أزهار الندى
هائل سعيد الصرمي
طابت بأزهار الندى الأفيأ
وسرت بمحفل حقلها الأضواء
فبدت كفاتنة بيوم زفافها
روعاء باسمة اللما حوراء
وجه المكارم يا له من أسر
هل للمكارم يا ترى نقباء
من ذا سينهل عذبها وجمالها
هل مثل من شمخت بهم نظراء
طه وتسمو بالندى كل الربا
وتسنبل الوديان والأرجـــاء
قالوا أمير الشعر أبلغ شاعر
نظم البيان ودونه الشعراء
"فإذا رحمت فأنتَ أم أو أب
هذان في الدنيا هما الرحماء"
فلأنت أرحم من يدب على الثرى
في قلبك الرحمات والأنداء
وإذا بذلت فأنت أكرم باذل
ما للوجود إذا سخوت سخاء
وإذا نطقت فأنت أصدق ناطق
وحيا فما البلغاء والفصحاء
طرزت من وحي المكارم حلة
عجزت تجيء بمثلها الأسماء
وجمعت ناصية المعاني موجزا..
من بحرها يتصيد الفقهاء
يستوعب اللحظات عمق بيانها
ولها بكل عويصة إيماء
فلكل روضات الحياة شريعة
غراء يسقي غرسها العلماء
يستلهمون الحكم من أفيائها
وبظلها يتفيؤا الكرماء
كالياسمين و كالشذا فواحة
بك تستفيض فلا يحد فضاء
سعدت بك الدنيا وأشرق نورها
واستقبلت وحي السماء سماء
سجدت وصلت كل رابية وقد
عم الوجودَ بشاشة وسناء
العلم يرشف من بحارك رشفة
فيشع في كل الوجود ضياء
ما لاح فجر مثل فجرك ساطعا
أبدا ولا ازدانت به الأشياء
حتى بعثت وكنت أولَ قائد
للكون لا ظلم ولا ظلماء
حلَّقت بالخلق الكريم وبالندى
وصنعت مالم يصنع الكبراء
"سوّيت بين صغيرهم وكبيرهم"
والبِشرةُ السوداءُ والبيضاءُ
لا فرق إلا بالتورع والتقى
فالحر والعبد الأجير سواء
فإذا الحياة تهللت وتبسمت
ومضت تلملم شعثها البيداء
وتسامقت أمم بوحيك واهتدت
حتى الطيور وغنت الورقاءْ
طه وتنتعش الحياة وتنتشي
لجلال اسمك والقلوب تضاء
زادتك أوصاف النبوة حكمةً
من وحيها يتنورسُ الحكماء
صارتْ غذاءَ المؤمنينَ وزادَهم
فحديث طه للأنام غذاء
نور به تحيا القلوب وترتوي
والوحي عافية لها وشفاء
أحييت بالقرآن أمواتا وهم
أحيا وبين ظهورنا طلقاء
وبلغتَ بالأخلاق أرفعَ منزلٍ
لا الأنبيا بلغوا ولا العظماء
فشمائلٌ موفورة ومحامدٌ
لم تحوها الكلمات والإحصاء
يا سيد العظماء يا بحر الندى
الشعر يعجز عنك والأدباء
ماذا أبوح وأنت فردوس العلى
وبك الحنايا واحة خضراء
وبك الجنان تزينت وتجملت
وبراحتيك الفل والأشذاء
أنت الذي زرع الوفاء فكم نما
بين الصحارى المقفرات وفاء
وغرست معنى الحب في كل الورى
فإذا الوجود حدائق غناء
أنت الذي وهب الفضيلة سمتَها
فإذ الفضيلة بسمة وصفاء
والحكم ينهل من رؤاك مناهلا
عذبا فما الخلفاء والأمراء
هيهات أن يرقى لأفقك جمعهم
فالكل ظمآن وأنت سقاء
عبر الزمان تفيض نورا سلسلا
تروي الذي تاهت به الظلماء
وتعيد من شطت خطاه عن الهدى
فنذير وحيك أوبة ونداء
علّمت قوما لا يرون مآبة
من بعد أن تطويهم الغبراء
كانوا غلاظا ينكرون وجودهم
قبلا وما بعد الحياة بقاء
فإذا بفضل الله ينفلق الضيا
ويزول من هذي القلوب غشاء
روحنت منهم بالفضيلة ثلة
يشدو بها الأموات والأحياء
عاشوا نجوما كالنجوم وما وهوا
عزماً ولم تأسرهم الأهواء
في كل أرجاء الحياة تضوعوا
مسكا وفي كل الوجود أضاءوا
فهمُ الصحابة..من يضاهي مجدهم؟
يتفيئون المجد أنّى شاءوا
بيض القلوب شوامخ من عدلهم
روض الحياة يشع فيه رخاء
كانوا رجالا تحتفي الدنيا بهم
لمكارم الأخلاق هم آباء
يتسابقون إلى الجنان لأنهم
كرمٌ يفيض وعفة وحياء
عز وعزم والشمائل كثة
صدق وصبر همة وإباء
يتدثرون مناقبا موسومة
ومناقبا حارت بها الأسماء
إن التأسي بالأحبة رفعة
فجوار طه..روضة وهناء
يا رب بلغنا الجوارَ ونظرةً
لجلال وجهك إننا فقراءُ
صلى عليك الله يا بدر الدجى
ما هب فجر أو دجت ظلماء