واستصرخت أناتِها الناياتُ
واستصرخت أناتِها الناياتُ
ثريا نبوي
رُدُّوا البضاعةَ إنَّها مُزْجاةُ
ذودوا عن الأوطانِ غولَ مطامعٍ
الغربُ جَمَّع شملهُ ما بالكم
مازال عالمُكم يئنُّ تمزُّقا
هذي وحوشُ الغربِ ترصُدُ خوفَكم
أوَ تبحثونَ عن الهُوِيةِ ..وَيْحَكُم
كان الفتيَّ وحين كان مُرَفرِفا
وصحا الذئابُ ونام مَن قادوا الورَى
زرعوا الحضارةَ -والبذورُ تمرُّدٌ-
إلا الرذائلَ من منابِتِها جَنَتْ
وترنَّحت بالخمرِ تنزِفُ عقلها
وإذا الحضارةُ باللئامِ استُنْبِتَت
أوَ نرتجي من جَدْبهم خيرَ الجنى؟
بات العِنانُ على الغواربِ مُطلقا
يا شِرْعة َالغابِ استعيدي بدءَهم
شهِدَ الهنودُ الحمرُ ليلَ مذابحٍ
شرعوا استباقَ الحربِ بعد حصارِنا
غالوا الطفولةَ..أطفأوا أفراحَها
عجفاءُ والبترولُ يجري أنهرا
قد مزَّقوا جسدَ العراقِ بفُرقةٍ
في بَيْدَرِ التقسيمِ جالَ تَواطؤٌ
بغدادُ تُنسَجُ مِن دِماها بُرْدَةٌ
يا غزلَنا المنقوضَ يا بغدادُ.. مَن
* * *
هذي "جِنيفُ" تمرَّغت في وَحْلهم
يا "رمسْفِلد" ويا "بليرُ" تقاسما
هذا هو الوجهُ الكريهُ لحقدِهم
أوَّاه يا سجنَ "الغريبِ" تهتكَت
مَن للعذابِ المرِّ يصفعُ ظنَّنا
حربُ البشاعةِ والوضاعةِ لم تضعْ
هرما من الأجسادِ رصَّص لهوُهم
سحَلوا الكرامةَ والجراحُ تفاقمت
حلَّ الرجالُ محلَّ هاتيكَ الدُّمى
صُلِبوا وعُصِّبت العيونُ فلا نرى
مَن ذا يُهوِّمُ والنعاسُ جريمةٌ
وحشيةٌ لم يسمحِ النازي بها
والإخوةُ الأعداءُ لم يتورَّعوا
والقابضونَ على الرقابِ تشاغلوا
مَن للبكاءِ إذا تحجَّر دمعُنا ؟
* * *
وإذا الكلابُ توحَّشت وتحلَّقت
مَن ذا سيُخفي في الجرابِ حقيقةً
هذي وضاعتُهم إذا ما استوردوا
بل كِدتُ أنسى ..والتَّذكُّرُ نكبةٌ
طالت (حَلَبْجةَ) أو (حماةَ) يدُ الفَنا
في حافلاتِ الموتِ نقضي نحبَنا
أو حين تَشوينا شموسُ القَهرِ في
والسُّمُّ في الأحشاءِ يسري كيفما
مُرُّوا على أحواضِ حِمْضٍ كم بها
ولْتنظروا أشواكَ بُغْضٍ ثَقَّبَت
وأناملاً قد أُدمِيَت في خِسَّةٍ
ونَمَتْ سِياطٌ في الأكُفِّ جُذورُها
شيطانُهم قالَ املأوها تابِلا
بات الرجالُ مُنكَّسينَ وعُلِّقوا
وتَمَزَّقَت أوصالُهم إذ عُلِّقت
قد دُنِّسَت أعراضُهم وتَلَطَّخَت
أو حين ثُبِّت في الحَشَا ذَيْلُ العَصَا
نَهَشَت كلابٌ فالمُدَرِّبُ حَثَّها
وإذا الدِّلاءُ إلى الجِوارِ استُبقيت
* * *
أَسمِعتَ عمَّن أُغرِقوا واسْتُنقِذوا
سجانُنا حرٌّ تسلَّى بالوَرَى!
إن شاء يخنِقْ مَن يشاءُ فإنها
في الجسمِ مُطفأةٌ سجائرهُ التي
جلادُنا يكوِي وليس مفوَّضا
هذي عيونٌ أُطفِئت أنوارُها
ذهبَ الصُّراخُ سُدًى وبعثرهُ المدى
باتت عظامٌ والرَّغَامُ فِراشُها
للبردِ أنفاقٌ وفَنٌّ ضارِبٌ
والسجنُ يسبحُ في ظلامٍ دامِسٍ
أرخى الظلامُ سُدولَهُ لم يَطْوِها
وسَلوا مفاتيحَ الزنازينِ التي
وتوجَّست شرًّا سَيُمطِرها أذًى
تلك الفنونُ هي الجنونُ إذا ارتَأَوا
في الرأسِ مِثْقابٌ يُعَرْبِدُ فاجرًا
شرفُ الخُصومةِ مِن عُهودِهمُ انطوى
أمَّا المشانقُ والرَّصاصُ فإنَّها
فالمُترَفونَ على الأرائكِ أزَّهم
قبرٌ وأُتخِمَ بالجماجمِ..جُمِّعت
وتُطِلُّ نافذةُ السجينِ على الحِمى
كلُّ العبادِ بغيرِ جُرْمٍ مذنبٌ
قُتِلَ الأمانُ بخِنجَرٍ مُتَفَرِّدٍ
رَدُّوا بضاعتَنا إلينا حسبُنا
* * *
قلباهُ يا بغدادُ ماذا بعد ما
وتبوَّل التاريخُ فوق رؤوسنا
إن أصبحَ الجلادُ قاضينا فلا
ظنُّوا السيادةَ مِنحةً من فضلِهم
ظنُّوا بأنا سوف نركعُ لا.. ولن
يُطفا الغليلُ إذا الكلابَ تلقَّفت
يا "رمسْفِلد" رُموسُكم حُفِرت هنافي الشهدِ سُمًّا تنفِثُ الحياتُ
لم تنْجُ منه جبالُها وحصاةُ
جمعتكمُ الأدواءُ والفُرقاتُ؟
والذئبُ يفتكُ حين تشرُدُ شاةُ!
شَرَكُ الفريسةِ خوفُها ورُماةُ!
تحت اللواءِ هُويةٌ ونجاةُ
حَمَت المرامي جندُها وكُماةُ!
نَهْجُ الذئابِ تصَبُّرٌ وأناةُ!
في الوحلِ لم تُقطفْ لها ثمَراتُ!
أيدي البريةِ أقفرت خيراتُ
وإلهُها الدولارُ والصفقاتُ
كفَرت! فلا تُتْلى بها صلواتُ!
عَمُوا وَصَموا .. صدَّقت آياتُ
فإذا الطريقُ مدامعٌ وشُكاةُ!
فوق الجماجمِ قامت "الويلاتُ"!
سلبت حقوقٌ نبضُها حَيَوَاتُ
صُفِعت على الخدَّين حرِّياتُ
عجفاءُ عطْشى والسليبُ فُراتُ
وعلى السنينَ تخُيَمُ المأساةُ
كي يجمعَ الوطنَ الجريحَ شَتاتُ
مُهَجَ المَغاني يستبيحُ غُلاةُ
وطيورُ بينٍ في المَدَى نَعِباتُ!
للغزلِ إنْ نقضَ الغزولَ عُداةُ؟!
* * *
شُرِبت على أشلائها الكاساتُ!
عارَ الفضيحةِ سجَّلت عدساتُ
ما الغربُ إلا نِقمةٌ وجُناةُ
أستارُهم وتصاعدت آهاتُ!
كنا نظنُّ إذا بها أناتُ!!
أوزارَها وتباطأ الميقاتُ!!
أوَ في الرَّغامِ تُنَضَّدُ القاماتُ؟؟
وتكشَّفت من سِتْرِها العوراتُ
عبثَ القيادةِ تنقلُ القنواتُ
هولَ الجحوظِ إذا سَرَت صعقاتُ
سادِيَّةٌ قد قنَّنتها اللاتُ!
دَمويةٌ قد برَّرت غاياتُ
بلدُ الرشيدِ تخونُهُ الجاراتُ
مِلْءُ الجفونِ تغافلٌ وسُباتُ
واستصرخت أنَّاتِها النَّاياتُ؟!
* * *
شُطِرَت قلوبٌ..شُيِّعَت عَبَرَاتُ
مِزَقا يُمَزَّقْ تُطعَمِ الحدآتُ
مِن سجنِ "كوبا" جاءت الخبراتُ
مِن سَبْقِنا تُسْتَنسَخُ الآفاتُ!!
وعلى الخرائطِ دارت المِمْحاةُ!!
جوعًا..صَدًى.. تُودِي بنا الزَّفَراتُ
عُلَبِ التَّناقُلِ ما لنا إفلاتُ
أمَرَ الملوكُ ويسْتجيبُ طُهاةُ!
ذاب الخلائقُ فانتشت لذَّاتُ
أقدامَ مَن هُم في المسيرِ حُفاةُ
نزعوا الأظافرَ أمْحَلت رحْماتُ!
فاستعذبَ السلخَ البطيَء عُتاةُ!
بفمِ الجراحِ تُنَضَّدُ الجمَراتُ!
وعَلى الظهورِ السُّوقُ مُستعِراتُ!
في المِعْصَمَيْنِ مِن الحديدِ كُراتُ!
حين اسْتبيحت زوجةٌ..أخوَاتُ
يا وَيْلَنا في الأرضِ عاثَ بُغاةُ!!
مات الضميرُ تَكَدَّست حسَراتُ!
أبشِعْ بها إنْ دارت الدوراتُ
* * *
غرقٌ.. وطفوٌ .. لُعبةٌ.. مَلهاةُ!!
حرٌّ ولم تُعوِزْهُ مُبتكراتُ!
باتت مَشاعًا أنفُسٌ وَرِئاتُ!
فوق الجفونِ بَدَت لها بصماتُ
للنارِ ربٌ إن بدَت عِلاَّتُ
وعلى الشطوطِ تكالبت ظُلُماتُ!
حتى متى تتبدَّدُ الصرخاتُ؟!
في الليلِ ترسُفُ كُبِّلَت خُطواتُ
أتَلينُ للفنِّ الخسيسِ قناةُ؟!
عَمِيَتْ على جُدرانِهِ السّاعاتُ!
فتشابَهَ الأحياءُ والأمواتُ!
لو حُرِّكت لَتَسَمَّرت نظراتُ!
ومن المخاوفِ تنبري العشراتُ!
نفخَ البطونِ وأسهَبت آلاتُ
والقيْدُ مِنْجَلَةٌ لها قَبْضاتُ!
لُدٌّ وفي ساحِ الخصامِ عُراةُ!
بَتَرَتْ زوائدَ والليالِ سُكاتُ
رَجْعُ الأنينِ فقُتِّلَت أصواتُ
حُشِدت فكانت ثَمَّ مؤتمراتُ!
هذي بلادُ العُرْبِ معتقلاتُ
أَوَ في العبيدِ يُنازَعُ السَّاداتُ؟!
وتقَوقَعت في الخوفِ مجتمعاتُ!
نونيةٌ" يزهو بها الإثباتُ!!*
* * *
تحت النِّعالِ اسْتُنزِلَت هاماتُ؟!
صِرنا غثاءً ما لنا حُرماتُ؟!
عادت حقوقٌ أوْ ..جَلَتْ نكباتُ
خسِئوا فتحتَ رَمادِنا الثوراتُ
لا والذي فرض الجهادَ..أُباةُ!
أُسْدٌ ضَوارٍ مِلْؤها الثاراتُ
لن تهنأوا ..للرافديْنِ حُمَاةُ!!
(*) القصيدةُ دندناتٌ حول مشروع الشرق الأوسط الكبير
وما واكَبَهُ مِن كشف النقاب عن تعذيب العراقيين في سجن أبو غريب
والنونية:هي القصيدة التي كتبها في المُعتَقَل د/يوسف القرضاوي العالِم الإسلامي المعروف
