الفَرَادِيسُ المَفْقودَة
نَادَيْتُهَا .. صَبًّا ... أَجِيبِي مَوْعِدِي
يَا بَهْجَـةَ الأَيَّامِ وَالزَّمَنِ النَّدِي
فأنا المُتَيَّمُ مِنْ هَوَاكِ ، وَمنْ يَكُنْ
بِهَجِيرِ بَيْنٍ فِي الْهَوَى لَمْ يَسْعَدِ
يَا لَوْعَةَ الظَّمْـــــــآَنِ إِنْ طَالَ الظَّمَا
وَبَدَا سَرَابًا ... كُلُّ مَــــاءٍ بَارِدِ
لي ذكْرَياتٌ في الفُؤادِ ... عزيزةٌ
تَجتَـاحُنِي في كلِّ لَيْـلٍ مُسْهَدِ
كُنَّا صِغَــــــــارًا ، وَاْلقُلُوبُ بِرِيئَـةٌ
فِيهَا الحَيَاةُ إِلَى الأسَى لَمْ تخْلُدِ
عَفَوِيَّةٌ ضَحِكَاتُنَـــــا فِي صَفْوِهَـا
فيَّاضَـــــــةٌ بِالحُبِّ ... لَمْ تَتَبَدَّدِ
فَاضَ الوِئَامُ بِنا .. كَفَيْضِ بَرَاءَةٍ
وَطَوَى الخِصَامَ فلا مَجَالَ لِحَاقدِ
وَإِذَا التَّسَــــامُحُ رَدَّ غِلَّ قُلُوبِنَا
كَالمَــاءِ يَفْجُرُ جَاريًا في رَافِدِ
لَمْ يَبْقَ مِن حُلَلِ الجَلال ِ سِوَى خُطىً
نَغْدُو بِهَا وَنَرُوحُ نَحْوَ المَسْجـدِ
كُنَّا .. إذا صَدَعَتْ .. مَآذِنُ .. بِالنِّدا
تَهْوِي القُلُوبُ إلى السُّجُودِ وَتَهْتَدِي
وَمَعَ الصَّباحِ الْغَضِّ .. إنَّ لَنا خُطىً
دَأَبَتْ إلى (الكُتَّابِ) لَمْ تَتَرَدَّدِ
سَطَعَ الضِّيَـــــــاءُ مُغَازِلاَ أرْوَاحَنَا
أَنْوَارُهُ في السَّيْرِ أَصْدَقُ مُرْشِدِ
كُنَّا بَرَاعِـمَ في الحُقُولِ إذا زَهَـتْ
شَمْسُ الصَّبـاحِ بَرِيقُهَـا كَالعَسْجَدِ
يَأْتِي الشِّتَــــــاءُ يَلمُّنا في مَجْلِسٍ
وتَضُمُّنَا الأشْـــــــوَاقُ ضَمَّ تَوَدُّدِ
نَجْرِي وَنَرْتَعُ وَالسَّحَــــابُ غِطَاؤُنَا
وَالْغَيْثُ في جَوِّ السَّمَـاءِ الْمُرْعِدِ
مِن جَوْفِ طِينِ الأَرْضِ كَانَتْ نَشْأَتِي
وبها عَرَفْتُ الحُبَّ نَبْضَ سَوَاعدِ
كانَ التَّــآلُفُ زِينَـــــةً ... في قَرْيتي
هو في قلوبِ النَّاسِ أصْدَقُ حَافِدِ
كَمْ كَانَ يَحْكِي وَالدِي عَنْ نُبْلِهِمْ
فَنُرَدُّ لِلزَّمَنِ .. الصَّفِيِّ المَوْرِدِ
وَسَلِ الليَـالِي عن قلوبٍ لَمْ تَغِبْ
فِي جَمْعِ شَاي طَابَ حَوْلَ المَوْقِدِ
يَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تُعَـــاوِدُ لَيْلَةٌ
فِيهَـا يَسُرُّ العَيْنَ وَجْهُ الوالدِ ؟!
يا ليتَ شِعْرِي هَلْ لنا مِنْ جَلْسَةٍ
في صَفْوِهَـا الدَّافِي بِلَيْلٍ بَارِدِ ؟!
وَالسَّرْدُ فِي جَمْعِ الأحِبَّـــةِ مُمْتِعٌ
وَقُلُوبُنَا أَسْرَى بَرَاعَــةِ سَارِدِ
كَمْ كَانَ يَحْكِي وَالِدِي عَنْ أمَّــةٍ
فِيهَا أسَاطِينُ الزَّمَانِ الخًـــالِدِ
كمْ كَانَ يَحْكِي عن شَجَــاعَةِ جَدِّنا
رَجُلاَ شَدِيدَ الْبَـأْسِ ذَا كَفِّ نَدِي
وَعَنِ الحَيَــاةِ بِكُلِّ ما في حُسْنِها
مِنْ زِينَــةٍ وعن الزَّمَــانِ التَّـــالِدِ
وَعَنِ الشَّبَابِ مِنَ الأُلَى قَدْ أظْهَروا
وَجْهَ الْكَرَامَــــةِ وَالهَوَى المُتَمَرِّدِ
وَعَنِ الأُلَى ذَاقُوا السَّعَادةَ والرِّضَا
مِن غَيْر ِ مَا عَيْش ٍ وَسِيعٍ رَاغِدِ
مَا غيَّرَ الحُبَّ الذِي يَحْيَونَ مِن
وَجَعٍ بِضِيق ِالرِّزْق ِأَوْ ذَاتِ اليَدِ
كَمْ زَلْزَلَتْ ضَحِكَاتُهُمْ جُدُرَ الأَسَى
حَتَّى وَلَوْ شِيدَتْ بصَخْرِ جَلامِدِ ؟!
تَسْرِي حِكَايَاتُ المَسَاءِ جَدَاوِلاً
مُنْسَابَةً في سَرْدِهَا ... المُتفَرِّدِ
أهْوَى لَيَالِيها وَيَأْسِرُنِى الهَوَى
وأًنًا بٍزيِّ الشَّوْقِ أزْهَى مُرْتَدِي
كَمْ عِشْتُ في كَنَفِ الوفاءِ وأهْلِهِ
دَهْراً وَلَمْ أَعْبَاْ بِكَيْـدِ المُعْتَدِي
تِلْكُمْ فَرَادِيسُ الحيـــــاةِ عَشِقْتُهَا
وَأَنَا لَهَا في العِشْقِ هَذا المُفْتَدِي
وَأَنَا الذِي فِي الشَّوْقِ سَاهِرُ لَيْلِهِ
وَأَرُوحُ فِي السِّحْرِ الْحَلَال وَأَغْتَدِي
لَا شَيْيءَ يَرْوِي غُلَّتي إلا السُّرَى
في فُسْحَةِ المَاضِي الجَمِيلِ الأسْعَدِ
أَنَّى لِرُوحِ الْمَرْءِ يَبْلُغُهَا الظَمَا
وَاْلخَيْرُ فِي الكفَّيْنِ أطْيَبُ مَوْرِدِ !
تِلْكَ الفَرَادِيسُ التِي أنا عِشْتُهَا
تَوَّاقَـةٌ نَفْسِي إلى الزَمَنِ النَّدِي
وسوم: العدد 1114