رُدَّ لي عهدَ صبوتي وافتتاني = بلذيذِ اللقا وعَذبِ التَّداني
واسْقِ قلبي من الرحيقِ المصفَّى = إنَّ قلبي خوى من الحرمانِ !
قد تناءى فَأنْزِلَنْهُ بوادٍ = غيرِ ذي زرعٍ في ربوعِ الأمانِ !
ضاقَ ذرعًا وللبعادِ اقترانٌ = بلهيبِ الأشواقِ أَيَّ اقترانِ
إذْ طوتْ جفوةُ الحبيبِ بعينيْهِ = ابتهاجًا تضمُّه المقلتانِ
يومَ أغضى على الفراقِ فأشقى = قلبَه المسترقَّ للنُّدمانِ
وقضى النأيُ حكمَه فمع الشوقِ = بذا الحكمِ ليس يختلفانِ
أمعَنَا في عذابِ نفسٍ ترامتْ = وبأحلى عذابِها يمعنانِ
ماصبا يومًا والصَّبابةُ ضجَّتْ = بينَ أحناءِ قلبِه الظَّمآنِ
عن يدِ الأُنسِ في مراتعِ روحٍ = منعتْها عن أفْقِها راحتانِ
يتوخَّى قرْبَ الدِّيارِ ولولا = حرَّتاها لَمَا سعتْ قدمانِ
ذاكَ مغنى الحبيبِ والنَّفسُ تاقتْ = إذْ تراءى السَّنى بخضرِ المغاني
وتثنَّى الربيعُ زهوًا وفاحتْ = جنباتُ الربوعِ بالريحانِ
والبشاراتُ في الورى جلبتْها = عاطراتٍ قوافلُ الرُّكبانِ
والحكاياتُ قبلُ تنقلُها الجِنٌّ = بأُمِّ القرى بكلِّ لسانِ
وُلِدَ النُّورُفانجلى الفجرُ واستيقظَ = من طولِ نومِه الإنسانُ
واشرأبَّتْ أعناقُ ليلٍ طويلٍ = مذعناتٍ للواحدِ الدَّيَّانِ
وتنادتْ إلى النِّداءِ جموعٌ = سلبتْها الهدى يدُ الشَّيطانِ
يومَ أصغتْ وما النِّداءُ بِمُجدٍ = حينَ لايُلفي الشَّوقَ في الآذانِ
ووعتْهُ القلوبُ مشتعلاتٍ = بجُذى الغيبِ والسَّنا الرَّباني
هكذا كُنَّ قبلُ في غفلاتٍ = مذعناتٍ لسطوةِ الأوثانِ
تؤثرُ التِّيهَ والضَّلالةُ تعمي = لابعقلٍ صحتْ ولا برهانِ
تشتريها بضاعةً لامتهانٍ = كفُّ أهلِ التَّبارِ والخسرانِ
وإذا القلبُ بيعَ فالغِلُّ يُدمي = بِيَدَيْ مُشتريهِ والأعوانِ
يتغنَّى وللصَّدى حسراتٌ = من شقاءٍ ومن لحونِ امتهانِ
هكذا قبلُ كُنَّ وارتجفَ السِّمسارُ = لمَّا وافاهُ صوتُ الأذانِ
وتحامى برهطِه يتفادى = مالهذا الأذانِ من تبيانِ
وتناسى أو لم يُعِرْهُ اهتمامًا = مشمخرًّا بالإثمِ والشَّنآنِ
لم يصدِّقْ أنَّ الحقيقةَ تمحو = بيديها مزاعمَ البطلانِ
إنَّه النُّورُ أيُّها الواهمُ اليومَ = استنارتْ به فجاجُ الزَّمانِ
وأتى الفتحُ من إلهٍ قديرٍ = جلَّ من راحمٍ ومن رحمانِ
بِنَبِيٍّ والَّلهِ يُفدَى بروحٍ = وبأهلٍ والَّلهِ والعقيانِ
مَنْ يُكذِّبْهُ إنَّه لجديرٌ = بجنونٍ وخسَّةٍ و هوانِ
جاءَ للخلقِ رحمةً فاستظلَّتْ = أُممُ الأرضِ بوركتْ بالمثاني
وبخَيْرَيْ دنيا وأخرى وعزٍّ = لايُدانَى ونعمةِ اطمئنانِ
وخلودٍ في جنَّةِ الخُلدِ يُنسِي = مايلاقي الفتى من الحدثانِ
سيِّدي سيّدي وأنت المرجَّى = يومَ وضعِ الأعمالِ في الميزانِ
قد حثثْتُ الخطى إليكَ وإنِّي = ياحبيبَ الرحمنِ في أشجاني
في الدروبِ العجافِ أمشي غريبًا = مثقلاً بينَ وطأةِ الأحزانِ
لاأُداري الأيامَ تبَّتْ يداها = خوفَ مافي الأيامِ من طغيانِ
أو أُحابي أهلَ المناصبِ مهما = زأرَ الضِّيقُ بالأسى العريانِ
أو أُمنِّي نفسي التي مالوتْها = عاصفاتُ الأرزاءِ في ميدانِ
بسرورٍ يأتي به الحظُّ يومًا = أو مراحٍ مجنَّحٍ بالأماني
مُذْ أطلَّ الصباحُ ذاتَ ربيعٍ = في دويراتِ نشأتي وافتتاني
كانَ حبُّ النَّبيِّ زادي وفخري = واعتزازي لقلبيَ المتفاني
ورشادي إذا الدروبُ ادلهمَّتْ = بعُواءِ الأشرارِ والذُّؤبانِ
لم أُفرِّطْ ولن أُفرِّطَ يومًا = بيقيني الذي يصونُ كياني
أو بهذا الهوى لأجلِ حياةٍ = لاتساوي حثالةَ الفنجان
إنَّ مَنْ يعرف الحقيقةَ أولى = أن يردَّ التفاتةَ الخذلانِ
للدنايا وللسفاسفِ تُغري = مَنْ توانى عن مدرجِ الإحسانِ
حيثُ وافى مع الأماني شبابًا = ضاعَ في حمأةِ الهوى النشوانِ
ربِّ رحماكَ لاتُضيِّعْ عهودًا = ملأتْها حلاوةُ الإيمانِ
وترفَّقْ ياربِّ إنِّي مشوقٌ = لرضاكَ المأمولِ والشُّكرانِ
ماتراءيْتُ ربِّ فوقَ سبيلٍ = ليس يُكسَى من محكمِ القرآنِ
أو تلوَّيْتُ في مفازةِ زورٍ = ويحَ نفسي أو غيهبٍ من دخانِ
ما أراني الإيمانُ غيرَ انعتاقٍ = يتوخَّى طهارةَ الوجدانِ
راقَ لي نفحُه الأثيرُ وأوفى = ما أتاني من فائح البستانِ
فرأيتُ الحياةَ مجلى فرارٍ = من وباءِ اعتدادِنا الشيطاني
لقرارِاهتدائِنا بِنَبِيٍّ = هلَّ نورًا أضاءَ في الأجفانِ
فالليالي بوجهِه مقمراتٌ = والنجومُ الحِسانُ في الأكوانِ
وحُداءُ الرُّكبانِ أبدله الهادي = بتكبيرِ جندِه الفرسانِ
لصداهُ الطَّاغوتُ أذعنَ خوفًا = وتخلَّى هذا الجبانُ الأناني
واستدارَ الزمانُ إذْ عزَّ قومٌ = بتعاليمِ سُنَّةِ العدناني
مالهذا الربيعِ عنَّا تناءى = فالتجأنا لوهنِنا والهوانِ !
وعثرْنا ولم نجدْ مَنْ يُعزِّي = مبتلانا من القلوبِ الحواني !
وانهزمنا فكيف نُنصرُ والعزمُ = أسيرُ الفتورِ لا العنفوانِ !
وصحونا ودارُنا في حصارٍ = من ثقيلِ الفولاذِ والصَّوانِ !
آهِ ما أوثقَ القيودَ على الناسِ = استعادوا الإباءَ بعدَ التَّواني
وأجلَّ الخطوبَ أعمى أذاها = من قلوبٍ ومن عيونٍ روانِ
آهِ ما أصدقَ الكذوبَ إذا ما = سوَّقَ الوهمَ بالقنا والسِّنانِ
أسمعيني يانفسُ ممَّا حبانا = ربُّ هذا الوجودِ من إيقانِ
واقرئي بعضَ ماحفظتِ من المجدِ = فإنِّي في حبِّه متفانِ
ردِّدي سورةَ البراءةِ ممَّا = نحنُ فيهِ من غفلةٍ وتوانِ
وأعيدي الأنفالَ يُزجي شذاها = ضبحَ خيلِ يومَ التقى الجمعانِ
أينَ مَنْ بايعوا الإلهَ ففازوا = شهداءً في وقعةِ الفرقانِ !
الربيعُ الفوَّاحُ غيرُ بعيدٍ = عن مغاني الفداءِ والفرسانِ
هو في أوجُهِ الهُداةِ وفي أحناءِ = جندِ الإسلامِ حين الطِّعانِ
وتعودُ الآياتُ تُتلَى فطوبى = لأولي الذِّكرِ أُولِعُوا بالمعاني
إنَّني قد أقسمتُ باللهِ يومًا = قسمًا ليس فيه من نكرانِ
أنَّ نصرًا لأمَّتي لم يكنْ إلاَّ = بيسرى شريعةِ الرحمنِ
في الزمانِ القديمِ أو في زمانٍ = يتباهى بالتَّقنياتِ الحِسانِ
فلكلِّ الرَّاياتِ يومُ سقوطٍ = في المدى غيرَ رايةِ القرآنِ
مابلغْنا العلى ونلنا المعالي = ذاتَ يومٍ بالذُّلِّ والإذعانِ
قد تحاشى لقاءَنا ملكُ الصِّينِ = زمانَ اعتزازِنا بالمثاني
يومَ داسَ المجاهدون على الزَّيفِ = وعافوا بهارجَ العبدانِ
واستظلُّوا بالسَّيفِ حينَ مقيلِ الجندِ = تاقتْ نفوسُهم للأوانِ
ربِّ عادَ الربيعُ فاجعلْهُ فتحًا = باسمَ الفجرِ عاطرَ الأردانِ
وأعدْ فيه وعيَنا وهُدانا = وانتشِلنا من فتنةٍ وافتتانِ
وأجرْنا من شرِّ طاغٍ وغازٍ = وزنيمٍ معربدٍ وجبانِ
ومن الوهنِ شِدقُه يأكلُ الصَّحوةَ = في ملهى خِسَّةٍ وأغاني
ربِّ عادَ الربيعُ فاجمعْ سراياهُ = على البِرِّ والإخا الإنساني
وارحم الخلقَ إنَّهم بينَ فكَّيْ = مَنْ تمادوا بالإثمِ والعدوانِ
لم يزلْ للنَّجاةِ سِفرَ حبورٍ = حيثُ يُزجي للعالمين التَّهاني