*** ***
وقفنا نناديهم وفي القلبِ غصَّةٌ= وفي اليدِ من أوجاعنا جمرُ
نحذِّرُهم من شرِّ ناسٍ تكالبُوا = عليهم ومن أضغانِ صدرِهم الشَّرُّ
ولم تُرهبِ الأبرارَ سطوةُ حقدِهم = ولا أفزعَ الأطفالَ إذ بوغِتوا النَّحرُ
تمادتْ أيادٍ للطغاةِ فأمعنتْ =بأمَّتنا قتلا فدينُهُمُ الغدرُ
ولكنَّه الديَّانُ يمهلُ مَن طغى =وللظالمِ الملعونِ من ربِّنا الخُسرُ
هوامش :
(1) كناية عن المواقف البطولية على مدى التاريخ.
(2) الغِمرُ : بكسر الغين : الحقد
(3) الأسداد : الحواجز والموانع
(4) الوجى :كون المشي حافيا
هو الشرعُ مغناها وإن أبعدَ الدَّهرُ = قلوبًا أبتْ ، والَّلهِ ، أن يُهجَرَ الفخرُ
فلو خيَّرونا بين ألفِ شريعةٍ = تميسُ بزيناتٍ لَمَا عافَها الحُرُّ
وليسَ لقلبٍ يعشقُ الشرعَ والهدى = سيصغي إذا أغراهُ في غيرِها عمْرُو
يقولون : زيناتُ التحررِ قد دنت = فأقبلْ عليها ، قد أضرَّ بك الهجرُ
فقُلْتُ : اختبرتُم ميلَ نفسٍ مَراحُها = مباهجُ شرعِ اللهِ ماضرَّها الشرُّ
حبتْها يدُ الرحمنِ إذْ سجدتْ له = فما لاكها كفرٌ ، ولا عابها وِزرُ
وأخبتَ هذا القلبُ للهِ مؤثرًا = حديثَ رسولِ اللهِ مانابَه الخُسرُ
وأمرعَ بالإيمانِ فيه سُمُوُّه = وزهوُ مثاني الذِّكرِ مبسمُها نَضْرُ
لأمَّةِ خيرِ الخَلْقِ جاءتْ أثيرةً = فما أقفرتْ يومًا ولا أجفلَ القطرُ
رفيفُ مغانيها تراثٌ مجنَّحٌ = كرائعِ ومضِِ الفجرِِ والفجرُ مُفترُّ
وأقطارُها النشوى بفطرةِ ربِّها = وأهلِ بيوتِ الخيرِ مافاتهم بِرُّ
تباركْتَ ياربِّي ففضلُكَ سابقٌ = وجودُك فيَّاضُ لكَ الحمدُ والشُّكرُ
وليس افتتاني بالحضارةِ غيَّرَتْ = مآثرَ في أحنائِها الحُسنُ والوَفْرُ
أُقلِّبُ طرفًا ماقلاها ، وإنَّما = لغربتِها العجفاءِ في عصرِنا عُذرُ
وما استوقفتْني روعةُ الصُّنعِ في الورى = ولم يَسْبِ قلبي اليومَ صَرحٌ ولا جِسرُ
وليستْ مُنَى نفسِ الأبيِّ بمَعْلَمٍ = وإن زوَّقَتْهُ الأنملُ الخمسُ والسِّحرُ
ولا بانغماسِ النَّفسِ في لججِ الهوى = وللنَّفسِ آمالٌ مطامعُها كُثْرُ
إذا لم تُجدِّدْ هذه النَّفسُ شأنَها = فما قيمةُ الَّلذَّاتِ نغَّصَها الإصْرُ!
أُهنِّئُ قومي للنهوضِ تسابقوا = على مدرجِ العلياءِ حثَّهُمُ الأجرُ
فألفوا بمثوى الفضلِ ديوانَ مجدِهم = حفيًّا بما قد سطَّرتْ ذكرَه السُّمرُ (1)
مداراتُهم أرقى وأسمى مكانةً = ومطمحُ صيدِ القومِ أنجُمُها الزُّهرُ
توالت وللأيامِ إقبالُ فتنةٍ = وإدبارُ معروفٍ يناجزُه الغِمرُ (2)
ولكنَّها فيهم أصالةُ محتدٍ = تقيمُ وفي جوزائِها لهُمُ القَدْرُ
أماجدُ ما أجلاهُمُ الضُّرُّ عن هوى = تسامى بهم ، فالقومُ درعُهُمُ الصَّبرُ
ولا خلعوا سيماهُمُ عن وجوهِهم = ومن غمرةِ الأرزاءِ حظُّهُمُ النَّصرُ
فسبِّحْ بحمدِ اللهِ أرسى يقينَهم = وقد ثبتتْ أقدامُهم ، وانجلى اليُسرُ
فلو أُقحِمُوا في مهمهٍ ماتراجعوا = وإنْ عصفتْ فيه الرياحُ لها زجرُ !
كرامٌ أباةٌ ماارتضوا غيرَ ربِّهم = فمنه الرِّضا والحفظُ والفتحُ والأزرُ
ومنْ لاذَ بالدَّيَّانِ دانَ لصبرِه = خميسُ الرزايا السُّودِ دافقُه دَثرُ
فأبشرْ أخا الإسلامِ كفُّكَ لم يزلْ = سخيًّا نقيًّا لايجانبُه القطرُ
بشرعٍ سما ، والوَدقُ هلَّ : كلاهُما = من اللهِ فَلْيذهبْ بحسرتِه العُسرُ
وأُفقٌ تغشّتهُ الكروبُ لحكمةٍ = ستجلوهُ توباتٌ ، ويعقبُها البِشرُ !
بأشعثَ مغبرِّ الملامحِ مخبتٍ = لربِّ الورى باكٍ بجعبتِه سِرُّ !ّ
ينادي وضيقُ الصَّدرِ ما كانَ مانعًا = لصوتٍ مضى للهِ يرفعُه الطُّهرُ
دعاءُ قلوبٍ لن يغيِّرَها النَّوى = ولا كفَّ فحواها الأسى والدُّجى الوعرُ
وعندَ إلهِ العرشِ مأوى لأهلِها = ولن يُطردَ المضطرُّ أثقلَه الإصرُ
وما من أذى كسرٍ لديه يُعيقُه= فإنَّ لدى الرحمنِ ربِّي له جبرُ
يفرِّجُ ربُّ الخلقِ همًّا وكربةً = فكيف وهذا القلبُ ياصاحِ مضطرُّ !
وقال رفاقُ الدَّربِ والغربة التي = رأتْ شجوَنا الموَّارَ حالفَه الصَّبرُ :
أتنسى أخانا مابليلى وأهلِها = وشكوى سُليمى مالصرختِها ظهرُ !
وتُغضي عن الآهاتِ صعَّدَها الجوى = بصدرِ بُنَيَّات صِباهُنَّ مزْوَرُّ !
لهنَّ التفاتاتٌ تقطِّعُ أكبُدًا = يفورُ بهنَّ الجَورُ والظُّلمُ والقهرُ !
فقلتُ معاذَ اللهِ والَّلهِ مانأى = فؤادي عن الثَّكلى أو انكتمَ الأمرُ !
بنو أُمَّتي والعصرُ نغَّصَ عيشَهم = فصبحُهُمُ غمٌّ وليلُهُمُ وعرُ !
وأحوالُهُم مابينَ وهْنٍ وحيرةٍ = تقلِّبُها الأرزاءُ ، والألمُ المُرُّ !
ولكنَّها الرُحمى التي ماتصحَّرت = فمُدَّخرُ الإيمانِ في قلبِنا ثرُّ !
وأحلى ليالٍ مقمراتٍ تحوَّلتْ = فبئسَ ليالي الهمِّ مازارها البدرُ !
وأغلى نشيدٍ مارعتْهُ يدُ الصَّدى = فضاعَ بلا زُلفى ولم يَسْقِه فجرُ !
فكيف تراني أغمضُ العينَ والجفا = أنابَ الكرى ، فاليومَ في عينِنا شَزْرُ !
خواطرُ صاغتْها أناملُ غربةٍ = وصبرٌ جميلٌ ليس يُنكرُه الصَّدرُ
وليس بهذا لا وربِّي تفجُّعٌ = ولكنْ حديثُ النَّفسِ ترجمه الشِّعرُ
وقد جاءَ رقراقًا كنهرِ يقينِنا = وما عابه طولُ القوافي ولا النَّزْرُ
تخيَّرْتُه سَلسًا كخيلٍ كريمةٍ = تجوزُ على الأسدادِ حفَّزها الكرُّ (3)
وعرَّسَ في نجواهُ حولَ وضاءةٍ = بمنزلِ عُتبَى لايليقُ به الذُّعرُ
وأغناهُ ربُّ الناسِ بالأُنسِ والهنا = وبالقلبِ يحيي جذلَ دوحتِه الذِّكرُ
إذا ما اطمأنَّ القلبُ لم يشكُ أمرَه = ولا ذا الوجى والدَّربُ أشواكُه كُثْرُ !(4)
أُخيَّ أخا الإسلامِ هذي شكايتي = على متنِ ريحِ الشوقِ تحملُها الطَّيرُ
رويدَكَ إنَّ اللهَ بالغُ أمرِه = وما زالَ في النَّاموسِ للمجتنَى قَدْرُ
ونبقى أخا الإسلامِ نحملُ دينَها = ونهوى هواها لن يغيِّرَنا الشَّرُّ
كتبْنا ونبقى كاتبين ، لأهلِها = ولو قُطِّعتْ ظلمًا أصابعُنا العشرُ
وأُلفةُ أهلِ اللهِ بالوُّدِّ لم تزلْ = وخضرةُ مغناها النَّديِّ هما المهرُ
حضارتُهم تفنى ، ويفنى فسادُها = وتبقى خوابي المجدِ ، لم ينفد الذُّخرُ
قلوبُ بني الإسلامِ في يدِ ربِّها = تُغيِّرُ ، والتَّغييرُ : بيدرُه وفرُ
عسى يسمعون اليومَ صوتَ شريعةٍ = ويرحلُ عن آذانِ صدِّهم الوَقرُ !
أتى يومُهم واللهُ غالبُهم وإن =تداعوا علينا والقديرُ له الأمرُ