في فسحة الأمل
أحمد عبد الرحمن جنيدو
سوريا حماه عقرب
يا ميسون تعالي يا ميسونْ.
قدْ حان قطاف الليمونْ.
جاءتْ عصفورتنا لتعشعش في عينيك،
تكلـّم صمت ٌ،
أيغيب سكونْ.؟!
وبلادي قطعة حلم ٍ
راقدة ٌ بضميري،
شامخة ٌ بعيونْ.
متعبة ٌ أوقاتي ،
فشتائي يمضي ،
لم يرحلْ من داخلنا كانونْ.
أصهر نيسان، وأغتال ربيعا ً،
أشرب نخبا ً ،
وسكارى حولي وجنونْ.
يا ميسون صبايَ قناديل الكسر ِ،
وضعف ٌ وغبونْ.
من سرق الكحل من الأجفان،
أنا بالكحل المفتونْ.
عرجتْ أنشودتك السمراء،
وغابتْ من حقل اللوز،
وماجتْ فوق شفاهي،
هربتْ من عجزي وسطوري،
تركتْ أطفال الحارة يبكونْ.
من ودّع ماضيك بمنديل الزهر،
وناب عن القول بأنـّي مسجونْ.
ذاك العرف يحاصرنا،
فوق رصيف الشوق أناسٌ منسيـّونْ.
جاء الراحل من أضلاعي يسلبني،
وصغارٌ رحلوا ،
كانوا في القلب يصلـّونْ.
بدأتْ أشيائي تنساب،
علاقتنا تنثال،
وقصـّتنا تغتاب،
تزول تفاصيل محبـّتنا ،
كانت نائمة ً في المكنونْ.
في صدري أشجانٌ ،
راحتْ ترسم فجراً بدمي،
عنوان الشمس بدايتنا،
تنثرُ آلامي في عينيك،
فيخضرُّ الزيتونْ.
يا ميسون تعالي ياميسونْ.
نرحل في ليلكة ٍ،
ودعي الناس يغنـّونْ.
في مدخل بيتي أشجارٌ أزهارٌ ،
نحن زرعناها بعناء ٍ،
وسقيناها بدموع ٍ،
وكبرنا،
كبرت ْدرنات الصبر بثورتنا
واللهب الممزوج بأعناق ٍ بالشعلة معجونْ.
فمتى تأتين إليها ضاحكة ً؟!
قد حان قدوم التاريخ المدفونْ.
كسر الحلم على رأسي،
واصطاد وجودي بين الميم وحرف النونْ.
من أشعل في محرابي رغبتها،
أطفالٌ ونساءٌ بصلاتي باقونْ.
أنت الباصرة الخائفة،
اليوم غيومٌ ،
أنت العمياء بأحشاء الإشراق،
وهم سيرونْ.
يا ميسون نسيتُ بكائي بمدافن صدرك،
هذا النسيان العشرونْ.
ومسافرة ٌ في سيفي ترديني ما يردونْ.
جارحة ٌ من رئتي تكتب أسمائي،
وبسطور الليل لغاتٌ،
تشبه أمّي،تشبه جدّي،تشبه لحمي،
تشبه قلبي المغدور المطعونْ.
وعبادة شعري كفرٌ،
من ألزمني بدعاء خنوع ٍ وفتونْ.
كنت أبادل لون سرابك في ليلي،
يزرعني صبح ٌ،
تقطن عينيك خرافاتٌ وشجونْ.
يا رائعة ً في مستنقع خوفي،
يا دافئة ً بليالي كانونْ.
آخذ ُقوتَ نشيدي من عينيك،
دعيني أكتب حرفا ً
فيه أطيارٌ ماضونْ.
يا ميسون تعالي يا ميسونْ.
قد حان قطاف الليمونْ.
لن أسبح بعد الآن بفوّاح الطيـّونْ.
يا رائحة الأرض الممزوجة بالأمطار ،
أراهمْ من تحت القوس يمرّونْ.
لا يصبح شكلي مطرا ً،
لا وجهي إشراقاً ،
هم من بين مساماتي يغدونْ.
************
أشكو ملحمة ً إنْ وجدتْ.
إنّ مشاعرنا قدْ قتلتْ.
وعصا الراعي يحملها ذئبٌ،
أو بيد الراعي قدْ كسرتْ.
خالفتُ مبادىء عقلي،
فرأيتُ مبادئنا عطبتْ.
وتقمّصتُ شياطين الخبث،
رأيتُ صلاحي آثاما ً نشرتْ.
أستنشق عطرا ً من جيدك فاتنتي،
وعطوري في رجس ٍ دفنتْ.
فأقول دموع طفولتنا،
إنْ قالوا عنها أوزارا ً ثقلتْ.
ساروا في جثـّة شعري،
عادوا منكوبين بسطري،
وقصائدنا في النكبة قدْ حرقت ْ.
ووجدت مدينتنا الفوضى ضائعة ً،
ضجرٌ ساكنها،
بشرٌ تحت الأنقاض فهل دثرتْ.؟!
أنا أذكر حالات هيامي،
وهيامي كخرابيش ٍ في أرض ٍ حفرتْ.
من أعطاني لون بلادي ؟!
أنا من أعطاني،
من قال بأنـّي وطنٌ،
ومن الأوطان دمائي سرقتْ.
فنواقيس كنائسنا قرعتْ.
ومآذننا يعلو صوت الله بها،
لكنْ آذانُ الناس ِمرارا ً صدأتْ.
من يسمعُ صرختنا إنْ صرختْ.
عادتْ شاة ً،
تحت الأقدام ِ فحولتنا سقطتْ.
ولحومُ الحقِّ على الأرض ِ،قذارتنا أكلتْ.
لكنّ المسألة َالكبرى حسمتْ.
ونزيفُ دماء ِالشاة ِغزيرٌ،
وأهمُّ الأشياء ِعن اللحظة ِ ما حصلتْ.
هم سكروا بنبيذ ِالنصر ِ،
ونحنُ عراة ٌ وحقيقتنا صغرتْ.
لكنـّي لم أكتبْ نسمات الصيف،
ومن بين يدايَ تناءتْ.
في اللحظة ما طرحتْ.
يا ميسون تعالي يا ميسون
فقد حان قطافُ الأوراق ِ بما ذكرتْ.
*************
يا ميسون وحيدٌ في مذبحتي.
وعيونك ليستْ مشكلتي.
سحبتْ منـّي أسلحتي.
وسقطت أتاجر في مهزلتي.
أدخلني عشقـُك دوّامة َأحزاني،
فرأيتُ ملامح قاتلتي.
كنتُ أطاردُ سلوى بحقول ِالقمح ِ،
وأعشقُ فيك سنابلها،
وأوزّع أزهارا ً للعصفور ِ،
وماءً لحمام الدار،
وقمحا ً للخبز ِ وصوتا ً للنار ِ،
أهيمُ بسلوى ،سلوى كانت فاتنتي.
نعدو بين زهور النرجس والسنبل،
نلحقُ شمسَ المغرب ِ،
ونطاردُ نسمة َ صيف ٍ،
نشبعُ أفكارَ العشق ِ بحلم ٍ معبود ٍ،
كنت بلادا ً، سلوى كانت رائعتي.
وكبرنا يا مولاتي،
كبر العشق علينا،
كبر الحلمُ على أوضاع ِ العيش،
أتوا فرضوا التقطيع علينا،
كبرتْ حتى ألبستي.
فلبست قلائد حاكمتي.
صارتْ أصفادا ً بيدي،
من يرجع سلوى؟!
أخذتْ معها أوسمتي.
صار الكلُّ يراهنُ بالنصر ِعلى مقصلتي.
يا ميسون ألمْ أكبر بعد فوات ِالسنوات ِ،
ولم أدخلْ أصقاعا ً في مملكتي.
تخشين دخولَ سراب ِمعاناتي.
أنت عروشُ الدنيا أكملها،
أجملها،
أنقاها،
وأنا عبدٌ سيـّدتي.
صوّرني حبـّك شاعرَ عشق ٍ،
والشعر هلالٌ ،
والشعرُ بمأساتي.
لم يخلصْ عشقي،
لكنْ زادتْ مشكلتي.
ما أروع أنثى ترضعني آمالا ً
من شهد حكاياتي.
ما أروع أنثى تأخذني بيد الغفران،
وتسكنُ أفئدتي.
أنا أعشقُ يا ميسون،
وإنْ قطعوا أوردتي.
يا ميسون وحيدٌ في مذبحتي.
قد حان بناء أساس ٍ،
ليحلَّ صراعي ،
ويجيبُ على ما طافَ بمسألتي.
أنـّي أبحثُ في عينيك عن الماضي،
قد ضاعتْ أسئلتي.
وبقيتُ أفتـّشُ في أوراقي عن خاتمتي.
عادتْ بعد الموت ِ امرأة ً،
والوطنُ الأسمى لا يشفع ُ ذاكرتي.
والحلمُ جنين ٌ في قلبي،
وجنينُ الحبِّ يعانقُ في الأنشودة ِ منجبتي.
لن أسمعَ غيرَ نشيدَ بلادي،
مهما منعوا في الأحقاد ِ، صداه أغنيتي.
يا ميسون تعالي،
فالأرضُ تحاكمنا،
إنْ فسدتْ فاتحتي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانون الثاني / 1991