حرائق الجوع
خلف دلف الحديثي
[email protected]شبحُ الجياع على طريقك يركعُ
يتضوّرونَ ونابغيٌّ ليلُهم
مَنْ ذا يحسُّ بحالِهم وبجوعِهمْ
هي ضحكةُ الأقدارِ كيفَ تكسّرَتْ
فجميعُ أفواه اليتامى صيْهدت
فتضجّ وديانُ الحنينِ بخاطري
فتلملمُ العبراتُ سيلَ عواطفي
يمتصُّ إرباكي تجلّدَ قوتي
وغدي مفازاتُ تدوسُ بخطوها
مَوْتى تشظّتْ لا سبيلَ لدفنِهم
عطشٌ يسربلُهم بثوبِ جحيمِه
وأنا خياراتُ الردى تعتادُني
منّي انتزعت بطلقة مستقبلي
وأمرت قلبي كي يكون كما أرى
الجوع غول أطلقته عصائب
مرصودة كل الدروب بخطبها
لي رحلتان من الجراح بمفردي
وحدي صراخ في صحارى غربتي
جوعٌ يُكسّرُني ومثلي أخوتي
وطنٌ من الموتى يغازل معطفي
وجراح روحي أينعَتْ بجنيّها
والراحلون وفرْط سُهدِ عيونِهم
فيهم ألمّتْ بالبعادِ مصائبٌ
فستركع الدنيا لهم ولصبرهم
أكل الزمان مع الردى ضحكاتهم
فغشى الوجوم وجوههم وبها انطوت
فغدت بلاد الله ما وسع المدى
فلقد سمعت أنين روحي وحدها
وسمعتُ صوتَ الحزْنِ يعزفُ لهفتي
وفمُ الجوارحِ شلّهُ قلقُ المتى
تقتات أحزان اليتامى دفتري
وأنا حريق أججته مواجعي
نومي تجافى والجفون تخاصمت
مُقلي يُصارعُها الكرى وتلوذُ بي
فالشّعرُ خاصمني وودّعَ عالمي
النارُ تحصدُنا وسيْلُ لهيبِها
أنّى وكيفَ ولا سبيلَ لردّها
الفقدُ أوْلمَ في فضاي جهنّمي
البعدُ شتّتني وألقى رحلَهُ
أخفى مراسيمَ الحنينِ بداخلي
ما كنتُ أحسبُ أنْ يطولَ ضياعُنا
يمضي الزمانُ بما يريدُ ويشتهي
ونسيرُ تدفعُنا الخطى لمتاهِنا
شابَتْ دروبُهُمُ ، تبّسَ ضرْعُها
ما ضعْتُ وحدي فالبلادُ جميعها
ضعْنا وأقداحُ المرارةِ حنظلاً
تعِبَ الدمارُ وأحرَجتني غُصّتي
ماذا أعيدُ وربّما شبحُ الخُطى
ما كنتُ وحدي بل جراحي في يدي
ذاتي تفتّشُ في زوايا خيبتي
حزْني عليّ يلوكني ويشدُّني
وتفتِّتُ الآهاتُ صخرةَ مُهْجتي
وصدى السنين يصيحُني وأصيحُه
أنا ضائعٌ ومضيّعٌ بمنازليوإليّ من دربِ المتاهةِ يرجعُ
والبرْدُ سوْطُ البرْدِ عُنفاً يقرَعُ
وعلى الجهادِ لأجلِهم يتطوّعُ
آمالُهم وبها يطوِّحُ زَعْزَعُ
في بابِ خيرك والقلوبُ تفرقعُ
وفمي بغابات الطوى يتسكّعُ
حولي وحولي بالمصائبِ تطبَعُ
ولسانُ حالي واهنٌ لا ينفعُ
جلدي وتنثرُني الرياحُ وتصفعُ
وقبورهم بفمِ الصوادحِ تُجْمعُ
ويُقيمُ في أعْراقهم ويلوِّعُ
ويدي بملحِ ترابِها تتمزّعُ
حتى على غاياتهم أترفّعُ
ضدّاً لمن في خيره يتربّعُ
منه اكتوت هذي الجموع فودّعوا
ولنا أعدوا ما يرادُ وطوّعوا
وبنو أبي للحالمين تشيعُ
وصدى الصُّراخِ مع الصّدى يَتدفَّعُ
من جوعِها في جوعِها تتلفّعُ
وعلى بكائي قلب قبري يدمعُ
شعراً وغصّت بالتنهّد رُضّعُ
ما زال فيهم للإيابِ توجّعُ
ومصاعبٌ فيها الرؤوس تزعزعُ
ولهم سيسجد بالمفاخر مجمعُ
وعلى الدروب اللا تراد توزعوا
آلامهم فتوسّلوا وتضرّعوا
سجنا بوطأته الأضالع تُقلعُ
في غابة الوجع المرير يُرَجّعُ
نغماً بآياتِ الضياعِ يُرَصّعُ
خطوي لتابوتِ الدّيارِ يُشَيّعُ
ويتوه في سطري لظاي ويقمعُ
ما بين روحي والجوارح يرتعُ
ودموع عيني من فؤادي تنبعُ
وعلى صحارى الوَهْمِ تجري الأدْمُعُ
والوجْدُ من وجدي بناري يُلسعُ
بسيوفِهِ كُتلُ الجماجمِ تُقطعُ
وعويلُ موتي لا يكلًّ ويجزعُ
وإذا قرأتُ فمَنْ لشعري يَسْمعُ
عندي وعرشي للنوى يتصدعُ
وبلوْعتي أحلى القصائدِ تُبدِعُ
ويلفُّنا دربُ الوداعِ فنهرعُ
ونرى الدّوارَ إلى الدّوارِ فنُصرعُ
والراحلون معَ الضياعِ توَزّعُوا
وفمُ القصيدِ به تكسّرَ مَطلعُ
ضاعَتْ وضيَّعها عليّ مُضيّعُ
سَكبَتْ ومَا يُذكي الجحيمَ ويُولِعُ
مُذْ ضمّ أحجارَ المَدائنِ بَلقعُ
يجْثو ونحوي قد يكونُ المرْجِعُ
سارَتْ وَودّعني الربيعُ فأقلعوا
عنّي وإنّي في ظلامي أقبَعُ
بيديه يسقيني المرارَ فأجرعُ
وبخنجرِ اللهفاتِ روحي تُقطعُ
لكنْ صداي بلا صداه يُضيّعُ
وبنارِ نفسي كفُّ نفسي تُصْرَعُ