نحْنُ عَلَّمْنا الرّدى
نحْنُ عَلَّمْنا الرّدى
خلف دلف الحديثي
[email protected]وعْرٌ سُراكَ وأيّ دربٍ تقصدُ
ودِماكَ نهْرٌ ما تبدّدَ نزفُها
وخُطاكَ قامَتْ في قيامةِ هولِها
أسْرَجْتَ ظهْرَ الشمْسِ تطلبُ مُرْتقىً
فتمشَّطَتْ بيديْكَ خيْرُ ظفيرةٍ
مُذْ جئْتَ وابْتكرَ المدارُ وجودَهُ
وَنَدى هواكَ يصُبُّ مِنْ عليائِهِ
وعلى ضفافِكَ إنْ عقدْتَ لصوْلةٍ
وإذا بسَطْتَ يدَ الوِئامِ لكَ الْتوَتْ
علّمْتَنا إنّ الجهادَ فريضةٌ
وبأنَّ أحْلى المَوْتِ في سُوحِ الوَغى
فَرَكضْتَ تزْحَمُ أصْيداً جرّارَهُمْ
فلنَا على الرَّبواتِ رايةُ مرْكبٍ
وَلنا مَعاييرُ الزّمانِ وَعِدْلِها
فيها ابتدَأْنا واسْتُفِزَّ جُموحُنَا
وَتنَكّبوا للهوْلِ لمّا أوْمأتْ
شِئْنا لنا مَوْتاً وشاءُوا موْتَنا
إنّا نخُطُّ كمَا أرَدْنا وعْدَنا
أبداً ندورُ على رَحاها حُسَّراً
ولنا كمَا كنّا نُحِبُّ نُديرُها
ولنا المَجَرّاتُ العظيمةُ كلِّها
ولنا بِطاحُ المَكْرُماتِ تَسَيَّدَتْ
ولقدْ سَتَرْنا عنْ عُيونِ ضيوفِنا
ما زالَ يشْخَبُ مُنذُ كُوِّرَ حَيْنُها
كيْ لا يُقالَ بأنّنا حَفِيَتْ لنا
إنّا خُلِقْنا كيْ نكونَ إلى الرّدَى
ونرَى بأنّ الموْتَ كأسُ مُدَامَةٍ
فاسْرجْ خُيولَ النّارِ واقْتَحِمِ الوَغى
وأقِمْ طقوسَكَ في الصّلاةِ مُيَمِّماً
أنَا سَرْجُ شِعْرٍ سابحٍ بفضائِهِ
أنَا مَنْ إذا زُمّتْ عُرَى وَيْلاتِها
أستلُّ مِنْ عطَشِ النضالِ لثوْرةٍ
أشْعَلْتُ شرْيانَ الحُروفِ قصائداً
لَحْناً عَزَفْتُ مُخَلِّداً عَزَمَاتِنا
فالشمْسُ تَبْتكرُ الخيوطُ شُعاعَها
لكَ يا عِراقُ وإنْ نَبَتْ أسْيافُنا
بالأمْسِ رَوّيْتَ الثرَى بنجيعِهِمْ
وَلِرَدْمِهِمْ جَرَّرْتَ في فلواتِهم
وَجَعَلتَهُمْ للنّملِ سائِغَ لُقْمَةٍ
لك يا عراقُ وقدْ بَذرْنا بيْدراً
العَاقِدونَ لِهِمّةٍ نَحَتُوا الحَصَى
سيُجيْبُ هولاكو وَشِسْعُ صَغيرِنَا
ولأنّكَ الأوْفى تظلُّ مَطافِئاً
ولأنّكَ الأبْقى وبابلُ ما انْتهَتْ
ولأنَّ مِنْ أَكَدٍ صَنَعْتَ دروعَنَا
ولأنّ كُورِشَ قِصَّةٌ قدْ خُلِّدَتْ
ولأنّها شادَتْ لخيْرِ حَضارةِ
أنَا قامَةٌ للنّخلِ لنْ تلْوي العِدا
أنا أوّلُ الدّنيا أقمْتُ حدُودَهَا
أنا تاجُ هذا الكوْنِ شيْخُ مُلوكِهِمْ
أنا مَنْ بنيْتُ وَذي الجنائنُ وحْدَها
أنا مَنْ يدي صاغَتْ مَسَلاتِ الأُولى
وأنا الذي إنْ دَسْتُ يَنبُتُ في الثّرى
فمَثارُ كلِّ فصيلةٍ منّي بدَتْ
أنا مَنْ عهَدْتَ وما تزالُ مَنيعةً
أنا مَنْ عرَفْتَ وما تغيّرَ طبْعُنا
فتأمّلي بغدادَ وَجْهَ حَضَارتي
وتأمّلي المَنْصورَ كيفَ أقالَهُ
نحْنُ الذينَ إذا عَشِقْنَا نكْتوي
ولقدْ وَضَعْنا للغرامِ فنونَهُ
هذا العراقُ عَصيّةُ ساحاتُهُوالناسُ تؤمِنُ في هَواكَ وَتُلْحِدُ
إلا لأنّكَ كنْتَ أوّلَ مَنْ بَدُوا
رصَدَتْ مناياها فطابَ الموْرِدُ
ولكَ الملاحِمُ شُخّصٌ , تتجَرَّدُ
رَقَّتْ وَصاحَ لها الدّلالُ الأوْحدُ
أوْجَدْتَ الذي فوقَ الثرى لا يُوجَدُ
مَطراً بهِ زُغُبُ النُّهى تسْترْفِدُ
تأتيكَ حاشدةُ المنايا تشْهَدُ
كرَمَاً عَراجينُ النَّدا تتوَدّدُ
مِثلَ الصّلاةِ يُقيمُها المُتَعَبِّدُ
وَجَوى الوَطِيسِ وللشّهادَةِ نَقْصُدُ
وإليكَ بايعَ بالصِّراعِ الأصْيَدُ
فيهِ الجميعُ إذا ادلهَمّتْ تُنْجِدُ
إنْ أنتَ قد أطلقتَها لا تقْعُدُ
ولها تنادى العَاقدونَ ورَدَّدُوا
دارُ الرّشيدِ فهَبَّ حتّى المُقْعَدُ
فتُرَى بنا مَنْ ذا يكونُ الأسْعَدُ
لا مِثلما يبْغيهِ مَنْ يَتَصَيَّدُ
وعِتادُنا إيمانُنَا لا ينْفَدُ
وعلى المَواضي إنْ أطاحَتْ نَصْمَدُ
وبها أوَاصِرُنا تُشَدُّ وَتُعْقَدُ
ورَسَتْ ، فقامَ بكلِّ ركْنٍ مَعْبدُ
جرْحاً بآلاءِ الدِّما يتبَدَّدُ
وَمَضَتْ سكاكينٌ به تتمَرَّدُ
هِمَمٌ , وَعَزَّ على المُضِيفِ ترَدُّدُ
حَطباً , وَنُمْسِكُ للشّواظِ وَنَجْمَدُ
عَذُبَتْ ويحْلو حينَ يدْنو الموْعِدُ
حتّى لَيَشْهَدَ للصّهيلِ الفَدْفَدُ
عَلِّمْ عُروقَ الرّوحِ كيْفَ تُجَوّدُ
وإليّ أوْدِيةُ القريضِ تُعَبّدُ
أرْقى العوالي والمعالي أنْهَدُ
في ظِلِّها يأْوي الطّريدُ وَيُسْعَدُ
وبها اسْتقامَ وما اسْتقامَ المِرْبدُ
برُؤى البَيانِ لهُ القيامةُ تَسْجُدُ
ولها يُسافرُ بالبشائرِ هُدْهُدُ
سيظلُّ فيكَ شَذى الفُراتِ يُوَرِّدُ
وَطَمَرْتَ مَنْ للحرْبِ راحَ يُؤَكِّدُ
جرَّارَنا وَطَحَنْتَ مَنْ يَتَعَنَّدُ
ولكَ اسْتطابَ معَ الحُتُوفِ المَشْهَدُ
للنّصْرِ , لنْ يُلْغِيهِ مَنْ يتَعَهّدُ
وبِهِمْ خَلايا غَيْظِهِمْ تَتشَدَّدُ
يَطأُ الرُّؤوسَ وللمُذَبْذبِ يَجْلِدُ
بَيْنا غريمُكَ للحرائقِ يُوقِدُ
آثارُها , ما زِلْتَ وَحْدكَ تُنْشَدُ
ولغيْرِ سُومرَ لنْ يعدَّ المَوْلِدُ
وَلِضَوْئِها أُمَمُ العَواصِمِ تَجْهَدُ
تسْعى الدّنا بعُلومِها تسْتَرْشِدُ
كفّي , وَعَهْداً سوْفَ يبْصُرُنا الغَدُ
وأنَا الذي عَلَّمْتُ مَنْ يَتَعَبّدُ
أعْلو , وكلّ عَمامةٍ تترَدَّدُ
تدْري بأناّ وحْدَنا نَتَسَيّدُ
وأنا الذي للغيْمِ قلتُ توَحَّدوا
خَيْرٌ ويَطلَعُ ما يُرامُ وَيُحْصَدُ
وَجنودُ عرِشِ اللهِ بي تَسْتَشْهِدُ
هذي الحُصونُ وَسورُها يتأبّدُ
لكنَّ أهْلي مَنْ على أهلي عَدُوا
كيفَ انزَوَى منها الذي ما شيَّدًوا
عنْ عرْشِ قبَّتِهِ الفنَاءُ الأسْوَدُ
وَنمُوتُ كالشّهداءِ لمّا نَعْمَدُ
وإلى طيورِ الحُبَّ كيفَ تُغَرِّدُ
مَنْ رامَها بخيامِها سَيُلّحّدُ؟