كلُّنا السِّنوار

من قال إنَّ جهادَنا خوَّارُ؟

؛فالسَّيف يلمعُ والرَّدى بتَّارُ

يمضي على دربِ الكفاحِ كميُّنا

ولنا بجوفِ الأَرضِ بعدُ بذارُ

والأرضُ حُبلى سوف تُنبتُ جذوةً

ولسوف يخلُفُ بعدَهُ عُمَّارُ

هذي فلسطينُ التي نحيا بها

...نحيا بيحيى إنْ عَرَاهُ عثارُ

هو لم يمتْ بل خطَّ ألفَ رسالةٍ

ولَسوفَ تُتلى ما بدَتْ أقمارُ

ولئن مضى يحيى لجنَّةِ ربِّهِ

فغداً سيُولد مُشرقاً سِنوارُ

مليون سنوارٍ سيخلُفُ في الوغى

فحِمامُهُ رغمَ الرَّدى إعصَارُ

ما ماتَ من سقطَ الغداةَ وشعبُهُ

خلفَ السلاحِ ... ودمُّهُم فوَّارُ

فرحَ القميءُ بموتِهِ مستبشراً

والفضلُ إنْ فرحوا بذا الكفَّارُ

كم ذا قضيْتَ بسجنِهِم مستبسلاً

وخرجْتَ تبني الأرضَ وهْي قفارُ

يا يوسفَ الصِّدِّيقَ كم جاهدْتَهُمْ

ونصحْتَ إخوتَكَ الذين أغاروا؟

ونفَوْك للجِبِّ العميقةِ في الفلا

وتعاهدوا ... وتزيَّنَتْ أوزارُ

بدراهمٍ معدودةِ وحقيرةٍ

بيعتْ قضيةُ قدسِنا ... والدُّارُ

يا ويحَ عُرْبِ اليومِ ما أحرى بهم

لو أمَّهُم في بأسِهِمْ سنوارُ!!

وبنيْتَ جيلاً مؤمناً بجهادِهِ

باعوا الحياةَ وأزَّهم إصرارُ

وبنيْتَ للطُّوفانِ سداً مانعاً

ومضَى السَّفينُ يزفُّهُ التَّيارُ

سنةٌ تقودُ غمارَنا .. وجحيمَهم

كم ذا رموْك بأنَّك الفرَّارُ ؟!

بل أنتَ في يومِ الكريهةِ مُقْبلٌ

لا مدبرٌ .. ترجو العلا ... كرَّارُ

كابنِ الوليدِ بيومِ مؤتةَ قائداً

قد قالَهَا فُوهٌ بذا مِعطارُ

قالوا اختبأْتَ بتحتِ أرَضٍ هارباً

فبرزْتَ ترمي .. والقِسِيُّ أُوارُ!

وبهتَّهم بالنَّارِ تشوي أكبداً

ورقيْتَ للحيِّ الذي يختارُ

فالله اصطفاك إلى السَّماءِ تكرُّماً

طُوبى لك الجنَّاتُ والأنهارُ

إنَّ الشَّهادةَ باتِّخاذٍ مُكرِمٍ

للمؤمنين ومِنَّةٌ .. وفخارُ

لا تحسبنَّ مماتَهُ كمماتِنَا

إنَّ الشَّهيدَ لهُ العُلا ... والدَّارُ

فرِحٌ بما آتاهُ ربٌ منعمٌ

مستبشرٌ كي يَقْدُمَ الأبرارُ

كم ذا رموْكَ بزورِهِم ونعيبِهِم

وصموكَ أنكَ قابعٌ منهارُ

فسَطَرتَ في الموتِ العظيمِ صحائفاً

تزهو بهنَّ وتعبقُ الأزهارُ

أقبلْتَ تقذفُهُم شواظاً من لظىً

لا مدبراً ... بل زاحفٌ جرَّارُ

وقهرْتَهم بالموتِ طُراً والرَّدَى

هذا سبيلٌ للعُلا ... والغَارُ

قاومْتَ رغمَ الجرحِ تُصليْهم لَظَىً

وذراعُك اليمنى دمٌ مدرارُ

وحملْتَ باليسرى عصا لتروعَهم

فذٌ كميٌّ ... باسلٌ جبَّارُ

وتذبُّ عنكَ "دْرُونَهُمْ" بشجاعةٍ

بعصاً "لموسى" أيُّها البتَّارُ

تلكم عصاك تهشُّ أبأسَ كشحهِم

وبها القرودُ تُهشُّ والأبقارُ

هذي عصاك بفضلِ ربِّك حيَّةٌ

وعِصِيُّهم وحبالُهم أحجارُ

فاصدعْ بما تؤمرْ وجاهدْ وانتصرْ

واصعدْ إلى العلياءِ يا طيَّارُ

"فلجعفرٍ" قِدْماً سموٌ في العلا

ولقد سموْتَ وسيفُك البتَّارُ

هذي العصَا سيفٌ يقضُّ مضاجعاً

ويدٌ تسيلُ بجرحِهِا الأوتارُ

"شوكٌ" كتبْتَ وإنَّ نهجَكَ شائكٌ

ولدى "القرنفلِ" تعبقُ الأزهارُ

صنَّفْتَ في المِيْتاتِ عدةَ أوجهٍ

ورجوْتَ حَيْنَاً يعتليهِ الثَّارُ

فرُزقْتَ موتاً واقفاً ومصابراً

متسامقاً ... وكذلك الأشجارُ

في ستِّ ساعاتٍ صمدْتَ مبارزاً

وسَطَرْتَ نهجاً قد حكتْهُ النَّارُ

يا قائداً في الأوَّلين مقدَّمٌ

ولرأسِ حربةِ جيشهِ يُختارُ

آثرْتَ جندَكَ فانبريْتَ إلى الوغى

فغدوْتَ نبراساً بهِ الأنوارُ

وذوو النَّياشين انزَوَوْا في كهفِهِم

ولبثْتَ تنزفُ ... والرَّدى هدَّارُ

حجزوا رفاتَكَ خِسَّةً ومهانةً

يغشَى وجوهَهُمُ الخَنَا والعَارُ

وسموْتَ بالرُّوحِ الشفيفِ إلى السَّمَا

مَا ضَرَّ جسماً لو عَرَاهُ قَتَارُ

ظنُّوا بموتِك أن تكِلَّ عزائمٌ

هيهاتَ ... موتُكَ شعلةٌ وأوارُ

فلقد أضَأتَ على الطريقِ منائراً

فدمُ الشَّهيدِ إلى السُّراةِ منارُ

سنظلُّ نقبسُ من دماكَ لهيبَنَا

حتى يُنَالَ النَّصرُ والأوطارُ

يحيى .. ونحيا ... والدروبٌ طويلةٌ

حتَّى يُفكَّ عن السَّجينِ إسَارُ

فالقدسُ ترقُبُ والدُّموعُ هواملٌ

وغداً سيُؤخذُ حقُّنا .. والثَّارُ

وغداً سيخلُفُ ميْتَنَا مليارُ

إذ كلُّنا يومَ الوَغَى سِنوارُ

وسوم: العدد 1099