوتَ ينهشُ بالفكرِ
فلو كبَّرَتْ تلك الشعوبُ لدينها = تلاشت قوى الأشرارِ والعبث المزري
وتلتحفُ الأرواحُ شوقا رفيفَها =ففي القلبِ مافي الروحِ من وهجٍ يغري
تمرُ الليالي كالحاتٍ يُنيلُها = إباءُ كرامِ الناسِ صبرًا من الصُّبرِ
يجددُ ثوبًا طرَّزتْهُ شريعةٌ = يفوحُ به المجدُ المؤثَّلُ بالخيرِ
فقد بارك الرحمنُ عمرًا تمدُّه = مثاني الهدى بالنُّورِ والصدقِ لا الهجرِ
وما هذه الأيام إلا منازلٌ = تُمَيَّزُ بلواها الذليلَ من الحُرِّ
غدا من جُذى الإسلامِ نوقدُ نارَها = ونحرقُ أوراقَ الضَّلالِ على الجمرِ
***= ***
وريقاتُ آلامي شجيٌّ كتابُها =فَيُقْرَأُ في نثري ويُنشدُ من شعري
بأحرفه هَمِّي على حالِ أُمَّتي = ويقعدني لولا اليقينُ عن السَّيرِ
ولكنني أرنو إلى فضلِ خالقي = فيسعفُني سبحانه بيدِ الوفرِ
وتملأُ دنيايَ التي ضاق رحبُها = سكينتُه كالعارضِ انْهَلَّ بالقَطْرِ
فَيُروَى بأحنائي اشتياقُ تولُّعي = فألقى به علمَ اليقينِ بلا نُكرِ
فتخبتُ بالإيمانِ نفسي مُطوَّقًا = بفضلٍ من الباري الكريمِ مدى عمري
وإني على عهدِ الوفاءِ ولم أزلْ = وإني فخورٌ ياهشامُ بذا الذُّخْرِ (6)
فقدناكَ بَرًّا في الفراتِ مجاهدا = صبورا على الشِّدَّاتِ في ساعةِ العسرِ
سألتَ إله العرشِ يومًا شهادةً = فنلتَ بها الفردوسَ طوبى لذي القَدْرِ
هنيئا أخي تلقى النَّبيَّ وصحبِه = وتنعمُ بالرضوان معْ أجزلِ الأجرِ
وإنا وإن جارَ الطغاةُ لعهدُنا = بإثرِك باقٍ ليس يفنى مدى العُمرِ
لقد صانَ ربِّي رغمَ كلِّ مُمَخرقٍ = حِجانا من البطلانِ والزيغِ والنُّكرِ (7)
ونسألُه حسن الختامِ ولم نجد = سواه لبلوانا ليُمْحَقَ ذو الجَوْرِ
ويكشفَ عنَّا ماعرانا من الأذى = ومن عبثِ الطغيانِ في غُممِ العصرِ
ودنياهُمُ حبلى وهذا مخاضُها = وإنا بواديها نسيرُ على الجمرِ
يُمَدُّ لنا بالصبر دربُ انفراجِها = وحوصلةُ الجاني أقلُّ من الفِترْ (8)
سنشهدُه يومًا قريبًا به انطوتْ =حماقاتُ أهلِ الجَّوْر والبغي والكفرِ
ويرتفعُ التكبيرُ في العالَمِ الذي =شكا وجعَ الطاغينَ في غمرةِ العصرِ
هو اللهُ مولانا فلم نخشَ باغيًا =وفضلُ الكريمِ البَرِّ في طلعةِ النَّصرِ
هوامش :
(1)الدير : المراد مدينتنا ديرالزور .
(2)إشارة إلى الإخوة الذين اعتقلوا من بيوتهم ، ثم تبين أنهم قضوا تحت التعذيب .
(3)الغِمر : الحقد والضغينة .
(4)المجر : الموكب الكبير ، الكثير ، العظيم .
(5)الأحراز : مفردها : حرز وهو المانع من الأذى بإذن الله .
(6)هشام : الأخ الحبيب الشهيد الأستاذ الشيخ هشام بجعة الحاج حميداوي يرحمه الله الداعية المجاهد الشهيد ، وقد قُتل صبرا في سجن بدمشق ، مع عدد من إخوانه أبناء مدينة ديرالزور .
(7) ممخرق : الدجال صاحب الأكاذيب والأباطيل .
(8) الفِتر : مسافة أقل من الشِّبْر .
وسوم: العدد 1079