محاولات فاشلة
يحيى السَّماوي
(1)
جرّبتُ يوماً
أنْ أغَيِّرَ في طقوسي حين يطحنني الحنينُ
كأنْ أخونَكِ
في
دهاليزِ الخيالْ
هيّأتُ في سِردابِ ذاكرتي
سريراً باردَ النيرانِ مَسعورَ الندى ..
ومن السَّفَرْجَلِ والأقاحِ وسادةً ..
ومَلاءةً ضوئيَّة ً
طرَّزْتُها بهديلِ فاخِتةٍ ..
ومبخرة ً
من الشّبَقِ الأثيم ِ ..
ومن صحونِ اللذّةِ الحمراءِ مائدةً ..
وثغرا ً ظامئا ً لرضابِ زهْرِ البرتقالْ ..
ونديمة ً
كانتْ تُويْجَتُها أنيسة َ مَيسَمي :
شفتانِ من كَرَزٍ ..
وعينانِ استفاقَ العُشبُ في حقليهما ..
وحَمامتانِ
يكادُ عُشُّهُما يضيقُ بهِ القميصُ
فحَلَّ أزرارا ً لِيُفسِحَ
في المجالْ
فاسْتنْفرَتْ جوعي لذائِذُها ..
وحين هَمَمْتُ :
سَلَّ القلبُ أضْلاعي عليَّ
فكنتُ مهوىً
للنِبالْ
فعرفتُ أني
حين أجنحُ عن صِراطِ هواكِ :
أبدأ بالتّلاشي
والزّوالْ
***
(2)
جرّبتُ يوما ً
أنْ أغيِّرَ في كتابِ القلبِ ..
أشطبُ منهُ :
باديةَ السماوةِ ..
والفراتَ المُجتبى ..
ومآذنَ اللهِ النخيلْ
والكوخَ والفانوسَ ..
تنّورَ الصّباحِ ..
وطاسة َ اللبنِ الخضيضِ ..
ونخلة َ البرحيِّ وسْطَ الحوشِ ..
والفقرَ الجليلْ
فنشرتُ أشرعتي
وأبْدَلتُ اللسانَ بغيرِهِ ..
غيّرْتُ أثوابي ..
وأبْدَلتُ السواحلَ بالسّواقي ..
والمراقصَ بالمآذنِ ..
والكمنْجةَ بالهديلْ
لكنني
عندَ الوقوفِ إلى المرايا
لا أرى
إلآ
ملامحَ أمسيَ الحيِّ القتيلْ :
طفلٌ بلا لُعَبٍ ..
صبيٌّ قابَ قوسٍ من كهولتِهِ ..
فتىً صلبوا على عينيهِ هُدْهُدَهُ الجميلْ
وأرى غدي
في " المسلخ ِ الوطنيِّ " ..
ينهشُهُ المُنافقُ ..
والمُدَجَّنُ ..
والوليُّ اللصُّ ..
والضَّبْعُ الدّخيلْ ..
**
(3)
جرَّبْتُ يوما ً
أنْ أخونَ الأصدقاءَ
كأنْ :
أغضُّ السَّمْعَ
حين ينالُ من أزهارِهِمْ
شوكُ المُهتَّكِ ..
والطحالبُ ..
والذّليلْ
فخشيتُ أنْ يَعْتابَني شرفي
ويبرأ من جذوري
طينُ بستاني الأصيلْ