اغتراب للاشيء
خلف دلف الحديثي
ابن الفرات العراقي
[email protected]تغزو قِراءاتُ صمْتِ الليل أشعاري
ويحتسي فكريَ المكدودُ خمرتَهُ
والأرْضُ أخْفتْ هوى ترتيلِ أغنيتي
غُرِّبْتُ وحْدي وَملّ الشوقُ من جسدي
وما أزالُ وملحُ الروحِ ذكرُهُمُ
يُداعِبُ الموْجِ مجْدافي به تعبٌ
فتغزلُ الشِّعرَ نسْجا بي تؤهِّلُهُ
إنّي أفتّشُ عن همْسٍ يُلمِّحُ لي
صحوْتُ منّي وفي اللاشيء أدْركني
ما بينَ ماضٍ مضى بعثرْتُ رحلتَهُ
أتيتُ أجمعُ ما قد ضاعَ من وَجعي
فما وجدْتُ سوى قحْطٍ تحَاوَطني
لا شيءَ يجْعلُني والنّحْسُ يسْكنُني
لا شيء غيرُ الأسى نفُسي تَلَذُّ به
ونزْفُ بعضِ هَشيمي صالحَتْ حرقي
وغيرُ وجْهٍ دعتْهُ اليومَ قلقلةٌ
لا شيء إلا أنا أحلامُ وَشْوَشتي
حتى غزا الشيْبُ رأسي واعْتلى قِمَمي
ويَكسرُ البعْدُ للآتي ويسْجُنُه
يا أيّها الرّاحلُ المطرودُ عن وطنٍ
ريحُ التوابيتِ شالَتْ بعْضَ حَشْرجتي
فظلّ قلبيَ جيَّاشاً بحبِّكُمُ
فأسرعت بي خطى الأحلام تدفعني
فَشاخَ حفّارُ أحزاني بما دَفنتْ
دمٌ يفورُ وفاضَتْ فيهِ أوْديتي
تحاصصوا واحتملنا فوق طاقتنا
باعوا الفراتَ وصبْحي لا دليلَ به
وكل ذنبي أنا من صغْتُ مزدهياً
أنا عراقُ العُلا دوْزَنت خارطتي
غُرِّبْت والسيْفُ يلهو في خواصرِنا
ويجْلدُ الغدْرُ تأريخي وينثرُهُ
مَضى ربيعُكَ فاقطفْ زهرةً ذبلَتْ
وعُدْ تجدْنا وما أبقى الخريفُ لنا
يا أيّها الوطنُ المنفيُّ في جَسدي
وعن فنائي لقدُ غابَتْ غيومُ غدي
ما أبقتِ النارُ مُذ شبّ الحريقُ بنا
عدنا لتذبحَنا الساساتُ في شَرهٍ
فمَنْ يردّ دمي في قعْرِ جُمجمتيوفي مدارِ الأسى تفترُّ أفكاري
فيكسرُ القدحَ المملوءَ خمّاري
وفي ملامِحها خبّأتُ أخْباري
وكم حننْت إلى أهلي وللدّار
منهم تُدوِّنُ للأوجاعِ أحْباري
وتعبرُ الشّمْسَ والآفاقَ أقماري
ملامحُ الوعْي واللاوعي أسْفاري
وعن سنيني طواها كفُّ جزّاري
صوْتي الذي ضاعَ في المنفى وأطواري
وبين آتٍ رَمى المجهولُ زُوّاري
على كتابِ دَمي يرْوي لحفّاري
وقدْ أقامَ ببابي صوْتُ إنذاري
مِنْ أنْ أغنّي بلحْنِ الحبّ سمّاري
وليس إلا دَماري صاغَ أكْداري
ريحُ السّقوطِ على تنّورِ آثاري
من غرْبةِ التعَبِ الموْشومِ بالغارِ
حطّتْ على غُصْنِ أحْزاني وَأنواري
وراحَ يمْحَقني في سيْفِ أقداري
في قعْرِ جُبٍّ يواري سوْءةَ العارِ
به الدّماءُ غدَت سيْلاً بمضْماري
وضيَّعَتْ رايةَ الأوطانِ أهْواري
وزادَ منّي احتمالَ النارِ إصْراري
إلى اجتثاثِ فمي من عرْشِ تذكاري
كفّاهُ واختنقَتْ بالموْتِ أسْواري
حتّى على القتلِ صاغوا لوْنَ أدْواري
مهانة نرْتضي بالذلِّ والعَارِ
وقايضوا النخلَ والدّنيا بدولارِ
نورَ الحضاراتِ من أحبارِ أخياري
ودوّرَتْ لي خطوطي رحمةُ الباري
وصوْتُ خنجرِهم يفتضّ أوْتاري
مثلُ الرّمادِ وما أبقى بتيّاري
ماذا تبقّى سوى أنفاسِ أعطارِ
إلا بقايا الحصى في رحبةِ الدارِ
أنا صحوْتُ ولكنْ دون أوْطارِ
وهاجرَتْ عن ديارِ الأمسِ أمطاري
شيئاً وعدْنا لنضري النارَ بالنارِ
وتزرعَ الفتنُ الحمراءُ للثارِ
ويعقدُ الحبَّ بين الجارِ والجارِ؟