لو مرَّةً حاوَلْتُ
خلف دلف الحديثي
إلى الذين غادروا إلى لا وِجهةٍ أدريها :
لو أنّ عيْني لا تراكَ وَتُبْصِرُكْ
وشفاهُ ثَغْري أنكرَتْ هَمساتِها
لبَرِئْتُ مِنْها واكتحَلْتُ بمِلْحِها
لو أنَّ نَفْسي ساورَتْني مَرَّةً
لو أنَّ كفّاً رَاودَتْكَ لِلمْسةٍ
ولربّما أدْري وأكبرُ كِذْبَةٍ
أيْبَسْتُ عَيني واكتوَتْ حَدقاتُها
لم تكْتحِلْ بقمِيصِِ روحِكَ بيْنما
ما زلْتُ في مِرآبِ جُوعي ناطراً
أتُرى نَسيْتَ وأنْتَ تُولَدُ في دَمي
ما زِلتَ تَقْطنُني بكُلّ خليَّةٍ
هذي النّهايةُ أنْتَ صُغْتَ خُطوطََها
يا أنْتَ يا مَنْ أشْتهيكَ تزُورُني
الحُزْنُ داخلَ أضْلعي يَحْتلّني
ذِكراكَ ما زالتْ خيالَ توَهّمي
إنّي أتيْتُ وما أتَتْكَ زَوَارِقي
لا لم أَجدْ نشراً كمِثلِكَ زارَني
فسِواكَ لمْ أُبْصِرْ سِواهُ بمقلتي
لِسِوَاكَ ما صاحَتْ قصَائدُ رَغْبتي
ولغيْرِ روحِكَ ما هَفَتْ روحُ النّدى
مِنْ أيْنَ أفْراحي ألمُّ شَتاتَها
أوَ كَلّما هَرَبَتْ حُروفي مِنْ يَدي
أنّى أُرَى وإلامَ وَجْهي غائِبٌ
فثوَتْ على صدري براكينُ الرَّدَى
سأظلُّ أرْقبُ للسّما وَغيومِها
يا حَسْرةً ما عُدْتُ أحْمِلُ عِبئَها
ثَقلَتْ وَهَدَّتْني نَوَازِعُ لَهْفةٍ
حتّى إذا نَفْسي اطمَأنّتْ واحْتَفَتْ
قلْبي بأيدي الغارِمينَ مُعَلَّعلٌ
فأحُسُّ فيكَ وثوْبُ حُزْني ما بلى
حاوَلْتُ إظهارَ السّرورِ بسُحْنَتي
جاءَتْ قوافِلُنا يَسوقُ حُداءَها
تَطوي جلاجِلُها صَحَارى غُرْبتي
تَسَلَّلُ الأصواتُ بينَ شِعَابِها
مَنْ يا تُرى أغْراكَ مَنْ ألْقى على
مَنْ وَزّعَ الحُلُمَ الجَميلَ وَلَمَّهُ
أنا قدْ كشفْتُ سُطورَ أوْراقي الّتي
فإلى متى سأظلُّ أحْمِلُ صَخْرتي
فلرُبّما تأتي ولكنْ رُبّما
جَرِّبْ سِوايَ إذا زَهِدْتَ مَحبّتي
يعقوبُ شِعْري لمْ يزلْ مُتأمِّلاً
ما زارَني ألاكَ في مُدُنِ الهَوى
سأظلُّ وحْدي للقيامةِ ناطِراً
لا لا تَظُنَّ إنا نسيتُكَ إنّما
لمْ يَبْقَ شيءٌ قدْ فرَضْتُكَ في دميوفمي يُقّطِّبُهُ الجنونُ وَينْكرُكْ
وصَدَدْتُ وجْهي وانتهى بي مِحْوَرُك
وشكَمْتُ ثغري لو يقولُ سأهْجُرُكْ
أنّي لغيرِكَ لا إليكَ وأنْفُرُكُْ
لأتيْتُ نَحْوَكَ بالقصيدِ أُفََجِّرُكْ
إنّي أقولُ بأضْلعي لا أحْفرُكْ
ولأجْلكَ ابْيَضَّتْ وظلّتْ تنطرُكْ
رَكضَ العبيرُ مع الأثيرِ يُبَشِّرُكْ
شبَحاً يجيءُ مِنَ الغيابِ وَيَذْكُرُكْ
نَبْضاً يُشَاطِرُني الحَياةَ ويُبْهِِرُكْ
وَيَدي كَما شاءَ الجُنونُ تُسمِّرُكْ
ورَصاصُ موْتي في يديْكَ يُدَمِّرُكْ
قلْ لي متى ومتى تَجيءُ وأشْكُرُكْ؟
وَتُقطِّرُ الأوْجاعَ بي وَيُقَطِّرُكْ
تأتي إليَّ وفي عُيوني تُحْضِرُكْ
وَمَضَتْ لميناء الوَداعِ تُجَرِْجِرُكْ
وعلى فضاءاتي الجَمالُ سينثُرُكْ
وَسوايَ ما غنَّى هواكَ وَيُسْكِرُكْ
وأتيْتُ في حِبْرِ الجُروحِ أُسَطّرُكْ
وعُيونُ نهْرِ الأرْجوانِ تُعَطّرُكْ
إذْ كُلَّمَا قَرُبَ اللّقا لا أُبْصِرُكْ
سالَ المِدادُ وَلَمَّ شِعْري دَفترُكْ
عنْ مقلتيْكَ وبي يَجِيشُ تَذَكُّرُكْ
وأنا اشتَعلْتُ وفِيَّ يرْقدُ خِنْجرُكْ
فعَسى سَحاباتُ الحنينِ سَتُمْطِرُكْ
أنّى مَضَيْتَ أراكَ فيَّ وأشْعُرُكْ
قد عِشْتُها وبي الضَّرامُ يُسَعِّرُكْ
عَجِلاً أَتى نكَدُ الزَّمَانِ يُكَسِّرُكْ
وَحشايَ يَطْحَنُهُ اللّظى لا يَعْذُرُكْ
وعيونُ رُوحي في الطّريقِ تُصَوِّرُكْ
وأعودُ للأفراحِ بي وَأُزَنّرُكْ
قلبي فهلْ يوماً سيُسْمَعُ مِنْبَرُكْ
والبيدُ تَحْمِلُني وَراكَ وَتَعْبُرُكْ
ويُغادرونَ يزيدُ فيكَ تَوَتُّرَكْ
عينيْكَ سِرَّ تَحَطُّمِي ويُعَثِّرُكْ؟
فَغفى على شفةِ التَّوَجُّعِ سُكّرُكْ
فيها كتبْتُكَ أحْرفاً سَتُحَرِّرُكْ
وبلا خُطاي متى سَتُنفَثُ أنْهُرَكْ
لا لنْ تجيءَ وفيّ تدْفَنُ أبْحُرُكْ
واقْنُتْ مَليَّاً مَنْ كَمِثلي يَنْشَرُكْ
عَبقَ القميصِ إذا أتيْتَ سَيَنظرُكْ
ولهُ اعْتكفْتُ وفيّ زاغَ تَبَصُّرُكْ
طيْفاً سيأتيني فشَخْصي يَنْطُرُكْ
قلبي لروحي كُلَّ حينٍ يذْكرُكْ
حتّى تُقيمَ ولنْ يَضُمَّكَ مَهْجَرُكْ