عنْ أَبِي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ( إِيَّاكُم وَالْجُلُوسَ في الطُّرُقاتِ ) ، فقَالُوا: يَا رسَولَ اللَّه، مَا لَنَا مِنْ مَجالِسنَا بُدٌّ، نَتحدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: ( فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ ) ، قالوا: ومَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ: ( غَضُّ الْبَصَر، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بالْمَعْروفِ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرِ ) متفقٌ عَلَيهِ.
أعطوا الطريقَ الذَّوقَ والآدابا= وارعوا حقوقَ الآخرين رِغابا
كفُّ الأذى والأمر بالمعروفِ من=صفةِ الذي لم يرتض التَّلعابا
وعلى الطريقِ لكلِّ مَاشٍ حقُّه=وعليه ألاَّ لايجلبَ الأتعابا
والمكرماتُ من المزايا لم تزل=لاتهملُ المعروفَ والأسبابا
والسيرُ في الطرقاتِ يفرضُ واجبًا=جعلتْه أنظمةُ المرورِ خطابا
إن كنتَ تمشي فاحذرَنْ خطأَ الذي=حمل الأذى وعن الحقوقِ تغابى
إنَّ الفضائلَ منهجٌ لَكُمُ بها = تلقوْنها سِيرًا أتَيْنَ عِذابا
وتواضعوا إنَّ التَّواضعَ دوحةٌ = مُثلَى تُظِلُّ أحبَّةً وصِحابا
ماعاشَ بالمرءِ المؤدَّبِ مَنْ طوى = بيدِ التَّهوُّرِ والضَّياعِ لُبابا
يُؤذي بسرعتِه المشاةَ ، وربَّما = جلبَ المصابَ المرَّ والأتعابا
وأباحَ أمنَ النَّاسِ غيرَ مهذَّبٍ = وبلهوِه قد أرهقَ الأعصابا
قطعَ الإشارةَ هازئًا ومخالفًا = وجنى القطافَ مرارةً وعذابا
كم ميِّتٍ في القبرِ يشكو سائِقًا = ظلمَ القيادةَ مجرمًا لعَّابا
***=***
حقُّ الطريقِ رسالةٌ لِمَن امتطى = ظهرَ الدروبِ ، يصونُها جوَّابا
يرعى بها قيمَ المودةِ باذلاً = شيمَ المسافرِ جيئةً وذهابا
فيها من الخُلُقِ الكريمِ فرائدٌ= لمَّا تزلْ لأُولي العقولِ رِكابا
أغنى بها الإسلامُ أكرمَ أُمَّةٍ = نالتْ بها التقديرَ والإعجابا
قد سُخِّرَتْ للسَّيرِ كلُّ مطيَّةٍ = للناسِ حتى يشكروا الوهَّابا
فالفلكُ ، والخيلُ الكريمةُ لم تزلْ = مع ما أتى في حقبةٍ إذْ طابا
من مركباتٍ حُلوةٍ جلَّ الذي = وهبَ العقولَ ويسَّرَ الأسبابا
فتقاربتْ دنيا الورى وتواصلتْ = والسَّعيُ أدأبَ في المدى إدآبا
فالحمدُ للهِ الذي أزجى لنا = من فضلِه مابدَّدَ الأوصابا
وأزالَ وعثاءَ الطريقِ وقد طوى = بُعدَ الدروبِ ، وقرَّبَ الآرابا
الحامدون التائبون لربِّهم = آبوا ، وما برحوا له طلاَّبا
فالبِرُّ والتقوى لهم زادٌ وفي = آدابِهم تلقى الرضا أثوابا
وعلى الطريقِ لهم مآثرُ جَمَّةٍ = لم تُلفِ فيهم عابثًا مرتابا
لم يرتضوا الأخطاءَ في عدواتِهم = ورأوا على نورِ النِّظامِ صوابا
يرعونَ حقَّ الناسِ ، حقَّ أمانِهم = وحقوقَ من صاغوا النظامَ خِطابا
كم سائلٍ للأمنِ إنْ جدَّتْ به = في الدَّربِ مركبةٌ يريدُ جوابا
فيراهُ عندَ المؤثرين صِحابَهم = بمودّةٍ في السَّيرِ والأحبابا
بذلوا الإخاءَ مع المحبةِ إنَّهم = بسطوا الرِّداءَ ، وفتَّحوا الأبوابا
ماروَّعوا أحدًا هناك وخالفوا = نُظُمَ المرورِ ، وأقلقوا الرُّكَّابا
أخلاقُهم قادتْ خُطاهم للمُنى = بالمركباتِ مودَّةً وثوابا
ماخابَ مَنْ يرعى فضائلَ دينِه = طولَ الطريقِ ، ويؤثرُ الأترابا
إنَّ القيادةَ ليس يصلحُ شأنُها = لمَن استغلَّ غرورَه وتغابى
ورأى بها في اللهوِ مركبَ خِسَّةٍ = لاتستقيمُ ، فكشَّرتْ أنيابا
وإذا بآفاتِ الحوداث لم تكنْ = إلاَّ شقاءً مؤلمًا و خرابا
كم بسمةٍ للطفلِ أطفأَ نورَها = مستهترٌ ، ساقَ الحِمامَ مصابا
وأبٍ تساقيهِ الفجيعةُ كأسَها = مُرًّا ، وأُمٍّ قد بكتْ مَنْ غابا
وأخٍ على سُررِ المشافي راقدٍ = عانى ، وأهدرَ قوةً وشبابا
تنتابُه الحسراتُ بعدَ مصيبةٍ = فاتَ الأوانُ ، فلم يَعُدْ وثَّابا
إذْ كانَ يهزأُ بالنَّصائحِ معرضًا = يبني من الطَّيشِ البغيضَ سرابا !
قد ألبسَ الأيامَ رثَّ فعائلٍ = سودٍ ، فبئستْ للشبابِ ثيابا !
وأضاعَ ممتلكاتِه في سوقِ حادثةٍ . = ... يداها لاتُجيدُ حسابا
أين العقولُ ؟ أفي الحضارةِ ضُيِّعتْ ؟ = إنَّ الحضارةَ تُكرمُ الألبابا
والتَّقنياتُ جديدُها يحلو إذا = راعى الفتى بهُدَى العقولِ رِغابا
وأجادَ شكرَ الَّلهِ حيثُ أمدَّه = بالعقلِ حتَّى يعلمَ الأسبابا
ويردَّ بالرَّأيِ القويمِ جِماحه = وتطيبَ وِجهةُ رُشدِه لو ثابا !
***=***
حقُّ الطريقِ ، وليس يجهلُه امرُؤٌ = في العالمين ، وبالنِّظامِ أهابا
يستعذبُ القيمَ الرفيعةَ مسلمٌ = ماردَّها وعيُ الفتى أو حابى
نورُ الشَّريعةِ لم يدعْ من ظلمةٍ = تطغى ، وتطفئُ ضوءَها الجذَّابا
فلكلِّ أمرٍ فيه خيرٌ للورى = نهجٌ أفاضَ قَرَاحَه أكوابا
حقُّ الطَّريقِ على الطريقِ أنالهم = شرفًا سما بيدِ الإخا وثوابا
يخشى الحصيفُ إذا أخافَ بدربِه = أيَّ امرئٍ ، ولغيرِه ماعابا
متواضعًا للخلْقِ في روحاتِهم = وهو الأشدُّ ولم يكنْ هيَّابا
فاخفضْ جناحَكَ ، لاتملْ كِبرًا ولا = تجعلْ قيادتَكَ الحديدَ ضِرابا
علِّمْ سواكَ دروسَ دعوتِك التي = صاغتْ لأمنِ العالمين كتابا
وابذلْ بسيرتِكَ الرَّضيةِ منهجًا = أضحى لكلِّ السائلين جوابا
فسِماتُها كادتْ تذوبُ بلهوِ مَنْ = جعلَ الأسافلَ ويلَه أربابا
ما كانَ منَّا مَنْ نأى عن شرعِنا = وإلى المآثرِ والهدى ما آبا
أنا لاأرى فيمَنْ يُمرِّغُ وجهَه = بالموبقاتِ ... الخيرَ والآرابا
ومَن ارتضى سوءَ السُّلوكِ بفعلِه = وأقامَ دونَ المكرُماتِ حجابا
علكتْهُ أشداقُ الحوادثِ ، فارتمى = شلوًا ، يبعثرُه الضياعُ غِلابا
يا أيُّها الجيلُ الذي نهبتْهُ من = فيءِ الربيعِ يدُ الشَّقاءِ مُصابا
أُبْ للفضيلةِ ، والتفتْ لسُمُوِّها = تلقَ الليالي حلوةً وعِذابا
كم حسرةٍ جرَّتْ بعبءِ توجُّعٍ = لومًا ، وما هو دافعُ ما نابا
من يرتضي السَّعيَ المحمَّلَ بالفنا = طوعًا ، ويقبلُ أن يخوضَ عبابا !
وتسوقُه قدماهُ لا لفخارِه = لكنْ لكيْ يلقى الهوانَ ذُنابا !
يا أيُّها الجيلُ المخيِّبُ ظنَّنا = مازلتَ رغمَ ظنونِنا وثَّابا
للمجدِ بالقيمِ الرفيعةِ والهدى = تُحيي شبابَك رفعةً و صوابا
وتردُّ زيفَ حضارةٍ ملعونةٍ = آثرْتَ فيها اللهوَ والتَّلعابا
يا أيُّها الجيلُ امتطيْتَ خيولَها = فأعدْ لها الإكرامَ والأنسابا
واجعلْ لأمتِكَ العزاءَ مراودًا = تشفي بكُحلِ حجازِها الأهدابا
لاريبَ أنَّ الفتحَ ينفضُ ماعرا = ويداكَ تصنعُ ركبَه الغلاَّبا