إلى روح الشهيد البطل : محمد مشرف قاسم في جنَّات الخلود ... إن شاء الله
استُشهد أحمد ولحقه أخوه محمد وهما في ريعان الشباب . فاحتسبه والده لله وسأل ربَّه له قبول شهادته ، واستقبلت الأسرة نبأ استشادهما بالتسليم لله والرضا بما قدَّر وقضى . فكتبتُ لأخي والد الشهيدين معزيا ومذكرا بما للشهداء عند الله ، وبما للصابرين من الثواب : روى الترمذي عَنْ أَبِي سِنَانٍ قَالَ : دَفَنْتُ ابْنِي سِنَانًا وَأَبُو طَلْحَةَ الْخَوْلانِيُّ جَالِسٌ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ فَلَمَّا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ أَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ : أَلا أُبَشِّرُكَ يَا أَبَا
سِنَانٍ قُلْتُ : بَلَى ، فَقَالَ : حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ عَنْ أَب
مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ
قَالَ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ
فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ اللَّهُ
ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ).
صبرًا أخي صبرًا فكلٌّ فانِ =فاظفر أُخَيَّ بطاعةِ الرحمنِ
واحْمدْهُ جلَّ جلالُه فيما قضى= واصبرْ ، فإنَّ الصَّبرَ خيرٌ دانِ
والصَّبرُ عندَ النَّائباتِ غنيمةٌ= تُرجَى لأهلِ الصَّبرِ والإيمانِ
فالموتُ حقٌّ ، والشَّهادةُ منحةٌ =لم تُعْطَ إلا للفتى الرَّبَّاني
ومُحَمَّدٌ نالَ المكانةَ مؤمنًا =فله منازلُ جنَّةِ الرضوانِ
وهو الشَّفيعُ لكم بيوم قيامةٍ= وأخوهُ أحمدُ : ذا شفيعٌ ثانِ
اللهُ ربُّهما أثابَهُما الرضا =في عالَمِ الخلدِ الجميل الهاني
هي لهفةٌ ملءُ الحنايا وَهْجُهَا =قد صعَّدَتْها هِزَّةُ التحنانِ
يجلو بها القلبُ المشوقُ لعالَمٍ= أسمى رؤىً في العالَم الإنساني
هي وقدةُ الروحِ التي لم تستكنْ= للجَوْرِ جاءَ بصبغةِ الإذعانِ
آفاقُها القيمُ الرفيعةُ في الفدا =ريَّانةً كأطايبِ الريحانِ
ضمَّتْ إليها كلَّ شبلٍ خالدٍ =بسِجِلِّ لوحِ المجدِ في الركبانِ
هذا مُحَمَّدُ والبطولةُ دأبُه =إذ عافَ حُرًّا ذلَّةَ الأقرانِ
هتفتْ هنالك باسمه حلبٌ وقد= ربَّتْهُ ديرُالزورِ للميدانِ
والحرُّ لم يصفحْ لباغٍ غادرٍ =أو تَرْمِ بَنْدَ العزِّ كفُّ هوانِ
صانَ العهودَ المرهفاتِ سيوفُها= وقد ارتداها لامةَ الشُّجعانِ
فالخافقُ الهدَّارُ ما أودى به= زيفُ الحياةِ ، وفتنةُ الشيطانِ
والحُرُّ أقسمَ مجدُه ألاَّ يرى= عزَّ الأباةِ بقبضةِ الخذلانِ
ماكان يكتبُ في صحائفِ إرثِه =غيرَ السُّمُوِّ برفعةٍ و تفاني
يستنهضُ الأمواتَ في أرماسِهم= واروا هديرَ الروحِ في الأكفانِ
هذا الشهيدُ وللشهادةِ نفحُها= ورفيفُ طيبِ اليُمْنِ في الأردانِ
فوَّاحة تلكَ الدماءُ وعطرُها= معَ عطرِ دارِ الخلدِ يلتقيانِ
طوبى لك الرضوانُ في فردوسِها =واهنأ مُحَمَّدُ في النَّعيمِ الدَّاني
قد عشتَ في الميدانِ تنتظرُ اللقا =ياطيبَ حُسْنِ الملتقى بأوانِ
فيه التقيتَ بخيرةٍ ممَّنْ مضوا =وبِمَن قضوا من أُمَّةِ العدناني
قَدَرُ الإلهِ ونعمَ أقدارُ الذي =لم يُخْفِ فوزَ شهيدِنا المتفاني
هو عنده حيٌّ ، ويُرزقُ إنَّما= تلفاهُ طيفًا لاحَ في الأجفانِ
والعينُ تبكي يا مُحَمَّدُ رحمةً= ملأتْ فوادَ المؤمنِ الحرَّانِ
والموتُ يابنَ أخي يثيرُ شجونَنا= فتلفنا الأحزانُ بالأحزانِ
فإليكَ من نجرانَ أدمعُ مهجةٍ =قد أثخَنَتْهَا وطأةُ الأزمانِ
فالأهلُ والأحبابُ شتَّتَ شملَهم =صلفُ الخطوبِ وحدَّةُ الطوفانِ
وضراوةُ الأحقادِ من أعدائنا =وشماتةُ السُّفهاءِ في البلدانِ
ومصيرُ ذاك الطفلِ أُغرقَ وجهُهُ= في الشاطئ السَّاجي من الفيضانِ
نَمْ يابُنَيَّ قريرَ عينٍ فاللقا =بمَن استباحَكَ في يد الدَّيَّانِ
ليرى الجزاءَ المرَّ في لججِ اللظى= في الخالدين بمهجةِ النيرانِ
فالحقُ إنْ لم يُحترمْ في عصرِنا =فلظاهُ لا يُبقي انتشاءَ الجاني
كم عربدتْ أُممٌ، وكم هول طغى =من مجرمٍ فظٍّ غليظِ جَنَانِ
فَطَوَتْهُمُ أقدارُ ربِّكَ وانتهى =ماكانَ من بغيٍ ومن كفرانِ
وانْهَدَّ ركنُ الظلمِ من رُجُمٍ أتَتْ= عجلى مُسَوَّمَةً على الأركانِ
يستصرخون ولا مغيثَ يُجيبُهم= إلا الردى في موئلِ الخذلانِ
لم يبقَ إلا الحقُّ ، وانمحقَ الأذى =والظلمُ يفنى بعدَ طولِ رِهانِ
لاتَحْزَنَنْ إنَّ ابنَك المغوارَ لم =يخسرْ سباقَ الرميِ بالمُرَّانِ
وقد امتطاها مؤمنًا في وجهِه= صبحُ الفلاحِ أضاءَ في الأجفانِ
وابنُ الجِنانِ الخُضْرِ سارعَ نحوَها =حيثُ المفازةُ في رضا الرحمنِ
وكأنَّني واللهِ ألمحُ طيفَه =في ظلِّها الممدودِ بالأفنانِ
هاهم بنو القيمِ الرفيعةِ والهدى =داسوا على ترفِ الحياةِ الفاني
واستقبلوا وعدَ الإلهِ بفرحةٍ =مستبشرين برحمةٍ و أمانِ
إذْ حسبُهم أنَّ الشَّهادةَ لم تكنْ= إلا لصادقِ همَّةٍ و طعانِ
ما أعظمَ الشهداءَ في ساحِ الوغى= إذْ بَذْلُهُم للهِ أحمرُ قانِ
للحقِ للإسلامِ للوطنِ الذي =قد مزَّقَتْهُ مُدَى اللئيم الجاني
لبلادِ شامِ المجدِ دمَّرَها العدا =يومَ استباحوا حرمةَ الأوطانِ
ياراحلا عنَّا وطيفُكَ بيننا =تمشي به في دارِنا قدمانِ
أنتَ الفتى قد عشْتَ بالقيمِ التي= جاءت بمحكمِ سورةِ الفرقانِ
شذوُ المزايا لم تزلْ في سيرةٍ =محمودةٍ تنأى عن الشنآنِ
لاتأفلُ الأنوارُ رغمَ رحيلِكم =فَجُذَى مآثرِكم سنى الأحيانِ
كنا على ميعادِ يومٍ تلتقي= فيه القلوبُ بديرِنا النشوانِ
فالحمدُ للهِ الذي رَحَمَاتُه =لعبادِه في السِّرِّ والإعلانِ
جيَّاشةً بالبِرِّ في شهر الندى= تغشى قلوبًا آمنتْ ومغاني
فاهنأ بُنَيَّ أيا مُحَمَّدُ إنَّه =ربُّ الورى ذو العفوِ والإحسانِ
ما خابَ مَن ناداهُ يومَ مُلِمَّةٍ= أو عادَ من ذي الجودِ بالحرمانِ
ياربِّ أدخلْهُ الجِنانَ وأنزلَنْ =أبَوَيْهِ يومَ الحشرِ خيرَ مكانِ
أسْكِنْهُما ياربِّ بيتَ الحمدِ في= فردوسِ أهلِ الصَّبرِ والإيقانِ
واجعلْهُ ياربي شفيعًا إن دنا =يومُ الحسابِ وجيءَ بالميزانِ
لأبيه ثمَّ لأُمِّه ولأسرةٍ =عاشتْ بظلِّ تلاوةِ القرآنِ
وارحمْ بفضلكِ ربَّنا شهداءَنا= بربوعِ شامِ العزِّ والقرآنِ